بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المُحيي
أولاً
أخى المسلم
قال الحق سبحانه و تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذى بيده الملك و هو على كل شئ قديرالذى خلق الموت والحياة ليبلوكم إيُكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور)الملك 1 ، 2)
لقد أخبرنا الله عز و جل فى تلك الآية الكريمة أن الموت مخلوق وأن الحياه مخلوقه أيضاوهذا يدل على ان الموت ظاهرة تنشا بعد عدم ، كما يقتضيه لفظ الخلق و هو الايجاد و الابتكارو الحياه ظاهرة تنشا بعد موت بدليل تقديمه عليها فى الآية فقد كان الله و لا شئ معه ، فخلق الخلق من العدم ، و كتب الموت على كل كائن حى فظل فى دائرة الموت حتى دبت فيه الحياة بقدر الله عز و جل فالموت كان أولاً ، و الحياة جاءت بعده
فكان تقديمه عليها فى الآية مقصوداً لبيان هذا الترتيب
قال تعالى
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه تُرجعون
البقرة ( 28)
و هذا دليل واضح و صريح على أى أنكم كنتم أموات فى اصلاب أبائكم لا حراك بكم ، فأحياكم فى بطون أمهاتكم ثم يميتكم بعد أنتهاء آجالكم فى الدنيا ، ثم يحيكم ليوم لاريب فيه فاذا أحياكم لم تجدوا مرجعاً إلا إليه فلا يكون لكم مفر منه إلا إليه و هذا هو التفسير العقلانى لعقول الناس بأختلاف الفهم و العقل أن جرثومة الحياة تسبح فى الفضاء من مكان الى مكان ،حتى تحل بأرض خصبة فتتعلق بنبتة من نبات الارض و تمر بمراحل زمانية و مكانية حتى تستقر فى أصلاب الرجال و تظل ما شاء الله حتى يخرجها الله من الأصلاب فى صورة منى يُمنى و يقرها الله كيف يشاء و تظل فى بؤرة الانتظار زمناً يسيراً ثم تتحول الى نواة حياة حقيقية لإنسان أو حيوان بعد عشرات و عشرات من الأطوارو ألوف و ألوف من العمليات التكوينية و التصويرية و الهندسية و غيرها من لمسات التعديل و التسوية
قال تعالى
قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة )الجاثية 26)
إنا نحن نحيى و نميت و إلينا المصير )ق 43)
ذلك لمحيى الموتى (الروم 50)
إن الذين كفروا ينادون لمقت الله اكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون قالوا ربنا أمتنا أثنتين و أحييتنا أثنتين فأعترفنا بذنوبنا
فهل إلى خروج من سبيل) غافر 10—11)صدق الله العظيم
قال الخطابى
هو الذى يحيى النطفة الميتة فتخرج منها النسمة الحيةو يحيى الأجسام البالية باعادة الأرواح إليها بعد المبعث و يحيى الأجسام البالية بإعادة الأرواح إليها بعد المبعث و يحيى القلوب بنور المعرفة و يحيى الأرض بعد موتها بإنزال الغيث و إنبات الرزق و هو الذى يميت الأحياء ، ويهب بالموت قوة الأصحاء الأقوياء يحيى و يميت و هو على كل شئ قديرتمدح سبحانه بالاماتة ، كما تمدح بالأحياءليعلم أن مصدر الخير و الشر و النفع و الضر من قبله و أنه لا شريك له فى الملك ، أستاثر بالبقاء و كتب على خلقه الفناء
أخى المسلم
كما أن حياة القلوب بنور العلم و المعرفة و مجالسة الفضلاء و الصالحين
كذلك موتها وقسوتها بالجهل و البعد عن الجماعات و مجمع الصالحين و الذاكرين ،و متابعة الخيل و اللهو بالصيد و الأحتيال فى طلب الدنيا إماتة للقلوب بالغفلة
أخى المسلم
تحدثت الآية الأخيرة عن الموتتين و الإحيائتين يريدون بالموتتين ، و هى الموتة الأولى التى سبقت حياتهم الدنيا ،و الموته التى أنتهت آجالهم فيها و نقلتهم الى الحياة الأخروية و لا يشك عاقل أن وراء عملية الاحياء و الاماتة عالم قادر مدبر حكيم لا يعجزه شئ و لا يغيب عن علمه مثقال ذرة فى الارض ، و لا فى السماء و هو الله الذى لا إلَه إلا هوو العقل وحده لا يستوعب هذه الحقيقة و لا يعيها جيدا إلا إذا كان مزوداً بالعلم فالعلم يدعو للايمان و يقدم له الأدلة المقنعة باسلوب دقيق لا يقبل الجدل و لهذا كان من الواجب على كل أنسان أن ينظر فى هذه الآيات الكونية التى نصبها الله دليلا على وحدانيته و قدرته ليتعرف من خلالها على هذه الحقيقه التى يعرضها القرآن بأسلوبه السهل الممتنع
أخى المسلم
قد يسأل سائل ما هى الحكمة فى إسناد أمر الموت لملك الموت و أعوانه
فى سورة السجدة ، و سورة الأنعام
قال تعالى
قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون السجدة (11)
وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظه
حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسُلنا وهم لا يفرطون الأنعام ( 61 )
صدق الله العظيم
أن ملك الموت قد أسند الله إليه قبض الأرواح فقط و قبضها يسمى توفية أى إنهاء للأجل بعملية علمه الله أياها أما الموت فهو عملية أخرى علمها عند ربى ، فهى سر من أسراره و لولا أن وكل الله ملك الموت بقبض الأرواح ما أستطاع إلى ذلك سبيلا و لله فى خلقه شئون يبديها و لا يبتديها
و الله عزوجل لم يقل ..... يميتكم ملك الموت و لم يقل....أماتته رسلنا
و لكن قال
يتوفاكم ملك الموت توفته رسلنا و التوفية غير الإماتة و لذا يجب على كل مكلف أن يعلم أن الله سبحانه المُحيى المُميت على الأطلاق و يجب أن يشعر الذاكر و المكلف أنه فى قبضة خالقهم فهو الذى أنعم عليهم بالحياة
و هى النعمة الكبرى التى تستحق الشكر مدى الحياة و ينعم عليهم أيضا بالموت فيكون راحة لهم و سبيلاً إلى جنته التى فيها ما لا عين رأت ، و لا أذُن سمعت ، و لا خطر على قلب بشرفاذا دخلوها حمدوا الله حمدا يوافى نعمه على قدر طاقاتهم اللهم أملأ قلوبنا بذكرك و طاعتك وأشرح صدورنا بحبك و هدايتك
وأمتنا على الإيمان و اليقين
و أدخلنا برحمتك فى عبادك الصالحين
Lمراجعة وتنسيق ناطق ابراهيم العبيدي