الجزء ( 46 )
،
بعد دقائِق طويلة ، عبدالمحسن : الجوهرة ماأبيك تستحين مني .. أبي أسألك سؤال
الجوهرة بلعت ريقها لتقِف و أنفاسها تتصاعدُ مُتناسبة طرديــًا مع نبضاتِها المُرتجفة . . صمتٌ يلفها و قلبٌ يرجِف.
عبدالمحسن مُشتتِ أنظارِه و أصابعه تتشابَك : سلطان ماقرَّب لك ؟
لِمَ السؤال مُربك إلى هذا الحد ؟ لِمَ أبكِي من سؤال ؟ أكان صعبًا علي الجواب أم لأني لا أجدُ مخرجًا من الصمتْ !!
يالله كيف تلفظُ الشفاه بما لايجبْ أن يُقال ؟ و ربُّ هذه الحياة لم أعرفُ أن للجسدِ لُغةٍ إلا مُنذ أن لوثنِي تُركِي و تخاطبتُ بها 7 سنواتِ بعينيْ ، لم أعرفُ إلا منذُ أن شطرنِي سلطان و تحدثت يدايْ بتشابِكهُما . . كيف أشرحُ لك يا أبي ؟
عبدالمحسن و لم يكُن بسهلٍ عليه ، أردف بربكةٍ كبيرة : الجوهرة . .
الجوهرة همست و الدمعٌ على خدِها يسيل : لأ
عبدالمحسن لمَح تلك الدمُوع ، أردف بوجعٍ كبير : لو أنه أخويْ . . أنتِ أهم ، هرب ولا عارف كيف أوصله ..
الجوهرة أخفظت نظرَها و لا قلبُها يهدأ ، ألتفتُوا لسيارة البانميرَا السوداء التي تُضيء بجانِب سياراتِهم ،
عبدالمحسن : هذا سلطان !! . . أسمعيني يالجوهرة .. ماراح أخليك ترجعين معه ..
الجوهرة تُراقب سلطان الغير مُنتبه لهُم على بُعد مسافاتٍ طويلة. أتعلم يا سلطان أنني بدأتُ أحفظك عن ظهرِ غيب ؟ بدأتُ أحفظ تفاصيلك وتلك الخطواتِ الغاضبة و الأخرى الخافتة ، أعرفُ جيدًا شعُورك من تقويسـةِ عينيْك و وقعِ أقدامِك. عرفتُ هذا مُتأخِرًا.
عبدالمحسن بهدُوء : أجلسي معنا هنا كم يوم لين عرس ريان و بعدها بترجعين معنا !! و كان الله غفور رحيم
الجُوهرة تنهَّدت وهي تمسحُ دمُوعِها بظاهرِ كفِّها : ان شاء الله
عبدالمحسن ألتفت عليه وهو يسيرُ بإتجاه مجلسِ الرجال ، بصوتٍ عالٍ : بــــــــــــــــــــــــو بدر
أنتبه سلطان للصوت و عاد بُضع خطواتِ ليراهِم ، أقترب بخطواتٍ مُخبـئة خلف ستار الهدُوء.
عبدالمحسن : كنا في سيرتك ، . . الجوهرة ادخلي داخل
الجُوهرة بربكةِ خطواتِها سارت بجانب سلطان ولكن أمام مرأى والِدها أوقفها بكفِه التي حاوطتْ معصمِها.
سلطان بنبرةٍ هادئة : مستعجل . .
عبدالمحسن رفع حاجبه مُتنهِدًا : الجوهرة بتجلس هنا
سلطان بعد صمتٍ لثواني مُتوتِرة أردف : ليه ؟
الجُوهرة زادت إنتفاضةُ قلبِها الهائِج في صدفتِه ، صدرُها يهبِط بذاتِ القوة التي يرتفعُ بها ، ذاب معصمها بكفِّه.
عبدالمحسن : وليه السؤال ؟ إحنا أتفقنا يا سلطان و لاتحسبني راضي على سالفة انها راحت بدون علمي ... أنا قبلت عشان كلامك اللي فات لكن الحين ماله لزمة ترجع معك ..
سلطان بحدَّة : كيف ماله لزمة ؟ إلى الآن هي بذمتي وماطلقتها
عبدالمحسن بذاتِ الحدَّة : ماله داعي تضحك على نفسك وتضحك عليّ !!! كل شيء أنتهى
سلطان شدّ على شفتيْه ليلفظُ بغضب : دام ما طلقت ماأنتهى شي !
عبدالمحسن و ضغطهُ يُنبأ بالإرتفاع ، كان سيتحدَّثُ بعصبية لولا صوتُ الحمامةِ التي نطَق : يــبه خلاااص
سلطان ركَّز عيناه الصاخبة بأضواءِ النار بعينِ الجُوهرة الدامـعة : روحي جيبي عباتك أنتظرك بالسيارة
ترك معصمها و نظرهُ يسيرُ بإتجاه عبدالمحسن : اترك هالموضوع احلَّه بنفسي
عبدالمحسن بغضب : بنتي ماهي حقل تجارب لك !! ولا راح أرضى .. لا تحدني يا سلطان أتصرف بشيء لا يعجبك ولا يعجبني
سلطان بنظراتٍ ذات معنى أردف : ريِّح نفسك أصلاً ماعاد يعجبني شي .. و سَـار لسيارتِه.
،
ركَن سيارتــِه بجانب سيارةِ سلطان دُون أن يُلقي لمن حولِه بالاً ، مُشتت ضائع ، يرى الأطيافُ تحوم حوله حتى بات لا يهتمُ بالحقيقة بقدرِ إهتمامه لأصواتِ هذه الأطياف. أخذ نفسًا عميقًا ليسيرُ بخطواتِ سريعة حتى لا يلحظهُ أحد.
مزاجُه مُضطرِب و مُجعّـد لن يستقيمُ بسهولة في هذه الليلـة بعد كابُوس المغرب. فتح الباب و عيناه تسقُط على زُجاجة العطر المرميـة. أقترب قاذِفًا مفتاحه على الطاولة الخشبيـة ذات المفرشُ القاني. نظَر لحاسوبه المفتُوح .. أقترب ليرى صُورة العطر من الملف الشخصي لـ أثير.
تمتم بحنق : هذا اللي كان ناقصني !!
