.. فوائد حديثية جامعة إن الحمد لله نحمدُه، ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أما بعد: فهذه فوائدُ حديثيةٌ جامعةٌ - بفضل الله ومنَّته - في مسألتين هما من الأهمية بمكانٍ، قد انتشر ذكرُهما بين الناس، وهما - بحقٍّ - ينبغي الحديثُ عنهما، وبيانُ وجهِ الحقِّ فيهما؛ نصحًا للأمة، وإبراءً للذمة. المسألة الأولى: هل لسورة (يس) فضل مخصوصٌ في السُّنة الصحيحة؟ اشتهر على ألسنة الناسِ وذاع بينهم فضلٌ مخصوص لـ(سورةِ يس)، والحقيقةُ العلميةُ الحديثيَّةُ القائمةُ على التحري والتحقيق: أنه لم يثبُت في ذلك شيءٌ صحيحٌ ثابتٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديثُ التي جاءت في هذا الباب: دائرةٌ بين الموضوع، والباطل، والضعيفِ جدًّا، والمنكرِ، والضعيفِ[1]؛ حتى إن الإمامَ الحافظ الثَّبَتَ الدارقطنيَّ رحمه الله - وهو من أهل الاستقراءِ والتحقيقِ والاستقصاء في علم الحديث الشريف - قال في شأن الأحاديثِ الواردة في فضل سورة يس على وجهِ الخصوصِ: "ولا يصحُّ في الباب حديثٌ"[2]. ومن هنا لا يجوزُ العملُ بها، ولا نشرُها بين الناس؛ وإنما الواجبُ: التحذيرُ منها؛ لكيلا يغترَّ بها أحدٌ، وإليك بيانَها: 1- "من زارَ قبرَ والديه كلَّ جمعةٍ، فقرأ عندهما أو عنده ﴿ يس ﴾ [يس: 1]، غُفر له بعدد كلِّ آيةٍ أو حرف". 2- "إن لكلِّ شيءٍ قلبًا، وإن قلبَ القرآنِ يس، من قرأها فكأنما قرأ القرآنَ عشرَ مراتٍ". 3- "من دخل المقابرَ، فقرأ سورةَ (يس)، خُفِّف عنهم يومئذٍ، وكان له بعدد من فيها حسناتٌ". 4- "إن اللهَ تبارك وتعالى قرأ (طه) و(يس) قبل أن يخلُقَ آدمَ بألفَي عام، فلما سمعتِ الملائكةُ القرآنَ قالوا: طوبى لأمةٍ ينزلُ هذا عليهم، وطوبى لألسُنٍ تتكلمُ بهذا، وطوبى لأجوافٍ تحملُ هذا". 5- "سورة (يس) تُدعى في التوراة: المعمة؛ تعمُّ صاحبَها بخير الدنيا والآخرةِ، وتكابدُ عنه بلوى الدنيا، وتدفعُ عنه أهاويلَ الآخرةِ.. ". 6- "من كتب (يس) ثم شربها، دخل جوفَه ألفُ نورٍ، وألفُ رحمةٍ، وألفُ بركة، وألفُ دواء، أو خرَج منه ألفُ داء". 7- "من قرأ (يس) يريدُ بها اللهَ، غفر اللهُ له، وأُعطي من الأجر كأنما قرأ القرآنَ اثنتَي عشرةَ مرة، وأيما مريضٍ قُرئ عنده سورةُ (يس)، نزل عليه بعددِ كلِّ حرفٍ عشرةَ أملاكٍ، يقومون بين يديه صفوفًا؛ فيُصلُّون ويستغفرون له، ويشهدون قبضَه وغسلَه، ويتبعون جنازتَه ويصلُّون عليه، ويشهدون دفنَه، وأيما مريض قرأ سورة (يس) وهو في سكراتِ الموت، لم يَقبضْ ملَكُ الموتِ روحَه حتى يجيئه رضوان خازن الجنة بشَربة من الجنة، فيشربها وهو على فراشه، فيموت وهو ريَّان، ولا يحتاجُ إلى حوضٍ من حياض الأنبياء؛ حتى يدخلَ الجنةَ وهو ريانُ". 8- "من قرأ (يس) مرة، فكأنما قرأ القرآنَ عشرَ مِرار". 9- "من قرأ سورة (يس) في ليلة الجمعة، غُفر له". 10- "ما من ميتٍ يموتُ، فيُقرأُ عنده سورة (يس)، إلا هوَّن اللهُ عز وجل عليه". 11- "اقرؤوا على موتاكم (يس)". 12- "إن لكل شيء قلبًا، وإن قلبَ القرآن (يس)، ومن قرأ (يس) وهو يريدُ بها اللهَ عز وجل، غفر الله له، وأُعطي من الأجر كأنما قرأ القرآنَ اثنتَي عشرةَ مرةٍ، وأيما مسلمٍ قُرئَ عنده إذا نزل به مَلَكُ الموتِ سورةُ (يس)، نزل بكل حرف من سورة (يس) عشرةُ أملاكٍ يقومون بين يديه صفوفًا ويستغفرون له، ويشهدون غسلَه، ويشيِّعون جنازتَه، ويُصلُّون عليه، ويشهدون دفنَه". 13- "من قرأ ﴿ يس ﴾ [يس: 1] في ليلة ابتغاءَ وجهِ الله، غفر له". 