بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الليلة الحادية والعشرون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاءً يا أختاه، اروي لنا قصة أخرى من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن قصة الدرويش الأخير.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!»
•••
بلغني — أيها الملك السعيد — أن الدرويش الثالث قال للمرأة: إن قصتي أغرب وأكثر إدهاشًا من قصص الدرويشين الآخرين، لكنني جلبت الشقاء لنفسي. كان والدي ملكًا عظيمًا، وعندما توفي، ورثت مملكته. كنت ثريًّا للغاية وذا نفوذ كبير، لكنني قررت في أحد الأيام أن أسافر إلى بعض الجزر البعيدة. قام الملاحون بتحميل المراكب باحتياجات تكفي شهرًا، وأبحرنا. وصلنا بعد فترة قصيرة إلى جزيرة رائعة الجمال. نزلنا على شاطئها، وأعددنا بعض الطعام. استرحنا بضعة أيام، ثم أبحرنا من جديد.
أبحرنا عشرات الأيام، لكن أثناء إبحارنا، ظل البحر يرتفع أمامنا والأرض تتضاءل من خلفنا. نزل المراقب لمقابلتي، وقال: «لقد نظرت يمينًا، ولا يوجد شيء سوى السماء والماء، ونظرت يسارًا فرأيت من بعيد شيئًا ضخمًا أسود اللون.»
عندما سمع القبطان ذلك، ألقى بعمامته على ظهر المركب، وبدأ في البكاء، وشعر بالقلق الشديد. فسألته عما حدث.
فأجاب قائلًا: «سنهلك جميعًا، أيها الملك. إن العاصفة تقودنا إلى مصير محتوم. مع منتصف يوم غد، سنصل إلى جبل معدني أسود اللون له قدرة فائقة على جذب المعادن. وعندما تمر أي سفينة بجواره، تتطاير جميع مساميرها نحوه، وتتفكك جوانب السفينة. وعلى قمة الجبل — أيها الملك — يوجد حصان نحاسي يعلو ظهره فارس نحاسي. أثناء تدمير الجبل للسفينة، يقضي هذا الفارس على ركاب السفينة.»
وفي اليوم التالي، مررنا بجوار الجبل. وكما قال القبطان، سحب الجبل المسامير من السفينة منتزعًا إياها، وتفككت السفينة. أنجاني الله، وتمكنت من التعلق بأحد ألواح السفينة. طفوت على الماء حتى وصلت إلى شاطئ هذه الجزيرة المخيفة، وهناك رأيت سلمًا محفورًا في الصخر.
بدأت أتسلق السلم داعيًا الله أن يحفظني. بلغت قمة الجبل، ووصلت إلى قبة نحاسية ضخمة لا تبعد عن المكان الذي يقف فيه الفارس. تلوت صلاتي وحمدت الله أن أنقذني، ثم غفوت في مكان يطل على البحر.
سمعت صوتًا في الحلم يقول: «عندما تستيقظ، احفر تحت قدميك، وستجد قوسًا نحاسيًّا وثلاثة أسهم. استخدمها للتصويب نحو الفارس مسقطًا إياه عن حصانه ومخلصًا الأرض من هذا الوحش. سيسقط في البحر، وترتفع المياه إلى مستوى القبة. وسيأتي قارب صغير عليك أن تجدف فيه مدة عشرة أيام حتى يصل بك إلى مكان آمن. لكن عليك ألا تعبر عن سعادتك بالكلمات، وإن فعلت، فلن تنجو.»
استيقظت من نومي، وفعلت بالضبط كما قال الصوت. وبعد أن سقط الفارس في البحر، ارتفعت المياه، وظهر القارب الصغير. وأخذت أجدف مدة تسعة أيام حتى رأيت تلالًا عن بعد. غمرتني السعادة حتى إنني قلت بصوت مرتفع: «لقد نجوت!»
في هذه اللحظة، انقلب القارب، وغرق في البحر. وظللت أسبح مدة ثلاثة أيام دون أن أقترب من اليابسة. كنت موقنًا أنني سأغرق، لكن هبت علي ريح عاصف، وحملتني موجة كبيرة نحو شواطئ إحدى الجزر.
•••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارَن بما سأرويه لكما غدًا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»
الليلة الثانية والعشرون
في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاءً يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة المذهلة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة الدرويش الثالث.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!»