تجاهل كل شيء ودخل الحمام ليستحِمْ . . في الأعلى سمعَت صوتِه ، سارت ببطء شديد حتى لا تصدرُ بكعبِها صوتًا ، الغُبار يعتلي الأرفُف ، لم تدخل هذه المكتبـة كثيرًا فـ المراتُ نادرة وجدًا. أقتربت من الكُتب الموضوعة على الطاولة التي يبدُو أنها آخرُ ما قُرأ. مؤسف أن ألبسُ اللامُبالاة حتى وإن بانت فضفاضة لا تليقُ بي. مُؤسف أن أكُون بهذه الصُورة و كأن لا قلب ليْ ولكن أنت تستحقُ أكثر من ذلك يا عزيز و يعزُ عليّ دمعي الذي لا تستحقه.
فكَرت قليلاً بحوارٍ مع ذاتِها يُشعل براكين الحقد. نزلت على الدرج الخفيفْ الذِي يصخبُ بكعبِها ، وقفت لتنتظِره. مرَّت الدقائِقُ طويلة حتى سمعت صوتُ خروجه من الحمام.
عادت خطوتين للأعلى و أصدرت صوتًا ثقيلاً على الأذن. لم يُحرك الصوتُ بهِ شيئًا ، كأنَّ الحياةُ مع اللابشـر يثقبُون قلبه البشرِي من فكرة الفضُول للأشياء الغريبـة و الأصواتِ التي ليس لها وجود.
أرتدَى بنطالِ بيجامته الرماديـة دُون أن يرتدِى شيئًا يُغطي جُزءه العلوي ، تفاصيله القديمة تُعاد ، منذُ أن رحلُوا وهو لاينام الا بشيءٍ يُغطي جسدِه بأكمله إلا أنه بدأ الآن ينام عاري الصدِر ، ماعاد هُناك شيء يستطيع أن يُخبئه. يشعُر بأن قلبه عارِي و يحتاج من يزيدُ بعُريِّـه فمن كان يُغطيه سابقًا " دعواتِ أمه ليلاً ".
رمَى نفسه على السرير و لامجال للنومْ . الأرق يُطارِده من كُل جهة و التفكيرُ بهم يهيج. أعينه تسقط على الجدار الذي تبلل بالعطِر والرائـحة القوية تخنُقه. أتجه للعطِر و عكَس الجِدارُ ظلالِها ، نظَر للظِل ! أأصبحتُ أتخيَّل ؟ جُننت رسميًا !! يالله أرحمني كما ترحمُ عبادِك الصالحين.
وقف بقامتِه المُهيـبة التي يشتركُ بها مع سلطانيْن. فقبلُ سلطان بن بدِر هُناك سلطان العيد.
ألتفت لينظرُ إليْها ، لم تتحركُ بها شعرة وهي تراه بل ركَّزت أنظارِها المُتحديــة بإتجاهه !
عبدالعزيز رفع حاجبـــه ، آخر ما توقعه ان يراها ، عيناه تتأملُها من خلخالِها الذهبِي إلى شعرها و الشاشُ الذِي يُغطي نصفه.
رتيل نزلت بقيـة الدرجات لتقترب منه وبنبرةٍ ساخِرة شامِتة : خربت خطتك ؟
عبدالعزيز بصمتٍ رهيب ينظرُ إليها بدهـشة تبدأُ من فكرةِ وجودها الآن أمامه وبهذه الجرأة .
رتيل بإبتسامة بانت معها صفـةُ أسنانها : إحنا اللي شخصياتنا تصلح لفترة مؤقتة و بعدها تزهق " أردفت كلمتها الأخيرة بدلعٍ عفوِي أرادت أن تسخَر به منه "
أكملت بملامحٍ مُشفقة : يا مسكين !! لهدرجة مضايقينك ومحاصرينك من كل جهة . . تبي تترك هالحياة وتبدأ حياة ثانية !! كسرت خاطرِي مايهون عليْ أشوفهم يتلاعبون فيك كأنك ولاشيء . . أو يمكن مالك أهمية أو تصدق .. عرفت الحين من اللي زيادة عدد !!!
عبدالعزيز ماكان ينقصُه أحدٌ يُشعل النار المتوهِجة. كل الأشياء تفيضُ ببراكينها. كان ينقصُه كلمة ليتنفجِر حِمَمِه.
رتيل في داخلها أرتبكت من نظراتِه ولكن أظهرت قوتِها لتُردف : تعرف مايهمني أكون زوجة لإنسان مثلك !! بس أشفق عليك وعلى أثير اللي بتقبل بشخص ماله رآي وشخصية .. جابوه من باريس غصبًا عنه و الحين يزوجونه بطريقة قذرة !! بس إسم أنك زوج .. إسم أنك رجَّال لكن بالحقيقة مافيه أفعال تثبت شيء من كل هذا
صفعها بكُل ما أوتي من قوَّة ، صفعها ولأولِ مرَّة يمدُ كفِّه على أنثى. أختَّل توازنها بالكعب لتسقُط على عتبة الدرَج و شفتِها تُجرَح ليختلطُ الدمُّ القانِي بأحمرِ شفاهِها المُسكِرة.
رتيل رُغم أنَّ الدموع تجمَّعت في محاجرها ، وقفت لتتحدَّاه وبسخرية : برافوو .. طلعت رجَّال وأنا الغلطانة .. صح اللي يضرب هو الرجال ... الله يقويك عرفت تبرهن عن رجولتك
عبدالعزيز مسكها من كتفيْها ، لولا عظامها الثابتة لذابت في كفُوفِه ، أحان وقتُ إفراغُ الجحيم ؟
صرخت به مُتناسية كل الألم : قرَّبت مني و أنت تدري أني ماأعرف بهالمصخرة اللي صارت !! قرَّبت مني وأنت عارف أني ماراح أنام الليل كله من خوفي من الله !! كنت تدررري بس أنا ؟ ... سمعت باللي قال الحُب دعاء !! ..
رجفت كلماتها لتنطُق و البُكاءِ يتلبسُها : الله يزيييدك قهر و يوريني فيك مكروه يهزِّك يا عبدالعزيز ...
