بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كشف الله حقيقة الدنيا للإنسان، وضرب فيها الأمثلة ومن ذلك قوله -تعالى-: (إِنَّما مَثَلُ الحَياةِ الدُّنيا كَماءٍ أَنزَلناهُ مِنَ السَّماءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَباتُ الأَرضِ مِمّا يَأكُلُ النّاسُ وَالأَنعامُ حَتّى إِذا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخرُفَها وَازَّيَّنَت وَظَنَّ أَهلُها أَنَّهُم قادِرونَ عَلَيها أَتاها أَمرُنا لَيلًا أَو نَهارًا فَجَعَلناها حَصيدًا كَأَن لَم تَغنَ بِالأَمسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ).[١] يقول السعدي في تفسير هذه الآية الكريمة: هذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابقٌ لحال الدنيا؛ فلذات الدنيا وشهواتها وجاهها وقتهما قصير، فلا يلبث الإنسان تعجبه الدنيا ويتنعم فيها ويرى فيها الملذات حتى تزول عنه هذه النعم أو يزول هو عنها فيصبح صفر اليدين، ممتلئ القلب من الهمّ والحزن والحسرة.[٢] فيديو قد يعجبك: والحياة الدنيا كماءٍ نازلٍ من السماء، ينبت منه كلّ صنفٍ ولونٍ ممّا يأكل الناس والأنعام من الحبوب والثمار، حتّى إذا تزينّت الأرض وصارت بهجةً للناظرين، وطمع أهلها باستمرارها على هذا الحال، هلكت وتبدل حالها بعاصفةٍ أو غير ذلك، فكأنّها لم تكن يومًا هكذا، فهل من متفكِّرٍ يعمل لدار البقاء، ويرى الدنيا على حقيقتها.[٢] مَثُلُ الحياة الدنيا في السيرة النبويّة عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ بالسُّوقِ، دَاخِلًا مِن بَعْضِ العَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فأخَذَ بأُذُنِهِ، ثُمَّ قالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أنَّ هذا له بدِرْهَمٍ؟ فَقالوا: ما نُحِبُّ أنَّهُ لَنَا بشيءٍ، وَما نَصْنَعُ بهِ؟ قالَ: أَتُحِبُّونَ أنَّهُ لَكُمْ؟ قالوا: وَاللَّهِ لو كانَ حَيًّا، كانَ عَيْبًا فِيهِ، لأنَّهُ أَسَكُّ، فَكيفَ وَهو مَيِّتٌ؟ فَقالَ: فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ علَى اللهِ، مِن هذا علَيْكُم. غيرَ أنَّ في حَديثِ الثَّقَفِيِّ: فلوْ كانَ حَيًّا كانَ هذا السَّكَكُ به عَيْبًا).[٣] عندما مرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسوق، داخلًا من بعض العالية، والناس عن جانبيه، مرّ بجدي أسك أي مقطوع الأذنين ميِّتٍ، فتناوله، فأخذ بأذنه ثمّ سألهم من يرغب فيه، فقالوا: لو كان حيًّا لما رغب به أحدٌ منّا؛ لأنّه مقطوع الأذنين فكيف به وهو ميت؟، فأخبرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ الدنيا أهون على الله، من هذه الجيفة أو الميتة عليكم.[٤] ولكن مع هذا التزهيد في الدنيا؛ إلّا أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وازن بين هذا وبين إعمار الأرض والعمل حتى ولو قامت القيامة؛ فإنّ على المسلم أن يزرع ويعمل؛ فهو بهذا مأجورٌ ويثاب من الله -تعالى-.[٤] الدنيا بالنسبة للآخرة علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ الدنيا بالنسبة للآخرة، كالمسافر يستظلّ بظلّ شجرةٍ ساعةً من النهار، والله -سبحانه وتعالى- إذا أحبّ عبدًا حماه من الدنيا، وباعد بينه وبين زخرف الدنيا والانغماس فيها والانشغال بها، والدنيا في الآخرة كمن يضع إصبعه في اليمّ، فما علق في إصبعه من اليمّ فهي نسبة الدنيا إلى الآخرة.[٥]
الكاتبة زينب الدي