•••
بلغني — أيها الملك السعيد — أن الدرويش الثالث تابع رواية قصته قائلًا: كان هناك جبل ضخم على تلك الجزيرة، صعدته حتى وصلت إلى القمة، وهناك رأيت قصرًا كبيرًا مغطى بالذهب الأحمر. كان الباب مفتوحًا، فدخلت حيث وجدت قاعة جميلة بها أربعون فتاة يلبسن أثوابًا حريرية مرصعة بالجواهر المتلألئة. اندفعن نحوي، وأحضرن لي كرسيًّا مريحًا. غسلن يدَيّ وقدمَيّ، وجلبن لي الطعام والشراب. جلست الفتيات الأربعون حولي يتحدثن ويضحكن.
نسيت كل معاناتي حينها، وفكرت: «هذا أفضل ما في الحياة التي هي للأسف قصيرة للغاية.» قضيت عامًا كاملًا في ذلك القصر الجميل، أتناول الطعام والشراب، وأستمتع بكل مباهج الحياة. ومع حلول العام الجديد، بدأت الفتيات في البكاء، وأخذن يتعلقن بي قائلات: «لعلك لا تغادر أبدًا.» فسألتهن عن سبب بكائهن وظنهن أنني سأغادر.
فأجبن: «ستكون أنت نفسك السبب.» وأخبرنني أنهن أربعون ابنة لأربعين ملكًا، ويجب عليهن ترك القصر مرة كل عام مدة أربعين يومًا. وعند مغادرتهن، لن أصاحبهن. ويمكنني أن آكل وأشرب وأفعل ما أشاء، وأتجول في جميع غرف المنزل فيما عدا الغرفة ذات الباب الذهبي الأحمر.
وقلن: «وهكذا، ستعصي أوامرنا. وعندما تفتح هذا الباب، سيتسبب في فراقنا.»
ثم غادرن، وقلت لهن: «والله، لن أفتح هذا الباب أبدًا.» وظللت بمفردي في ذلك المكان مدة تسعة وثلاثين يومًا، آكل وأشرب وأفعل ما أشاء، وأتفحص كل الغرف فيما عدا الغرفة ذات الباب الذهبي الأحمر. كانت جميع الغرف مليئة بملذات رائعة، مثل أشجار الفاكهة وحدائق الأزهار ذات الروائح العطرة. لكن بعد مرور الأيام التسعة والثلاثين، زاد فضولي أكثر وأكثر بشأن ما كان في الغرفة ذات الباب الذهبي الأحمر. وفي النهاية، لم أتمالك نفسي، وفتحت الباب. وبالداخل، كانت هناك مصابيح من الذهب والفضة، ورائحة عطر قوية.
وفي منتصف الغرفة، وقف حصان لونه أسود حالك كلَيلٍ شديد الظلمة. قدته خارج القصر وأنا مندهش من جمال هذا الكائن. حاولت أن أمتطيه، لكنه لم يتحرك. وأخيرًا، ضربته، فصهل غاضبًا. وبعد أن كشف عن جناحين، طار بي إلى أعلى في السماء. وسافرنا معًا مسافة طويلة قبل أن يلقيني من على ظهره. ولطمني على وجهي بذيله، ليفقدني البصر في إحدى عيني، ويلقي بي في صحراء موحشة.
ملأتني التعاسة، وسرت أيامًا عديدة، لاعنًا نفسي على أفعالي. وعندما وصلت إلى إحدى المدن، حلقت لحيتي مثل الدراويش، وواصلت المسير. طفت العالم قبل أن أصل إلى بغداد. وهكذا، التقيت بهذين الدرويشين، وأتيت إلى هنا. وهذه قصة فقداني لبصري وحلاقتي للحيتي.
•••
ردت المرأة قائلة: «يمكنك الذهاب.»
ثم تجمع الدراويش معًا، وقالوا: «سيدتنا، نود أن تعتقينا وتسمحي لنا بالرحيل.»
فردت المرأة قائلة: «سأفعل.» وعندما خرجوا جميعًا، كشف الخليفة عن شخصيته للدراويش، فخروا على ركبهم أمامه وهم يحمدون الله. وأخذ الخليفة الرجال معه مانحًا إياهم الأمان والمأوى في قصره. وابتهج الدراويش لعثورهم عليه يقينًا منهم أنه سيساعدهم في التخلص من معاناتهم.
•••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارَن بما سأرويه لكما غدًا إذا تركني الملك على قيد الحياة.» بحث وتقديم ناطق ابراهيم العبيدي