دفعها على الجدار لتسقُط مرةً أُخرى على عتباتِ الدرج الخشبـية ، عقد حاجبيْه بضيق ، ماذا تبقى حتى أرى به مكرُوهًا ، أو هل بِي حياةٌ حتى تهتَّز من أجلِ أحد !! مُت منذُ زمن و مازلتُ أُمارس حماقة الحياة.
عاد إليْها و شدَّها من ذراعها ليلفظُ الغضب الثائر : وتحسبيني منتظر حضرتك تدعين ليْ !! أو حتى حاسب لك حساب ! عُمرك ماراح تكونين شيء و أنتِ أصلك رخيص !!!!!
حاولت أن تضربُ صدره العاري لتبتعدُ عنه و قطراتُ الماء من شعره تسقطُ عليها ، أنفاسها تتعالى كأصواتِ الرنين التي لا تهدأ.
يُكمل مُزلزلٌ أعماقها : ما يفصلني بيني وبينك شي !! قادِر أخليك زوجتي فعليًا بس مزاج .. ماأبيك أنتِ اول بنت في حياتي .. فيه اللي أهم منك
أتَى كلامُه قاسيًــا وجدًا على قلبٍ رقيق كرتيل. أتَى حادًا شطَرها نصفيْن ،
عبدالعزيز بسُخريـة ينظرُ إليْها : لآ يكون جاية اليوم وحاطة أمل في هالزواج !! للمرة المليون تعرضين نفسك عليّ يا رتيل . . بس هالمرة راح أرفض عرضك
رتيل المتصوِرة شيئًا أنقلب سحرُها عليْها و كل ما فكَّرت به وقعت في شرِّه الذي مازال في بدايته.
أردفت بقوةٍ هزيلة وهي بين ذراعيْه : لاتعطي نفسك أكبر من حجمك !! و للمرة المليون أقولك كون رجَّال ولو مرَّة وحدة
عبدالعزيز بضحكة خافتة غرز أصابعه في شعرِها المُجعَّد : علمي أبوك ليه زوجِّك واحد تشوفينه ماهو رجَّال ؟ ولا الكل يشوفك رخيصة مو بس أنا ؟
رتيل همست :أبعد عنِي
عبدالعزيز : جيتيني وتقولين أبعد
رتيل صرخت : قللت أبععد
عبدالعزيز يُحاوطها من خصرها بشدة لتقف على طرفِ كعبها وتصِل لمستواه : أصرخي بعد لين يجي أبوك و يشوفك كيف عارضة نفسك عليّ !!!
رتيل رُغم أنَّ بُكائها لا يتوقف إلا أنَّ حدتها بالكلام تزدادُ أكثر : حقـــــــــــيـــــــــر أنت حرام تعيش !! ليتك لحقت أهلك
كلمتُها الأخيرة أشعلت قلبه من جديد ، دفعها بقوة بإتجاه التلفاز ليتعثرُ حِذائها بالطاولة وتسقُط مرةٌ أخرى على رأسها الذي مازال يتألم من ضربـةِ الأمس.
بقيت مُتصلـبة على الأرضْ إِثر الغليان التي تشعرُ به في مُؤخرةِ رأسها ، أرتفع فُستانها لمُنتصفِ فخذيْها و نارُ عبدالعزيز لا تهدأ ، وقفُ ينظرُ إليْها دُون أن يتحرك به شيئًا في حين أنها تشعُر بالأرضِ من حولها تدُور و إغماءةٌ تتسللُ إليْها.
أغمضتْ عينيْها الباكيــة لتهدأ رجفةُ أطرافها ، ومازال واقِف ينظرُ لموتها البطيء وإنزلاقِ روحها بدمعها ، ينظرُ إليْها وكأنها جثــة.
رتِيل أبتلعت الغصـة و مسكت طرف الطاولـة حتى تقِف ، لم يتحرك ولم يحاول مُساعدتها ، نظراته حادة لايرمشُ بها لثانية.
تقدَّم بخطواته ليجلس بجانبها ، ألتقت عيناهِم ، من يسألُ العين بماذا تحكي ؟ من يطلبُ الترجمة لعينِ عبدالعزيز المتقوِّسـة ؟ من يُنيب عن عين رتِيل ويحكي بماذا تلفُظ الأهداب ؟ دقائِقُ تخيطُ شفاهِهم و لا همسٌ يُذكَر سوَى الأنفاس المُتصاعدة بينهُما ، في قلبِ الأنثى المكسورة تراتيلٌ تحتاج لمن يسمعها ! آآآه يا عزيز تُرغمنِي على إيذاء نفسِي بِك. تُرغمني أن أؤذي الجميع. يالله على هذا العذاب . . هذا الحُب لا يستقيم وكأنَّ من بنودِه " الجحيم " لم تمُر يومًا على قلبِي خفيفًا ، دائِمًا ما كُنت تمِر بي لتشطُرني نصفينْ.
عبدالعزيز و مازال مُتجمِد في مكانه بجانبها ، مُــتــنا يا رتيل. نسيتُ كيف أعيش ؟ و لِمَ أعيش ؟ مُتــنا والقبر السعيد الذي أردفتيه بأمنيتك أصبح يضمُك ، حياتُنا عبارة عن نُكــتة لم نفهمها فبكيْنا.
وضعت كفوفها على وجهها لتمسح دمُوعِها ورأسُها الثقيل لا يكفُّ عن الغليانْ وكأنَّ براكين قلبها تنتقل الآن لرأسها ، شدَّت نفسها للخلف لتجلس و تسحب فُستانها و تُغطي سيقانِها النحيلة ، تعذَّب يا عبدالعزيز لتعرف من خسَرت ؟ خسرت " رتيل " و أنت تعرف من هي رتيل ! هي التي تُرادف قلبك. هي أنا ولن تنكُر ذلك ،
عبدالعزيز مسك كفَّها لتقِف تترنَّح من دوارِ رأسها و كعبُها الذي لايتزن على الأرض ، مسكها من خصرها ليُوقفها بإتزان ، رفعت عيناها الباكيــة له ، عبدالعزيز بخفوت : أجلسي
رتيل وضعت كفوفِها على ذراعه التي تُحيط خصرها ، أرادت أن تُبعده ولكن قوتها ضعفت بعد سقوطها ، كل عظامها رخوَة تذبلُ بذبول عينيْها.
