الحمد لله الرب الرحمن، العظيم الشأن، كامل الإحاطة والقدرة والسلطان
﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾[1]
أحمده سبحانه على هدايته بالقرآن وما أنـزله من بيان وأشكره على نعم مترادفه سابغه كثيرة حسان. وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له الذي حذرنا من الشيطان وأخبرنا بعداوته لنا منذ خلقنا وإلى أن ندرج في الأكفان.
وأشهد أن محمد - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله الذي بين لنا صوراً متكررة من كيد وعداوة الشيطان.
- صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أولي البصائر والإحسان.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تبارك وتعالى واعبدوه فإنكم إن لم تتقوه وتعبدوه اتبعتم وعبدتم الشيطان فأوردكم دركات النيران
﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ
جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾[2].
عباد الله:
هذه النهاية التي يصل إليها من لم يعبد الرحمن الرحيم، وعبد الشيطان الرجيم، التردي في الجحيم، وصلى العذاب المهين الأليم
ولا يقولن قائل إنه لم يعبد الشيطان لأنه لم يسجد له في محراب ولم يصغي له إلى خطاب، فيرد عليه بجواب فإن كل من عصى الله تعالى
في إمتناع عن مأمور أو ارتكاب محظور أو الجزع على محض مقدور فقد ترك عبادة الرحمن وعبد الشيطان فإن كل من عصى الرحمن
فقد أطاع الشيطان لأن الشيطان وهو الداعي إلى معصية الرحمن الصاد عن سبيل الجنان المزين لسبل النيران كما أخبر الله عن قوله
في محكم القرآن ﴿ لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾[3] ﴿ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ﴾[4].
معشر المسلمين:
إن العبادة هي الانقياد للنبي عن ذل وطواعية وعلم فمن استنكف واستكبر عن عبادة الرحمن مختاراً فقد استجاب للشيطان وعبده
اضطراراً، فاتقوا أن تكونوا عبيداً للشيطان فتبحوا كافرين بالرحمن سالكين لسبل النيران باستجابتكم للشيطان ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾[5].
معشر المؤمنين:
كم أبدى الله تعالى وأعاد في محكم القرآن في بيان عداوة الشيطان للإنسان والنهي عن إتباع خطواته أو الإصغاء إلى تزيينه
ووسوساته ليضل الناس عن سبيل الله ويحملهم على الإشراك بالله أو الابتداع في دينه وارتكاب معاصيه وحسبكم قوله تعالى
﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا
أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾[6]، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فإنه إذا دخل أهل النار مع الشيطان خطبهم الشيطان
خطبة تزيدهم ندماً وشقوة وحشرة وألماً كما قال تعالى ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ
إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[7].
أمة الإسلام:
ومما بين الله تعالى في محكم تنـزيله وأحسن قبله أن الشيطان يستدرج الإنسان إلى المعصية بخطوات تكون مقدمات لإيقاعه فيها
فأول تلك المقدمات أنه يوسوس له بالنصح وثانيهما الوعد بالفائدة العاجلة وثالثهما التأمين من الخسارة المحتملة كما في خديعته الأبوين
عليهما السلام في تزيين معصية الله تعالى بالأكل من الشجرة التي نهاهما الله عن قربانها قال لآدم عليه السلام ﴿ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾[8]
﴿ وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا ﴾ أي أقسم لهما ﴿ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ﴾[9]
﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾[10].
أمة الإسلام:
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا فيقول الله، من خلق كذا
حتى يقول من خلق الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم - فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" وفي رواية "وليقل الله خالق كل شيء" وفي رواية
"وليقل آمنت بالله ورسوله" وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعقد الشيطان على قافية أحدكم "إذا هو نام" ثلاث عقد يضرب
على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد قال - صلى الله عليه وسلم - فإن هو استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة، فإذا صلى انحلت عقدة
فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" فأرشد - صلى الله عليه وسلم - إلى ما يعصم من الشيطان وهو الاستعانة بالله تعالى عملاً بقوله تعالى
﴿ وَإِمَّا يَنـزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نـزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[11]، الثاني الاعتصام بذكر الله تعالى، الثالث الأخذ بأسباب اليقظة
من النوم للصلاة، الرابع مباشرة الصلاة والدعاء، وبهذا يتحقق الصلاح وتطيب الحياة ويتقي كيد الشيطان
وتجنب سبل النيران ويتحقق الفلاح وتعظم الأرباح، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
[1] (الرحمن: 33).
[2] (يس: 60 - 64).
[3] (الحجر: 39 - 40).
[4] (النساء: 118 - 121).
[5] (مريم: من الآية 44).
[6] (الحشر: 16 - 17).
[7] (إبراهيم: 22).
[8] (طه: من الآية 120).
[9] (الأعراف: 20 - من الآية 22).
[10] (البقرة: من الآية 36).
[11] (الأعراف: 200).