يالَهذا الواقع المُوجع العديم التهذيب! هذا الواقع نفسه هو مَعْجَن الكاتب؛ منه يستمد حكاياته، وبسببه يكتب. ولأن هذا الواقع لا يخلو من أمراض، ولأنّ جمال الواقع ليس سببا كافيا للكتابة دوما، لا بد إذًا من استفزازٍ يحرّك مياه الكتابة العزيزة. ويمكن لمنظر جميل أن يلهم لوحة أو قصيدة، لكن حين الحديث عن كتابة معرفية فكرية تثير الأسئلة، وتنزع الأعشاب الضارة، فإن الجمال ليس محفزا رئيسا للكتابة "التثويرية"، لأن الكتابة عن الجمال والاتساق احتفال واحتفاء وقتي بلحظة، بومضة، بعارض يعرض على الواقع. أما الكتابة التأصيلية، فمحركها الرئيس استفزاز، قد يكون على شكل تقزز من الواقع أو غضب منه، أو خوف، أو قلق، أو دهشة، وفي بعض الأحيان القليلة انبهار بجمال فائق.
السؤال هنا، كيف يمكن للكاتب أن ينقل هذا الواقع المريض ويعرضه؟ لا يمكن قبول التجميل هنا، وأي تزيين هنا هو تزييف لا محالة، فالأديب ليس مزيِّنا أو خبير "مكياج". لكنّه أيضا ليس صحافيا ينقل الخبر بدقة وتفصيل، فالأديب ليس كاميرا!
وهنا يمكن أن نتفذلك كثيرا، وننظّر، وندبّج، ونتشدق بالماينبغيات، والمفروضات، والمأمولات. سنثرثر كثيرا، وسيُودي الواقع المريض في أثناء ذلك بضحايا كُثر. لكنْ لا بد أن نحسم الأمر، ونرسم خريطة الطريق، ونعثر على الملقط المناسب لاصطياد جرثومة الواقع الموحل، وعرضِها على القارئ دون أن يتسخ أي الطرفين –الكاتب أو القارئ- بها.
للكاتبة : حياة الياقوت
الموضوع الأصلي :
ت ديب ال دب || الكاتب :
همسه الشوق || المصدر :
شبكة همس الشوق