جلست على الطاولة ، أبتعد عنها ليأتِي بالماء ويمدُه لها ، أخذته لترميه عليه و جنَّ جنُون رتيل.
أخذت ترميه بكل شيء على الطاولة بأنظارٍ مُشتعلة ، رمَت إحدى الفازات الثقيلة عليه لتؤلم بطنِ عبدالعزيز. تجاهل ألمه وتقدَّم إليْها بغضب ليُمسك كلتَا ذراعيْها ، همس بحرارةِ غضبه : إيدك ما تنمَّد لا والله أكسرها لك
رتيل بحقد : أكرهههك .. أكرهههك ... أكرههههك ... *رددتها و دمُوعها تنسابُ مع كُل حرف*
عبدالعزيز تركها ليقِف : أطلعي برااا
رتيل صرخت : خل يجي أبوي .. أنا أبغاااه يجي ... أنا أبيه يشوف الكلب اللي مدخله بيتنا
عبدالعزيز و لايتحملُ إهاناتٍ اكثر ومن أنثى كرتيل ، بلاوعيْ أخذ قارورة المياه الزجاجيــة الخالية من الأملاح ليرميها عليها !
رتيل أنتبهت وأنحنت جانبًا لتُصيب طرف يدِها ، تناثر الزجاج حولها !!
عبدالعزيز بحدة يُشير بسبابتِه : وبعزته لا أخليك تندمين على كل حرف تقولينه وربِّك يا رتيل لا أوريك نجوم الليل في عز الظهر
،
صعدَا الدرجْ ليلتفت ناحية غُرفة رتيل : نامت ؟
ضي : من شوي صعدت وقالت بتنام
همَّ عبدالرحمن ليتجه نحو غرفتها لولا يد ضي التي مسكته : أترك لهم شوية خصوصية
عبدالرحمن بهدُوء : بس بشوفها ماني محقق معها
ضي : ولو يا قلبي البنات كبروا و أنت شايف كيف ينفجرون عليك لأنهم يحسونك محاصرهم بكل جهة ، أتركهم فترة وهم بنفسهم راح يجونك ..
عبدالرحمن تنهَّد وتوجه لغُرفــتِه ، ضي من خلفه : أفكر أتصل على أفنان وأقولها فشلة تشوفني بعرس أخوها وتنصدم يعني أمهِّد لها
عبدالرحمن ينزَع الكبك ومن ثُم ساعتِــه ، أردف بلاإهتمام : ليه تنصدم ؟ بكلا الحالتين ردة فعلها بتكون وحدة !!
ضي : لآ ولو ماهو حلوة تشوفني في عرس أخوها واقفة و تنصدم
عبدالرحمن بحدة لم يُسيطر عليها : سوي اللي تبينه
ضي عقدت حاجبيْها : ليه تكلمني كذا ؟
عبدالرحمن : يعني كيف أكلمك ؟ واللي يخليك ضي ترى مزاجي مايتحمَّل اليوم
ضي نظرَت إليْه بإستغراب لتُردف بقهر : طيب
عبدالرحمن نزَع ملابِسه و أرتدى بيجامته لينام مُتجاهلاً ضي ، شدَّت على فكيْها من قهرها وكأنها توَّد أن تكسر أسنانها ، نزلت للأسفَل لن تتحمَل أن تنام وهي غاضبـة ، جلست بالصالة لتنساب عليها أفكارٌ كثيرة لم يسعفُها الوقت لتناقشها مع ذاتها بسبب دخُولِ رتيل ، صُدِمت لتقف : رتيل !!!
ألتفتت عليها. تضببت رؤيتها من دمعِها و هالاتُ الكحل ترتسم حول عينيها. تقدَّمت لها ضي : بسم الله عليك وش فيك ؟
رتيل بحديثِ ضيء الدافىء عادت لبُكائِها ، سحبتها ضيء لصدرِها وهي تعانقها : تعالي أجلسي ... جلست وبجانبها ضيء : كنت أحسبك نايمة !! وين رحتِي ؟
رتيل بحشرجة صوتها المبحوح : لعبدالعزيز
ضيء رفعت حاجبها : عبدالعزيز !!
رتيل بقهر : أكيد تدريين لحد يمثِّل عليْ
ضي : أبوك ماقالك عشان ...
رتيل قاطعتها بغضب : لآتبررين له !! الكل مسترخصني .. من الصغير لين الكبير !! طيب مايحق لهم يزوجوني كذا ! كيف يزوجوني وأنا ماعندي خبر .. تدرين انه كان يقرب مني ويقهرني وأنا أحسبه حرام وماأنام ليلي من التفكير وآخر شي يكون هو وأبوي متفقين عليّ !! مين أهم أنا ولا عبدالعزيز ؟ مو حرام عليهم يسوون فيني كذا ؟ .. .. أصلاً هو بيتزوج !! شايفة الرخص كيف ؟
أخفضت رأسها لتجهش ببكائِها أمام ضيء المُتجمِدة في مكانها لا تعرف بأيّ حديثٍ تُخفف وطأة الخبر على رتيل.
همست : محد رخصك ! والله أبوك مارخصك أضطر .. هم عندهم مشكلة في الشغل و . . .
صرخت في وجه ضي لتُقاطعها : الله يلعن الشغل !! الله يلعنه ... اللله يلعنه !! مين أهم أنا ولا الشغل !
صخب البيت بصُراخِ رتيل لتُكمل : ماصارت حياة حتى أبسط حقوقي يتحكم فيها هالشغل !
ضي بهدُوء وقفت : أهديي لا تصحينهم .. بشرح لك الموضوع كيف صار .. عبدالعزيز متنكر بإسم شخص ميِّت وراح لشخص يبون يمسكونه وخطر علينا وقالهم أنه عبدالعزيز العيد متزوج بنت بوسعود !! و خلَّى أبوك في موقف لايحسد عليه ، عبدالعزيز أجبرهم يزوجونه ! ماهو برضا أبوك بس بعدين أبوك أقتنع وقال مانعطي خبر لعبدالعزيز ولا لرتيل لأن هذا الصح بس عبدالعزيز عرف وأنتِ الحين عرفتِي
رتيل : كيف عبدالعزيز عرف ؟ يعني بيتزوج وحدة مايعرفها !! قولي حكي يدخل المخ
ضي دُون أن تنتبه لخطورة ما تقُول : هو ماحدد أنتِ أو عبير يعني كان ممكن تكون عبير زوجته فعشان كذا
رتيل و خيبةٌ أخرى تشطِرُ قلبها ، خيبةٌ أكثرُ مآسآوية من التي قبلها ! خيبةٌ أكبر من أن تتحملها ! يالله ألهذه الدرجة ؟ يُفضل عبير عليّ ؟ ألهذه الدرجة عبدالعزيز يُريد أن يقهرني بأختي ؟ يالله أني لا أتحمل هذه الدناءة ، رأسُها يدور وعيناها تتضببُ برؤيتها.
