الحلقة الرابعة عشر
( استيقاض الأم
وسر العجوز )
: ـ " ام حسن اريد ان اعرفك بفتاه جميلة، حتى تذهبي لتخطبي لي اياها من اهلها.." اخذت اصف لها غادة لاجعلها تفكر بها حتى تتمكن غادة من الاتصال بها، واشغل عقلها بالتفكير بغادة، ويبدو لي انني نجحت في ذلك، واقتربت غادة بلطف من امي وامسكت بيديها وبدات تتحدث معها بهدوء ونعومة، واستطاعت امي ان ترى غادة وبدا عليها انها بهرت بجمالها، واستمرت غادة بالحديث مع امي حتى كفت عن الكلام . وبقيت تمسك بيديها، وانا اترقب وانظر تارة الى غادة وتارة الى امي. ووضعت غادة يديها على جبين امي ونظرت الي
وقالت : ـ "حينما تفيق امك ستعود لتراها كما كانت في اخر مرة رايتها قبل ان تذهب معي الى عالمي، فقد استطعت ان اعود بامك الى ذلك الوقت الذي نامت فيه، فهي الان استفاقت كالمعتاد دون ان تتذكر شيئاً، والاشهر التي مرت ستظن نفسها بانها كانت تحلم، وطبعا فهي لن تستطيع ان تتذكر شيئاً، وتذكر جيدا يا حسن بان امك حينما تفيق فهي لن تستوعب بسهولة أي تغيير حدث لانها نائمة منذ ساعات قليلة وليس منذ اشهر، وحينما تفيق، ستستغرب وجودك لانك قلت لها بانك ذاهب في رحلة مع اصدقاء لك في ذلك اليوم الذي تزوجنا به ..الان يا حسن ساذهب ليكون لك الوقت لتستعد حينما تفيق امك، وسأعود بسرعة". واختفت غادة ... وذهبت لاختي وشرحت لها ما حدث واتفقنا على خطة لمواجهة الموقف وبدانا بترتيب البيت كما كان قبل شهر. وانتظرنا حتى استيقظت امي.وبالفعل،بمجرد أن رأتني قالت: ـ "شو .. ما رحت مع اصحابك على الرحلة يا حسن" ؟ قلت لها : ـ لقد غيرت رايي ولن اذهب. وتحايلنا عليها لنخرجها من البيت بسرعة ونبعدها عن أي ضيف محتمل، وحتى نستطيع ان نمهد الطريق اخذناها وذهبنا بها الى اريحا، وهناك جلسنا نضحك وهي تمطرنا بالاسئلة، ابتداء من الثلاجة والتي اختفت منها كمية من الدجاج واللحمة وهي حينما نامت تركتها مليئة ، والى اصغر التفاصيل التي تغيرت في البيت، واخذت امهد لامي لاقول لها انها قد اصيبت بغيبوبة كالتي حدثت معي بالماضي، وانها نائمة منذ اشهر، ومهدنا لها بانها ستسمع قصصاً وحكايات من الجارات والاقارب، وبذلنا كل جهدنا لنجعل الامور عادية ونوفر على امي الصدمة ,سارت الامور بصعوبة شديدة، فامي لم تستوعب الامور بسهولة.. مدة طويلة ونحن نراقبها ونشغلها ونرافقها، حتى اننا كنا يجب ان نتحدث مع كل من ياتي الى بيتنا ونشرح له عن المسموح الحديث به امام امي وما هو الكلام الممنوع. المهم ان امي بخير ، ولم تتعرض لصدمة. وسارت الايام وغادة تزورني بالبيت لنقضي معا اجمل وامتع اللحظات وتدربني وتعلمني التركيز والسيطرة على الذات، وطرق الاتصال بها، واحيانا كانت تذهب الى عالم الجن بعد ان نتفق معا بان نقوم بالتركيز حتى تظل في مجال رؤيتي واحذرها من مصيدة الجن حتى لا تقع فيها، وكانت تذهب وتعود الي لتطلعني على دراسات اعدت عن البشر وتكوينهم، دراسات كلها تدل بان الجن يعرف عنا اكثر مما نعرف عن انفسنا مئات المرات، واستمرت المفاجآت الاخرى... وشاءت الصدف ان اكون جالسا بمفردي قرب البيت شارد الذهن ضائعا في غموض العالم واسراره التي ما زلنا نجهلها واثناء جلوسي مر بقربي عجوز يتجاوز السبعين من العمر بدت على ملامحه آثار البؤس والعياء وهو ايضا يبدو ضائعا وحزينا، اقترب مني وسالني عن اقرب طريق توصله الى احدى القرى المجاورة لنا، فأشرت اليه الى احدى الطرق المختصرة فشكرني وسار في طريقة. احزنني بؤس هذا العجوز فلحقت به وقلت له: ـ يا "حاج" تعال نطلع على الطريق الثاني وساوقف لك احدى السيارات لتنقلك الى غايتك فنظر الي وقال: ـ شكرا، فقدماي تستطيعان حملي وادار ظهره وهم بالسير،
