بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
عن مكحول عن واثلة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تظهر الشماتة لأخيك ، فيرحمه الله عز وجل ويبتليك } رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب عن عمر بن إسماعيل عن مجالد وهو رواه عن حفص بن غياث وعن سلمة بن شبيب عن أمية بن القاسم عن حفص عن برد بن سنان عن مكحول . أمية تفرد عن سلمة ، وبرد حديثه حسن . الشماتة : الفرح ببلية العدو ، يقال شمت به بالكسر يشمت شماتة ، وأشمته غيره وبات فلان بليلة الشوامت أي : شمت الشوامت .
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : تعوذوا بالله من جهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء } جهد بفتح الجيم وضمها لغة ، درك بفتح الراء الاسم وبسكونها المصدر فليس في الصحيحين أنه عليه السلام أمر بالتعوذ من شيء سوى هذا الحديث ، وحديث أبي هريرة { إذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنه رأى شيطانا } وحديث أبي هريرة { يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ ولينته } وحديث أبي قتادة ويأتي في الرؤيا ولا في أحدهما سوى حديث أبي هريرة { إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال } .
وحديث زيد بن ثابت قال : { بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة ، فقال : من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ فقال رجل : أنا ، فقال : متى مات هؤلاء قال : ماتوا في الإشراك ، فقال : [ ص: 320 ] إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم عذاب القبر الذي أسمع منه ثم أقبل علينا بوجهه صلى الله عليه وسلم فقال : تعوذوا بالله من عذاب القبر فقالوا نعوذ بالله من عذاب القبر قال : تعوذوا بالله من عذاب النار قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار قال : تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قال : تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال } ويأتي حديث جابر في الرؤيا . وعن عثمان بن أبي العاص أنه { أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبس علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ، قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عز وجل عني } . رواهن مسلم
. خنزب بخاء معجمة مكسورة ثم نون ساكنة ثم زاي مكسورة ومفتوحة ، ويقال أيضا بفتح الخاء والزاي ، ويقال بضم الخاء وفتح الزاي { وكان عليه الصلاة والسلام يدعو اللهم لا تشمت بي عدوا حاسدا } رواه الحاكم من حديث ابن مسعود وابن حبان من حديث ابن عمر . وقد حكى الله عز وجل عن موسى عليه السلام أنه قال : { فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين } وقيل لأيوب عليه السلام : أي شيء من بلائك كان أشد عليك قال : شماتة الأعداء وقال : الكلبي : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم شمت به نساء كندة وحضرموت وخضبن أيديهن وأظهرن السرور لموته صلى الله عليه وسلم وضربن بالدف ، فقال الشاعر :
بلغ أبا بكر إذا ما جئته أن البغايا رمن كل مرام أظهرن من موت النبي شماتة
وخضبن أيديهن بالعنام فاقطع هديت أكفهن بصارم
كالبرق أومض في متون غمام
[ ص: 321 ] قال ابن عبد البر قال : محمد بن عبد الله بن الحكم : سمعت أشهب بن عبد العزيز يدعو على محمد بن إدريس الشافعي بالموت أظنه قال في سجوده فذكرت ذلك للشافعي رضي الله عنه فتمثل يقول :
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
قال محمد بن عبد الله : فمات الشافعي رضي الله عنه واشترى أشهب من تركته مملوكا ، ثم مات أشهب بعده بنحو من شهر أو قال : خمسة عشر أو ثمانية عشر يوما ، واشتريت أنا ذلك المملوك من تركة أشهب رحمه الله . البيت الأول لطرفة ، ذكره ابن الجوزي في قوله تبارك وتعالى : { لا يصلاها إلا الأشقى } .
قال أبو عبيد : الأشقى بمعنى الشقي والعرب تضع أفعل في موضع فاعل ، قال طرفة : فذكره ، وأما البيت الثاني ففي ترجمة خالد بن الوليد رضي الله عنه أن عمر قال : قاتل الله أخا بني تميم ما أشعره حيث يقول ، فذكره وذكر بعده بيتا آخر وهو :
فما عيش من قد عاش بعدي بنافعي ولا موت من قد مات قبلي بمخلدي
وقال العلاء بن قرضة :
إذا ما الدهر جر على أناس حوادثه أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون ما لقينا
ولعبد الله بن أبي عتبة :
كل المصائب قد تمر على الفتى فتهون غير شماتة الأعداء
وللمبارك بن الطبري :
لولا شماتة أعداء ذوي حسد أو اغتمام صديق كان يرجوني
لما طلبت من الدنيا مراتبها ولا بذلت لها عرضي ولا ديني
[ ص: 322 ] ولعدي بن زيد :
فهل من خلد إنا هلكنا وهل بالموت يا للناس عار
وعن خالد بن معدان عن معاذ قال : قال رسول الله : { من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله } . قال أحمد بن منيع : قالوا من ذنب قد تاب منه في إسناده محمد بن الحسين بن أبي يزيد الهمداني وهو ضعيف رواه الترمذي وقال : حديث غريب وليس إسناده بمتصل . خالد لم يدرك معاذا .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا : { إذا زنت أمة أحدكم فليحدها الحد ولا يثرب عليها . } قال صاحب المنتقى : من أصحابنا قال الخطابي : معنى لا يثرب لا يقتصر على التثريب وهو التعيير والتوبيخ واللوم والتقريع .
وقال في النهاية : أي : لا يوبخها بالزنا بعد الضرب ، قال : وقيل : لا يقنع في عقوبتها بالتثريب بل يضربها الحد فإن زنا الإماء لم يكن عند العرب مكروها ولا منكرا فأمرهم بحد الإماء كما أمرهم بحد الحرائر .
نظر بعض العباد شخصا مستحسنا فقال له شيخه : ستجد غبه فنسي القرآن بعد أربعين سنة وقال آخر : عبت شخصا قد ذهب بعض أسنانه فذهبت أسناني ، ونظرت إلى امرأة لا تحل لي فنظر زوجتي من لا أريد .
وقال ابن سيرين : عيرت رجلا بالإفلاس فأفلست قال ابن الجوزي : ومثل هذا كثير وما نزلت بي آفة ولا غم ولا ضيق صدر إلا بزلل أعرفه حتى يمكنني أن أقول هذا بالشيء الفلاني ، وربما تأولت تأويلا فيه بعد فأرى العقوبة . فينبغي للإنسان أن يترقب جزاء الذنب فقل أن يسلم منه ، وليجتهد في التوبة وقال محمود الوراق :
رأيت صلاح المرء يصلح أهله ويعديهم داء الفساد إذا فسد
ويشرف في الدنيا بفضل صلاحه ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد
كذا قال . ومراده كثرة ذلك لا أنه مطرد على ما لا يخفى .