ضي بهمس دافىء : صدقيني أبوك كان مجبور ومضطر ، شايفة قد أيش ضحى عشانكم بس هالمرة ضحي عشانه وبالنهاية عبدالعزيز ماهو بالشخص السيء ! يكفي أنه ولد سلطان العيد . . بس هالفترة لين تنحَّل مشاكلهم بالشغل وبعدها راح تقدرين تعيشين معاه بـ . .
قاطعتها رتيل بصُراخ هزّ البيت : يالله بسهولة تقولينها كأنه شي عادي !! تبون تذلوني وتقهروني !! أنا دايم اللي لازم أضحي أنا اللي لازم أنهان .. بس عبير لأ .. عبير تبقى معززة مكرمة محد يدوس لها بطرف بس رتيل عادي .. أصلأً مين رتيل ؟ أحلف بالله أنه الشغالة ترحمونها أكثر مني
أتاها الصوتُ الرجولي الحاد ليقطع حديثها : رتــــــــــــــــــــــــــــــيـــــــــــــــــ ــــــــل
رتيل المُنفجرة تمامًا ، ألتفتت لوالدها الواقف عند الدرج و بأعلى الدرج عبير تسمعُ لحديثها ،
رتيل بسُخرية و البكاء يهطلُ كمطرٍ أتى بعد جفاف : هلا بأبوي هلا بالغالي اللي ذلني لعبدالعزيز وأرخصني
عبدالرحمن بغضب : أحفظي لسانك زين
رتيل بقهر : ليه تبيعني له ؟ ليه أنا بالذات ؟ ليه دايمًا تقهرني هذا وأنت أبوي ؟ كيف تبي الناس تحترمني وأنت ترخصني للي يسوي واللي مايسوى !!
عبدالرحمن بهدُوء : ما بعتِك ولا أرخصتك لأحد !! كان راح تعرفين بالوقت المناسب
رتيل صرخت : هذا زواج كان لازم أعرف !! عطني حريتي ولو مرة وحدة !! حرام عليك يكفي .. يكفييي هالحياة اللي عايشة فيها حتى عن الزواج تبي تقرر عني !! طيب آمنا بالله وقررت عني طيب أترك لي خبر .. طيب حسسني ولو مرة بأهميتي في حياتك !! .. أنا وش ؟ قولي انا وش بالنسبة لك ؟ من أول يوم جاء فيه عبدالعزيز خليته يقهرني ويذلني له !! أنت بنفسك سمحت له يذلني !! لهدرجة أنا ولا شيء بالنسبة لك ؟ وش أفرق عن عبير !! قولي وش أفرق عنها ! أنا بديت حتى أشك انك أبوي
صرخ عليها : كان بيجي وقت مناسب أقولك فيه ! ولو قلتي لي ماأبيه كان طلقتك منه ولا بجبرك على شي ماتبينه بس بهالفترة أنا مضطر .. أفهمي معنى كلمة مضطر .. الحياة ماتمشي زي مانبي أحيانا لازم نسوي أشياء مانبيها عشان نقدر نعيش
رتيل بخفُوت وسُخرية :إيه صح مضطر !! صح أنا نسيت أنه عندك شغل أهم مني !
عبدالرحمن بهدُوء : مافيه شي أهم منك
رتيل بجنُون تصرخ : إلا فيه .. فيه عبير .. فيه سواقنا .. فيه شغالاتنا .. فيه عبدالعزيز .. فيه ضي .. فيه ناس كثيرة أهم مني .. أنا ويني منهم !! مالي مكان .. بس هالعبدالعزيز اللي مصعده للسما ذلّ بنتك إذا يهمك أمر بنتك ... كان يجيني ويقهرني لأنه يعرف أني زوجته بس أنا ماكنت أنام الليل من التفكير وأنه الله بيعاقبني وأنك لو دريت بتذبحني !! بس طلعت أنت بنفسك مسلمني لعبدالعزيز .... لو أمي حيَّة ما تجرأت تلعب فيني كذا ..
أرتفع صوتها أكثر :لو أمي موجودة ماكان لعبت فيني !! أنت حرام تكون أبو .. حراااااااااااااااام .... مين بقى لي ؟ قولي مين بقى لي ؟ كلكم تخليتوا عني كلكم أرخصتوني !! الله يآخذني ... الله يآخذني ....
أقترب والدها ليحتضِنها ويُسكِن البراكين الناعمة التي تثُور ، أبتعدت ليلتصق ظهرُها بالجدان المزخرف بتموجاتٍ عتيقة لتلفظُ بصوتٍ خافت بعد أن أستنزفت طاقتها : الله يرحمني منكم . . . وبخطواتٍ سريعة ركضت بها للأعلى حيثُ غرفتها.
،
في زاويـةِ البيت ضحكاتِهم تتعالى و أحاديثُهم الخافتـة لا تُسمع ، أردَفت بضحكة : بتشوف بنت أبوها وش بسوي
غالية : وش ناويتن عليه ؟
وضحى بخبث : بعلمها كيف تتفاخر بزوجها المصون ! ..
غالية أبتسمت : اليوم كل ما كلت رجّعت شكلها صدق حامل
وضحى : وأنتِ صدقتيها ! إلا حامل وقولي وضحى ماقالت ! .. أستغفر الله بس مدري كيف تزوجت وأخوها ماصار له سنة !! مافي قلبها رحمة
غالية نفثت على نفسها : فكينا بس !! هي عندها إحساس أصلاً
وضحى تُقلد صوتها : يـــــــــــــوسف !! .
غالية : تهقين يحبها !
