كانت واقفة...وتتكلم بثقة وبقوة وبانطلاق...كانت تدرس اللي قدامها...وتعلمهم أن الحياة لازم تستمر...وأن المطلقة موو لازم تدفن نفسها...كانت توصل رسالة تمنت من زمــان توصلها....كانت تعطي دورات عن الثقة بالذات....وعن الانطلاق من نطقة الصفر...وعن أشياء كثيرة اهي اتعلمتها وحبت تساعد غيرها... سمعت تصفيق قوي من الحاظرات...ابتسمت لهم وهي تلملم أوراقها اللي قدامها....
"هناء"
تأملت باقات الورد اللي وصلتني من بعض النساء اللي أنا علمتهم
وش معنى كلمة أنطلاق....
وش معنى الحياة؟؟؟...ووش قيمتها؟؟؟؟
اخذت دورات مكثفة عشان اصير مدربة معتمدة...والحمدالله...
ماصعبت علي...لأني حطيت براسي كلمة"نجاح"ومحيت كلمة"فشل"
قربت مني وحدة شكلها مليان حزن ومليان يأس....
ابتسمت لها وأنا احط شنطتي على كتفي
:هلا اختي...."
ترددت وهي تتكلم
:يعني....لازم انسى الماضي....ما اقدر اتأمل فيه؟؟؟.."
وكملت بحزن يقطر من حروفها
:يعني عمره ما راح يتغير....عمره ماراح يكون كويس...!!
يعني لازم اصير مطلقة..."
قلت لها وأنا اهز راسي برفض
:لاااء...مو لازم تصيرين مطلقة....لازم تصيرين قوية..."
وكملت وأنا اشوفها تطالعني بعدم اقتناع
:تبين ترجعين له؟؟؟...خايفة من كلام الناس؟؟؟..اوكي...
ليش حظرتي اجل؟؟؟....أنا خطابي موجه للنساء اللي يرفضون الأهانة...
ويرفضون مبدأ ظل رجال ولا ظل جدار....
أنا خطابي....للأنسانة المنطلقة....اللي تبي تكون شيء...وماتبي تعيش حياة بائسة...
ممكن تدفعها للغلط...والحرام..."
نزلت عيونها الأرض وهزيت راسي بأسف...
وتركتها...دائما راح تواجهني مثل هالنماذج...لا يمكن لوحدي اقدر اغير تفكير مجتمع بكامله...
يد وحدة ماتصفق....بس أنا بسعى بطريقي....بسعى بالطريق اللي أنا راسمته....
صحيح أن طلال خطبني....وصحيح أن غزلان كانت تبيني أكون امها....
لكن أنا رفضت...لا يمكن اعيد نفس الغلط من جديد....
أنا تعلمت اطير...واللي يبيني لازم يتعلم يطير معي....
اخيــــرا....قدرت تثبت ذاتها وتحقق طموحها....اللي شافته من الحظور اليوم...اثبت لها أنها اخيرا نجحت....كانت الدنيا زحمة...وكان فيه كثير ضيوف...وكان فيه صحافيات يوجهون لها اسئلة كثيرة وكانت تجاوب بدون غرور...بس بفرحة ماقدرت تخفيها...سمعت صوت الجوال يدق....نغمة مميزة... لابو ناصر وبس... مسكت جوالها وهي تجي خلف الكواليس....كان فيه زحمة والعارضات حايسين الدنيا....
"مارية"
:آلـــوووو..."
سمعت صوته يغازلها...يخجلها....يحبها!!
:ألف مبـــروك يا قلبي...."
ردت وهي تسوي نفسها موو مبسوطة مرررة
:الله يبارك فيك...يا...ابو ناصر..."
حست بخيبة امله وضحكت
:ياحياتي....يا روحي...يا نصي الثاني....يا أنا..."
تركي بهدوء:
البسي عباتك...واطلعي لمطعم"*****"....بتلاقيني هناك..."
طالعت حولها....الزحمة والاضواء والناس والاصوات المرتفعة....
خذت عباتها وطلعت...يمكن لو بوقت ثاني...ومع شخص ثاني...
مافوتت هاللحظة أبدا...لكن اهي تبي تنتصر بهاللحظة ومع الشخص اللي هو تؤام روحها...
كانت تسمع هالمصطلح ولا تفهمه....لأنها ماجربت هالاحساس...
طلعت للمطعم اللي في أحد ادوار الفندق....
كانت طاولة خارجية تطلع على شوارع دبي الصاخبة...
اول عرض عملته....كان في دبي...
شهقت وأنا أشوف الورود اللي تملا المكان....
كان المكان رائع...كأنه حديقة بيضا....