14- "... و﴿ يس ﴾ [يس: 1] قلبُ القرآن، لا يقرؤُها رجلٌ يريدُ اللهَ تبارك وتعالى والدارَ الآخرة، إلا غفر له، واقرؤوها على موتاكم". 15- "إني فرضت على أمتي قراءة ﴿ يس ﴾ [يس: 1] كلَّ ليلة، فمن داوَمَ على قراءتها كلَّ ليلة ثم مات، مات شهيدًا". المسألة الثانية: هل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فضلٌ مخصوص في السُّنة الصحيحة؟ يعتقدُ كثيرٌ من المسلمين اليومَ أن زيارةَ قبرِ النبي صلى الله عليه وسلم لها فضيلةٌ مخصوصة، يترتب عليها عظيمُ الأجر وجزيلُ الثوابِ عند الله تبارك وتعالى، وأن التاركَ لها قد ارتكب جُرمًا عظيمًا، يوقعُه في شديد العقابِ، وعظيمِ العذاب! وإن مما يؤسفُ له حقًّا: أن أصل هذا الاعتقادِ قد بُني على أحاديثَ منتشرةٍ بين الناس؛ هي في حقيقة أمرها أَوْهَى من بيت العنكبوت؛ إذ إنها تدورُ بين الموضوع والضعيف جدًّا في أسانيدَ مظلمة، مسلسَلةٍ بالمجاهيل؛ ومن ثم فإنها لا تساوي فَلْسًا في ميزان النقد العلميِّ المستند على أصول علم الحديث وقواعد الجرح والتعديل. وإليكم بيانًا لهذه الأحاديث، مع نقلٍ لكلامِ بعض أهل العلم فيها، من أهل النظر والتحقيق: ♦ بيان هذه الأحاديث[3]: 1- (من حجَّ ولم يزرْني، فقد جفاني). 2- (من زارني بعد مماتي، فكأنما زارني في حياتي). 3- (من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد، ضمنتُ له على الله الجنة). 4- (من زار قبري، وجبت له شفاعتي). 5- (ومن زار قبري، فله الجنة). 6- (من جاءني زائرًا لا تعمله حاجةٌ إلا زيارتي، كان حقًّا عليَّ أن أكون له شفيعًا يوم القيامة). 7- (من زارني بالمدينة محتسبًا، كنت له شفيعًا وشهيدًا يوم القيامة). 8- (من وجد سعةً ولم يفد إليَّ، فقد جفاني). 9- (ما من أحد من أمتي له سَعة ثم لم يزرْني، فليس له عذر). 10- (من حج فزار قبري بعد موتي، كان كمن زارني في حياتي). ♦ كلام أهل العلم فيها: 1- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "تلخيص الحبير": (2/ 568 - 570/ ح1075): "طُرُقُ هذا الحديثِ كلُّها ضعيفة"، ونقل عن الإمام الحافظ العقيلي في الموضع نفسِه رحمه الله أنه قال: "ولا يصحُّ في هذا البابِ شيءٌ". 2- قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله في: "اقتضاء الصراط المستقيم": (2/ 296): "ولم يثبُت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ واحدٌ في زيارة قبر مخصوص، ولا روى أحدٌ في ذلك شيئًا، لا أهلُ الصحيح ولا السنن، ولا الأئمة المصنِّفون في المسند؛ كالإمام أحمد وغيره، وإنما روى ذلك من جمَع الموضوع وغيره، وأجلُّ حديثٍ رُوي في ذلك ما رواه الدارقطني، وهو ضعيفٌ باتفاق أهل العلمِ؛ بل الأحاديث المرويَّة في زيارة قبره؛ كقوله: "من زارني وزار أبي إبراهيمَ الخليل في عام واحدٍ، ضمنتُ له على الله الجنةَ"، و"من زارني بعد مماتي، فكأنما زارني في حياتي"، و"من حج ولم يزرْني، فقد جفاني"، ونحو هذه الأحاديث - كلُّها مكذوبةٌ موضوعةٌ. هذا، وإن أصلَ زيارة قبرِ النبي صلى الله عليه وسلم مشروعٌ؛ كما قرَّرَ ذلك الأئمةُ الأعلام من أهل التحقيقِ والأثر؛ كشيخ الإسلام ابنِ تيمية رحمه الله وغيره؛ على أنْ تكونَ هذه الزيارةُ خاليةً من المخالفاتِ الشرعيةِ من شركٍ أكبرَ مخرجٍ عن الملة؛ كما في الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ورفعِ أكُفِّ الضراعةِ إليه بطلب قضاءِ الحاجاتِ، وتفريجِ الكُرُبات، أو بدعةٍ أو حرامٍ؛ كما في شدِّ الرحالِ إلى قبره بسفرٍ مخصوصٍ؛ بحيث تُضربُ له الأكبادُ، وتُشدُّ إليه المَطِيُّ. .. |
|
|
|