وضحى : لآ أهل الرياض جافين مايعرفون يحبون ولا شي
غالية : تغيروا ماعادوا على خبرتس يا حظي !! .. بنات جارتنا فتُون اللي ماينطل بوجههِن مآخذين من الرياض ورجاجيلهن قايلين بهن هه *حركتْ يديْها بإشارة لتدليعهن* .. تحسبينهم على زمن جدتس وجدي !
وضحى تنهَّدت : حتى عيالنا مو ناقصهم شي
غالية بسُخرية : أبد يصبحتس بوردة ويمسيتس بضحكة
وضحى رفعت حاجبها : أصلاً وش ذا اللحوج وردة وأفلام أبيض وأسود ..
غالية بخفوت : تهقين يوسف مسوي بمهرة تسذا ؟ *كذا*
وضحى : الله يعلم بس شكله كذا .. مير مالت عليها على وش ياحظي ! شينة و رجَّال مابها أنوثة
أكملتا الأحاديث عن هيئاتِ الخلق و نسُوا الخالق الذي يُمهل ولا يُهمل ، يأكلُون في ليلهم لحُومٍ أخوانهم المُسلمين اللينـة ، كيف قبَلت أنفسهم بأنَّ تغتاب و الله يراهم ؟ كيف رضُوا بأكلِ اللحوم اللينة ؟ أيُّ تقزز و قبحٍ تكتسي أنفسهم ! و نحنُ الذين درسنا التوحيد و نعرف أن لا أحدٌ يموت الا وفعل مثل ما كان يعيبه !
،
يُرتِب غُرفتــِه وهو الذي لايُحب الفوضى وإن أرتكبها يومًا ما. من يراه يقُول " رائِد الجوهي " أمامه ليس هيئةً فقط بل هيبـة و سكينة وإن كان له جانبٌ سيء ، قليلُ الكلامْ صامت خافت هادىء قارئ مجنُون شغوف عاشق مُهيب هوَ في ضد مع نفسه عندما يشرَب ويسكُر ! نظَر لصحيفة الأندلس التي في أعلى الرف يُتوسطها مانشيت بعنوان " عبدالرحمن آل متعب ينفِي تعرُضه لمحاولة إغتيال في باريس " رماها في علبة النفايات الصغيرة ذات النقوش العثمانية ، أبتسم بسُخرية وهو الذي يعلم تفاصيل تلك الحادثة . . يعرفُ عن أدق مخططات والده في وقتٍ يشعُر والده بأنَّ إبنه لا يعرفُ شيئًا وأنه " على نياته " ، والدِي يحسبُنِي أنني معزول كليًا عن عمله و أنا الحاضِر بكل زواياه ، سرَح عقله لتلك الأيام.
يرسُمها في أول لوحة لها ، يغمسُ رأس الفُرشاة الناعمة بخيُوطِ اللون العنابِي ليُشبع شفتيْها بها ، وضع سماعةِ هاتفه ليستمِع للطرف الآخر : بيروحون باريس وراح يخطفون بنته هناك !
فارس بهدُوء : أهم شي . . عبير
: وش يعرفني كيف شكلها ! فارس لا تورطني معك
فارس : كيف ماتعرف شكلها ! أكيد أختها الثانية واضح انها أصغر !
: أبوك بدا يشك فينا !
فارس بحدة : آخر طلب !! لو سمحت
تنهَّد الآخر ليُردف : طيب براقبهم وبشوف مين عبير فيهم
فارس : يكون أحسن
بهدُوء : طيب دام عندك صورتها ليه ماترسلها وتريحني
فارس : نعم يا رُوح أمك !!
الآخر بتخوف : خلاص خلاص ياكلمة أرجعي مكانك
عاد لواقعه وهو يُلملم قصاصات الورق البائسة حيثُ كتاباتِه الضعيفة ، يالله كيف كان يشعُر برجولته وهو يحميها ! و سهراته اللذيذة حين يكتبُ لأجلها و يرسمُ لأجلها و يؤرخ كل الأشياء الجميلة ليحتفل بميلادِها ومن أجلها فقط.
يالله يا عبير كم كان حُبك صبيًا في قلبي وكم كان الحُزن يتغلغل في قلبِي إن ضاقت بك جُدرانِ غُرفتِك السُكريّـة ، يالله يا عبير أيُّ جنُون رزقني الله به حين أحببتك ؟ أيُّ جنون ذاك الذي جعلني أُحب إبنة من يكُن عدُو والدِي ! يا حبيبتِي كما قال إبن زيدُون " أغارُ عليكِ من عَيني ومِني ، ومِنكِ ومن زمانكِ والمكان ! " و . . . . أغارُ عليكِ حتى من كلماتٍ تقرأُها عيناك لم أكتُبها أنا.
،
لم ترتاح في نومها القصِير حتى أستيقظت و أستيقظ غثيانُ معدتِها ، تقيأت و الألمُ يسبحُ في أحشائِها ، عقلها الضائِق كُل ما يُفكِر به صعوبة هذه الحمل ! إن كانت في هذه الشهور الأولى هكذا إذن ماذا سيحصُل بها في شهورها الأخيرة ، نزلت دمُوعها بتفكِيرها ، صغيرة جدًا على تحمُل هذا ! صغيرة جدًا لتعرف كيف تتحمَّل هذا الألم ، خرَجت من الغُرفة حتى لاتزعج والدتها النائمة بجانبها ، أتجهت لغُرفة الجلوس الصغيرة في الدور العلوي ، جلست وهاتِفها بيدِها ، حتى صديقاتِها علاقتها بهُن محدُودة و لا تعرف كيف تتسلق الحواجز التي بينهُن ، لا تُحب أن تتعمق بعلاقاتها مع أحد لذلك هي الآن وحيدة بعد أن كان فهد يحلُ جزءً كبيرًا في أحاديثها .
يالله يا فهد لو تعلم بشوقِي لك ، كُنت ستفرح بيْ ، كُنت ستُراقب تضخُم بطنِي لتضحك عيناك ! لا أحد سعيد بحملِي ، الجميع كلماتُهم منافقة مُعتادة ! لا أشعُر بأنَّ أحدهُم يسعدُ لأجلِي. لاأحد.