ناظرت الطاولة وعليها كيكة رايقة مرررة...وشكلهاا خقووقي...
حسيت بيدين على كتوفي...التفت بسرعة....
ماقدرت اتكلم...حسيت أن الكلمات ماراح تكون معبرة بمثل هالموقف...
دايم الفرح يكبت أحلى كلماتنا....
لمعت في عيوني دمعات امتنان..واحترام...وحب
..خليتها تنساب براحة على خدها الندي....
نزل من الطيارة...واحرقته شمس بلاده الحارة....له سنين وسنين ما زار السعودية....سجد لله شاكر أول ماوصل....أنهى كل اشغاله هناك...وأخذ حقوقه ورجع... شاف ناس تطالعه بس ما اهتم....هذي ارض بلاده....أجمل بلاد في الدنيا....كمل طريقه وراقب المنتظرين....لمح ولد عمه ينتظره....كبـــر وتغير....يمكن المسؤولية خلته يكبر....خصوصا بعد ما مات عمه...يا الله....انهد الجبل الشامخ ومابقى منه غير اسمه وسمعته وبس...ويمكن لولا هالموت...ما كان فكر يرجع ابد...
"ذياب"
عمي متوفي له أكثر من ست شهور...ماقدرت اجي...
لأن كانت عندي ظروف بشغلي تمنعني من الروحة بأي شكل....
ما حبيت نظرتهم فيني تكون صحيحة...وأني قليل الأصل وعمري ماقمت معهم بأي واجب...
لكن هالمرة الظروف عاندتني....وطلعت قليل اصل!!
ولأجل هالسبب....ولأني مفروض اكثر دوووم بجنب اللي يقربون لي سواء بأفراح أو اتراح...
لملمت اغراضي وشتاتي الضايع في بلاد الغربة....ورجعت....
كلي وله وشوق لبلاد ابو متعب....
بلادي....احق بعلمي من غيرها....
سولف علي صقر سواليف مقتضبه عن أحوال الحلال...
وعن تقسيم الورثة اللي رفضوه الكل...ماعدا هيلة لأنها كانت تمر بظروف سيئة هي وزوجها....
ورغم أن مضاوي تقريبا تمر بنفس الظروف....لكنها ماوافقت...وفضلت أن البيت يبقى لأمها ومرت أبوها...
اصيلة صدق يا مضـــ....ــاوي....
ماغيرتك السنين ولا غيرك الشقا والانتقام....
رغم أن سعود قدر يخسر زوجك اللي وراه واللي قدامه...
لكنك ضليتي متفائلة...وقوية...ووقفت جنب زوجك...
ولا تخليتي عنه....ولا تغيرتي أبد....سواء مريتي بحزن....
أو مريتي بفرح....
وصلنا الفيلا....كانوا بره في كم سيارة....ماعرفت السيارات....
وكان فيه اطفال صغار....خمنت أنهم عيال البنات....
بس صقر اشر لي وقال
:سعد وسطام فيه..."
قلت وأنا اهز راسي
:سطام نقل لجدة صحيح؟؟..."
صقر وهو يهز راسه بأسف
:بعد الخساير اللي طالته هو وأخوه...أبوه وزع باقي امواله على اخوانه
وخواته الثانيين....وهو صفى مامعه ولاشيء....ونقل لجدة..."
ابتسمت بكآبة....الهوامير؟؟؟...ومين يقدر عليهم!!!!
جاته رسالة على جواله وهو جالس في مكتبه....فتح الرسالة...وقراها بسرعة...كانت نورس...مسوين احتفال بسيط بمناسبة نجاح هيفوفة من الروضة..اتصل على زوجته وطلب منها تجهز عشان يمرها أول مايخلص...ويروحون يشترون شيء بسيط لهيفوفة الغالية على الكل....قفل اللاب توب...ووقف خذ شماغه وقام يضبطه قدام المراية...كان الشيب مالي عوارضه الخفيفة....وفيه شيب خفيف في بداية شعره...يبيله يروح يصبغ شعره قبل!!!
"سعود"
طلعت من مكتبه وعطيت بعض الاوراق للسكرتير...
ركبت سيارتي...وحركتها برواق....
كانت الشوارع زحمة بما أنه اليوم أربعاء....
تغيرت حياتي كثيـــر خلال السنين اللي فاتت....
كبرت كثيــــر ونضجت اخيرا....
وفهمت شلون اخلي الدنيا بيدينه....
حققت انتصارات كثيـــرة....انتقمت من اللي ابي انتقم منهم...
وهمشت الناس اللي تستاهل التهميش....ورفعت اسم شركة ابوي
فــــوق....
ابوي اللي قرر يتقاعد أخيرا...لكنه كان يحس بغربة فضيعة...