فقلت له: ـ يا والدي الطريق بعيدة عليك. والتفت الي والدموع تترقرق في عينيه والحزن يخيم عليه وقال بلهجة حزينة: ـ شكرا . وسار، ولحقت به والفضول يقتلني لاعرف سر هذا الحزن والدموع ومع الالحاح عليه جلس وقال لي
: ـ كم تظن انني ابلغ من العمر ؟؟؟ فقلت : ـ السبعين او اكثر... ـ هل تصدقني لو قلت لك باني لم ابلغ الثلاثين من العمر . عرفني على اسمه فقال لي أنه عمر، وعرفته على اسمي، ولم يكن يبدو عليه بانه يكذب، مع انه من المستحيل ان يكون عمره اقل من السبعين، وهنا زاد فضولي لاعرف سر هذا الشاب العجوز. قال لي : ـ لو اني حكيت لك حكايتي فستظن اني مجنون او معتوه . فالححت عليه ان اسمع منه،
وبدا يروي لي حكايته.. ـ منذ عدة سنوات ظهرت لي في المنام فتاة جمالها لا يفوقه جمال، شعرها اسود طويل وناعم كالحرير، عيناها سوداء وواسعة، جسدها عجزت عن وصفه الكلمات ولغات كل كتاب وشعراء العالم ، وافقت من منامي، ولو خيروني ان ادفع عمري واعود الى حلمي لما رفضت، واخذت تظهر في منامي حتى كرهت ان افيق من منامي ولو للحظة . اخذت تحدثني واحدثها، وقالت لي ان اسمها غادة، وهي من عالم غير عالم البشر، واحبتني واحببتها بجنون ,وبدات تظهر بصحوتي وتناديني ..يا عمر ..عشقت اسمي لان حبيبتي "غادة" تلفظه من شفتيها. قبلتني وقبلتها لانسى بين احضانها عالم البشر، اشعلت بداخلي كل شهوات البشر، ولم تسمح لي بالاقتراب منها، لتبقي النار كالبركان مشتعلة بداخلي ,اخذت تاتي الي وتختفي، ولا تظهر الا بعد ان تحرق دموع الاشتياق وجنتي ,تفننت في اغرائي واشعال نار شهوات الحب والاشتياق، وكانت خبيرة بعالم البشر ,فقلت لها: "فداك انت ابي وامي وعالمي وروحي يا اجمل حلم وحقيقة مرت علي"، وعلى البشر عرضت عليها الزواج.. وقالت: "انت مقدم على الجنون او الانتحار يا عمر، فاهلي وسلطة عالمي سيلحقون بي وبك الدمار "..علمتني من الحب والحكمة ما فاق تصور البشر "تزوجتها" كما ارادت ونقلتني الى عالمها لاراى الغرابة والعجب . وسارت الايام وفقدت كل من حولي بلمح البصر، فشاب شعري وهرمت، وشاءت الظروف ان اكتشف بعد فوات الاوان اني "ضحية" وقد وقعت في شرك من تبحث عن "الخلود" بدماغ البشر ، فغادة التي كنت اظن انها تحبني ما كنت لها الا ضحية، انتقتها من بين الاف البشر تنتقل من شخص الى اخر، ولا تتركه، تسيطر على دماغه وتتغذى عليه، ليزيدها قوة بقوة، ولكن حظي التعيس جعلني اكتشف هذه الحقيقة بعد ان فقدت شبابي ،واحلى ايام عمري ,انقذت نفسي لاكتشف بانه لم يبق لي ما يستحق ان ابقى من اجله وها انا اسير من قرية الى اخرى ابحث عن مكان هادىء لم يزره احد من عالمي لاقضي فيه ما تبقى لي من ايام، وانسى همومي واحزاني..افهمت الان سبب احزاني وهمومي، ام انك ستظن بانني مجنون وعجوز خرفان ؟ لا باس ان ظننت هذا فلن الومك، فما انت الا من البشر ولن يقنعك الا المنطق والعلم، ولكن انت الذي صممت ان تعرف قصتي، فدعني اذهب بسلام.
يتبع >>>>>>> الحلقة الخامسة عشر