دخلت الواتس آب ، وقفت عند محادثة يُوسف كثيرًا ، دقائِق طويلة تمُر وهي تتأملُ كلماته الماضية حتى رأت الـ " on line " أسفَل إسمه ، كانت ستخرج لولا أنهُ حادثها " غريبة صاحية الحين ! "
بلعت ريقها لتكتُب " كنت بنام "
يُوسف " يعني آكل تبن وأسكت "
أبتسمت لتكتب " لأ "
يُوسف " حجزتي لك موعد ؟ "
مُهرة " إيه بعد بُكرا العصر إن شاء الله "
يُوسف " طيب الحين نامي وارتاحي "
مُهرة " يوسف "
يُوسف " ؟ "
مُهرة بربكة أصابعها التي تكتُب تراجعت و أرسلت " خلاص ولا شيء .. تصبح على خير "
يُوسف و لايعرفُ كيف يفهمها بهذه الساعة " ينفع أتصل عليك ؟ "
مُهرة لم ترُد عليه بل ضغطت على إسمه لتتصل و يأتيه صوتُه الناعس ،
مُهرة بصوتها الهادىء يزيدُ صوت يوسف خفُوتًا : كذبت ماكنت أبي أنام ، قبل شوي صحيت
يُوسف : ليه ؟ تو الساعة عشان تصحين !
مُهرة بضيق : تعبانة أحس روحي يتطلع من الترجيع وأنت بكرامة ..
يوسف : بسم الله عليك ، أتوقع هذا طبيعي ولا ؟
مُهرة : يمكن بس أنا مقدر أتحمل كذا ، يعني هاليومين ماني قادرة أنام بشكل متواصل كل شوي أصحى . . نومي متقطع مرة
يُوسف بصمت يستمِع لها ، لأولِ مرةٍ تُفضفض له أو رُبما لأولِ مرة تحكِي له شيئ مطولاً يقطع الدقائِق بتمدده.
مُهرة بنبرة توشك على البُكاء ، الحمل أضعف قلبها وبشدة ، أردفت وهي تُخفض رأسها ويغطي ملامحها خصلاتُ شعرها : مقدر أشرح لك .. مااعرف كيف أوصلك معنى كلامي بس . . . تعبت حيل وأنا توني دخلت الثاني كيف لو جت الشهور الأخيرة !
ولا يعرفُ كيف يواسيها و بنبرةٍ دافئة : أكيد بالبداية بتتعبين بعدها خلاص ، يعني هذي الشهور الأولى و .. أتوقع أنها عند الكل تكون كذا
مُهرة أبتسمت بسخرية : ماشاء الله عندك خبرة
يُوسف ضحك ليُردف : اللي أعرفه أنه دايم كل شي جديد يكون صعب في البداية
مهرة بعد صمت لثواني طويلة : خلاص ماأبغى أسهرك ويخرب نومك ..
قاطعها : أصلاً طار النوم
ضحكت بعفوية لتُردف : تدري يوسف !!
يوسف المُستلقي على سريره و الكاذب بشأنِ نُعاسه : هممممم
مُهرة : أنك مجامل و مستفز
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
مُهرة : جد اتكلم يعني مستعدة أحلف أنك الحين متغطي بالفراش و ودك تنام
يوسف : ههههههههههههههههه قايل من زمان شيوخ حايل يحللون الشعوذة
مُهرة : هههههههههههههههههههههه بسم الله على قلبك يا ولد الرياض
يوسف أبتسم حتى بانت صفة أسنانه : صدق ما قلتي لي وش تخصصك ؟
مُهرة : رياض أطفال
. . . ساعة تلو ساعة ، دقيقة تمُر و تأكلُ الدقيقة الأخرى ، أحاديثٍ مُتواصلة لا تجِف حتى شهدتْ الشمسُ عليهما وهي تشرُق على أصواتِهما و تتغنجُ ببطء لتغمزٌ السماء لهُما بضحكة .
،
أستيقظ باكِرًا فاليوم مُهم جدًا بإجتماعٍ عند العاشرة صباحًا يضمُ شخصيات مُهمـة ، في مكتبِه يُرتب بعض الأوراق و الملفاتِ التي يحتاجُها ، يُصنف بعض الملفاتِ السوداء تحت " مُهم ، ليس مُهم " ، تنهَّد ليسند ظهره بتعب على الكُرسي و ينظرُ للباب الذي يُفتح بهدُوء : صباح الخير
سلطان : صباح النور
حصة بإبتسامة : أهلكت نفسك
سلطان : عندي إجتماع مهم
حصة : الله يعينك
سلطان : آمين
حصة زمت شفتيْها ليقرأ سلطان بسهولة ماذا تُريد و هو يُفكِك بعينِه أصابعها المُتشابكة : ماهقيتك تستحين مني ؟
حصة ضحكت لتُردف : لآ تصدق نفسك !! لآ بس كنت بسألك .. الجوهرة نايمة عند أهلها !
سلطان بهدُوء : لأ
حصة : طيب .. تعال أفطر
سلطان :لآ مو مشتهي شي ! بس سوي لي قهوة تصحصحني
حصة : من عيوني . . وخرجتْ لتصعد بخطواتٍ مُباغتة للأعلى ، طرقت باب جناحِهم مرةً و إثنتان و ثلاث لتفتحه الجوهرة وترفعُ حاجب الإستغراب !
حصة : كويس أنك صاحية ، أبيك في شغلة
الجوهرة أبتسمت : وشو ؟
حصة وتتأملُ ملامِح الجوهرة الشاحبة وشعرُها المبلل : أول شي أستشوري شعرك لايدخلك برد وبعدها أنزلي
الجوهرة بعفوية : مالي خلق أستشوره خليه كذا
حصة بعتب : لآ وش تخلينه كذا ! لآ تنسين انه سلطان هنا مايصير تطلعين له الا وأنتِ بأحلى صورة
الجوهرة بدأتُ الحمرة تسيرُ في كامل وجهها ،
حصة بإبتسامة شقية لا تُثبت عُمرها أبدًا : يالله بسرعة ورانا شغل .. ونزلتْ تاركة الجوهرة في حيرة من أمرها ،
أتجهت الجُوهرة للمرآة لتتأملُ نفسها و تتذكرُ الليلة الماضيـة التي طرقت بها بابًا للخوفْ عندما أحتدَّ مع والِدها ،
( ليلة الأمس ، الساعة الحاديْ عشر و ستةٍ وأربعون دقيقة مُربِكة )
فتح الجناحُ ليُشير لها بعينيْه أن تدخل أولاً ، سارت بخطواتٍ مُرتجفة كقلبها الذي لايهدأ من الحِراك والتمدُدِ والتقلص.