الأفكار تقتله....والذنب ماعاد يقدر يتحمله...المرض انهكه....
يمكن هذي ذنوب الناس اللي اذاهم....يمكن ربي كاتب له يعيش حياة بائسة ويتعب بآخرته!!
مين يعرف؟؟؟......
وقفت عند الاشارة...سمعت صوت ضحكات عالية وهمس ناعم...
التفت ببطء....شفت بنت كانت فاتحة الشباك وتسولف بالجوال بهيام وهي تلعب بشعرها....
كان شعرها اسود غزير وعيونها سود واسعه حيــل...وشفايفها حمراء مقلوبة...
ذكرتني.....بذكريات قديـــمة...
ذكريات بنت...بدوية....علمتني اشياء تمنيت ما اتعلمها....
التفتت البنت فجأة لي....وحمرت خدودها يوم شافتني اطالعها وبسرعة قفلت الشباك...
دايم افكر....لو أشوفها وش راح اقول...ووش راح اسوي....
براسي حوار كامل من الألف للياء....بس ماظنتي راح اقدر اشوفها!!!
رجعت اناظر الطرقات اللي قدامي.....انتقامي من مضاوي....لحقه زواجي على طول....
قدرت ازيحها وامحيها من مخيلتي واهشها مثل الذبابه!!
وقدرت افلس زوجها واخليه مايسوى ولا شيء....ولا شيء بكل بساطة....
انفتحت البوابات لي...ووقفت السيارة....شفت زوجتي الدرج...
فتحت الباب لها من جوه....
ركبت جنبي...وابتسمت لي....ابتسامة كلها حب
: يمدينا نروح ونشري؟؟؟....ولا راح نتأخر؟؟؟.."
قلت لها وأنا اطالع الساعة
:موو مشكلة"ديمة"...عاادي لو تأخرنا شوووي...موو طايرة الدنيا.."
ارتاحت ديمة بمقعدها....ومسكت ايدي اول ماطلعنا من المكان...
ما شلت يدها...ابتسمت لها ابتسامة صغيرة مررة...
لاهي ابتسامة حب ولا ابتسامة زوج لزوجته...
مشاعري لديمة...مشاعر عااادية....تتخللها لحظات عاطفية قليلة مرررة....
واهي عارفة وش احب...وعارفة وش افكر فيه....
وراضية بهالشيء....عندها امل....اقدر اغير مشاعري...
واشيل انسانة مغروسة باعماق قلبي....
انسانة ظلمتها وظلمتني وظلمتها...
انسانة...اهديتها الجراح بدون ما اخاف وبدون ما احس بالندم!!!
وقف سيارته عند البحر...مانزل ولا تكلم ولا تحرك... كانوا ساكتين...يتأملون الأمواج بتناسق حركاتها...وكأنها تستمع لسيمفونية رائعة...قالت له مرررة:أحب البحر....بس يخوفني...وأنت...مثل البحر...تخوفني...بس أحبك...!!" قالت أحبك....كان مصعوق....اعترفت له بدون تخطيط....رمت مشاعرها بوجهه....وقالت له كلام كثيـــر....يمكن بعد الأزمة هالشيء الوحيد اللي قواه....لأنه توقع أنها راح تتركه....راح تنهي أي مشاعر بينهم...يمكن صحيح ما كانت راح تطلق لكن يمكن كانت راح تعيش تعيسة... بس اهي اثبتت أنها غيـــر...وصمدت معه...ولا اهتمت لا بالأموال ولا بغيرها...
"سطام"
فتحت الباب بنفسها بدون ما اتكلم...
بعد مانزلت عبايتها وشيلتها....
كان الجو هادي وما كان فيه احد على الشاطىء بهالوقت المتأخر....
طالعت في الكرسي اللي ورى وشفت التوم الشقي نايمين...
كانت اشكالهم مضحكة...وهم متعانقين ونايمين....كانوا حلوووين مثل امهم...
نفس الشعر الاسود والشفايف الغريبة!!
نزلت من السيارة وراها...
بللت رجولها بالبحر وابتسمت ابتسامة واسعة لي فترة ماشفتها تبتسمها...
قالت وهي تلفت علي
:سطااام....أحس..."
واسكتت تحاول تلاقي كلمة...قربت منها حيــل
:وش تحسين فيه؟؟؟..."
استحت....وحمرت خدودها....وقالت وهي تطالع بالبحر
:مدررري....بس يوم اشووف البحر....احس أني قوووية...
وأن مابه شيء يهدني بهالدنيا..."
وكملت وهي ترفع عيونها الواسعه علي
:أنت...."
واطبقت شفايفها بقوة وهي تطالعني
:أنت....علمتني...شلون احب نفسي...شلون احب كل شيء حولي...
أنا أعرف أنك مريض...بسبة كل اللي صار....لأن.."
وامتلت عيونها دموع وكملت بصوت متقطع
:لأن كل اللي صار لك بسبتي أنا وبس....لو ما تجوزتني...ما كان ذا حالك..."
هزيت راسي بقاطعها...وحطيت جبيني على جبينها
: لا يا قلبي..لا يا مضاوي....لا تقولين كذا....
أنا ماعرفت وش معناة السعادة الا معك أنت وبس....أنا مستعد ارجع واخسر كل فلوسي مررة ومرتين وثلاث...
إذا كنت انت لي بالمقابل....أنا مستعد ارهن كل حياتي لأجل اسعد كانت..."
وبعدت شعرها عن وجهها...وقلت لها وأنا عيوني تلمع
:أنت قلبي....قلبي يا مضاوي...."
ما ردت علي...بس بعدت عني شوي...ورجعت تلعب بالموية...
كانت تحس بالخجل....خجلها وحيائها غريب...
مزدوج بجرأة لذيذة...جرأة بتخليني اقوى من جديد...
واقدر اهزم سعـــود وغيره....
أنا ماولد وبفمي ملعقة من ذهب....
أنا صنعت نفسي بنفسي....ودمرت نفسي بنفسي....لكني...
وأنا سطام اقولها....راجع....راجع وهالمرة بكون أقوى....
لأن جنبي....انسان...مايقدر بمليارات الدنيا كلها....
انســـان...لووو لف سعود الدنيا كلها عمره مابيلاقي مثله
وعمره ما ينساه....إذا الناس تعتبرني خسرت...
فأنا اعتبر نفسي كسبت....وكسبت اكبر المكاسب....
قرت مرة...قصة اعجبتها...كانت تتكلم عن رجالين محبوسين في زنزانة....كان واحد فيهم دووم يطالع في الأرض...بينما كان الثاني دووم يطالع في السماء...وكانت اهي في اشد لحظات يأسها....سواء وهي صغيرة أو وهي كبيــرة...تنظر للسماء....وتبحر في السماء الواسعة....تلفتها الطيور المحلقة....اللي مايحدها شيء....تطير وتطير وتسعى للحرية دائما...وترفض السجن والقمع....وحاولت دوووم تقلد هالطيور صحيح أن ابوها كان قاص جنحانها....والعادات والتقاليد كانت مكبلتها بالقيود...لكن تركيبتها العنيدة القوية....اللي حاول سعود يكسرها...كانت تأبى الانصياع....وكانت قادرة على أنها تبقي راسها مرفوع حتى في اسوأ ايام حياتها...يمكن حياتها مع سطام...كانت حياة زوجية نموذجية....صحيح أن حبها له...هوو حب غريب....يختلف عن حبها لسعود...حبها لسطام... حب زوجة لزوجها ووفاءها له ولكـــرمه وطيب اصله....حبها نابع من تركيبتها الأصيلة....اللي لا يمكن تنكر المعروف أو تنساه....
طالعت بسطام وهو يناظرها وهي تمشي عنه بعيد...ما لحقها...خلاها تروح بكيفها....مدت يدينها تتنفس الهواء العميق النظيف المشبع بملح البحر... السعادة!! تحس بالسعااادة...ايــــه....هذا هووا حساس السعادة.....اليوم وهي ببيت اهلها....والكل مجتمع ومبسوط....وهم ماضحكوا من شهور بعد وفاة ابوها.... صوت هيلة وهي تكلم سعد بهمس...وصوت بنت جيرانهم المكسوفة وهي تسمع لصوت صقر وهو يتكلم بصوت عال....وصوت ذياب ولد عمها وهو يلاعب عيالها ويسولف مع أخوانها...ضحكة أمها وسواليفها مع شعاع...كل شيء كان مثل ماتخيلته وهي صغيــرة...مثل ماكانت جدتها تحكيلها عن العوائل السعيدة... واهي صارت مثل جدتها...صار عندها فارس....فارسها الخاص...اللي يدافع عنها...ويمسح دموعها...التفتت بسرعة تشوفه...كانت بعيدة عنه....وقفت مكانها...تركها فترة وهي واقفة مكانها...ثم يوم شاف الجو صار بارد لحقها بسرعة...قرب منها وكانت عيونها ممتلية بالدموووع:يقولون...أن اشد ساعات الليل ظلمة...هي اللي تسبق اشراق الشمس...صح؟؟؟..."ضمها بقوة وعلق الكلام بينهم وكان الصمت خير جواب لكل سؤال...
تمت بحمدالله