ألتفتت إليه و طرحتها تسقط على كتفِها ، سلطان أخذ نفسًا عميقًا وكأنه يتمرَّن على اللاغضب !
بلعت ريقها المُرّ بصعوبة وهي تنظرُ إليْه لحظةً و تُشتت أنظارها دقيقةً ،
سلطان بهدُوء : قلتي لأبوك شي ؟
الجوهرة : لأ
سلطان : ما سأل عن إيدك ؟
الجوهرة برجفةِ حروفها : محد أنتبه
سلطان و أنظاره تطوف حول جسدِها النحيل ، أمال بفمه قليلاً وكأنه يُفكر بشيء ما
وتلك الأنثى التي تُقابله و تبلغُ أوَّجُ أنوثتها يهبطُ صدرِها ويرتفُع ، هدُوئِه هذا غريبٌ عليّ منذُ فترةٍ طويلة لم أشهدهُ بهذه الصورة !
الجُوهرة بللت شفتيْها لتُثبت أنظارِ سلطان على فمِها الصغيرْ ، أردفت بربكة : تآمر على شي ؟
سلطان تنهد : لأ
بعد دقائِق قصيرة نزلت وشعرُها الأسوَد المُظلِم يتراقص على كتفيْها ، أرتدت من الفساتينُ الناعمة الخاصة بالبيت الذي يصِل لمنتصف ساقها ، كان عاديًا جدًا ذو لونٍ واحِد " بصلِي " ،
دخلت المطبخ : آمريني
حصة بإحباط : يالله يالجوهرة على الأقل كحل !!
ضحكت لتُردف : ماأحب المكياج كثير
حصة : طيب كحل بس خط صغير على الأقل ... عيوش حياتي
عائشة : نأم ماما
حصة : جيبي لي كحل من غرفتـ .. لم تُكمل وهي ترى عائشة تُخرج من جيبها كحلُ القلم الأسود
حصة : منتي بهينة والله تتكحلين بعد
عائشة ترمشُ بعينيْها بخجل : بأد شنو يسوي لازم يسير أنا هلو
حصة أبتسمت لتقترب من الجوهرة ولم تجعل لها مجالاً ان تُناقش وهي تُكحِل عينيْها التي تأخذُ من تُركي الكثير و أيضًا والِدها و الأكيد عبير التي تُشبه تركي كثيرًا !
حصة بإبتسامة رضا : إيه كذا شكلك تمام ، طيب أخذي .. مدَّت فنجانُ القهوة ذو الحجمِ الكبير .. : سلطان بمكتبه ووديه له
الجوهرة بربكة : لألأ ..
حصة تُقلد صوتها الخجول : وش لألأ .. أقول روحي بس
الجوهرة : يعني يمكن مايبي قهوة
حصة : إلا هو طالبها مني
الجوهرة وتبحثُ عن مخرج : طيب يمكن مشغول يعني مايصير أزعجه بشغله
حصة بنفاذِ صبر : لا إله الا الله .. أقولك هو طالبها يعني يبيها
الجوهرة : الله يخليك حصة والله مـ
حصة لم تتركها تُكمل كلمتها وهي تسحبُ بيدها لتخرجُ من المطبخ متوجهة لمكتبِ سلطان ، أمام مكتبه وضعت الفنجانُ بين يديْها وهي تهمس : ترى ماأبيك يعني عادي تكيفين هنا .. وتركتها بضحكة.
الجوهرة أخذت نفسًا عميقًا لتطرُق الباب وتطُل برأسها ، لم تلفظُ كلمة وهو الآخر لم يرفع رأسه من الأوراق المُبعثرة على الطاولة ،
أتجهت بخطواتٍ خافتة نحو مكتبه لتضع الفنجان بجانبه و صوته الهادىء المُربك يخرج دُون أن ينتبه لها : الله لايحرمنـ .. رفع عينه وتوقفت الكلماتُ عن الإندفاع من عتبةِ فمِه ! رائحة عطرها أسكرتهُ .
الجوهرة و أرادت أن تقطع عليه أيُّ كلمة تُحبطها منه : حصة هي اللي قالت لي أنك تبي قهوة !!
سلطان برفعةِ حاجب : وش إسمها ؟
الجوهرة بلعت ريقها : عمتك حصة
سلطان : و تقدرين تنادينها بعد عمتي أو أم العنود ! بس ماهو حصة حاف كذا .. يعني ماهو معقول أعلمك الأدب
الجوهرة شعرت بأن الأكسجين ينفذ من الغرفة ، أرتجفت أهدابُها وهي تُثبت أنظارها عليْه
سلطان بسياطِ حروفِه : والله مصيبة إذا بربيك من جديد !!!!
الجوهرة : حقك عليْ بس هي قالت لي أني أناديها كذا و أنه مابيننا رسمية ..
سلطان يرمي عليها اللاإهتمام وهو يضع عينه على الأوراق ويتجاهلُ حديثها
الجوهرة الواقفة بجانبه شعرت بالإحراج من طريقته بتجاهله ،
سلطان و شكلُه الظاهري يوحي تركيزه وهو المشتت لا يعرفُ أين يقرأ و بأيِ سطرٍ تلتَّفُ عينه . .
أطالت وقوفها حتى تلألأت عيناها بالدمُوع المُكابِرة التي لا تنزل ، رُغم ضعفها إلا أن نزعاتُ الجرأة تُحاصرها و هي تقترب أكثر منه لتجعل عيناه رُغمًا عنها ترتفع ناحيتها ،
الجوهرة بإتزانٍ أكثر رُغم لمعة محاجرها : ليه تقسى عليّ ؟ أنت تدري بقرارة نفسك ماأستاهل هالقساوة منك
سلطان حرَّك كُرسيْه ذو العجلات إلى الخلف مُبتعدًا عن المكتب و أنظاره الشامتة تهذي بأحاديثٍ كثيرة : عفوًا ؟
الجُوهرة أصطدمت فكوكها و صمتُ ثواني طويلة كفيل بأن يُهيِّج حرارةِ دمعها : نسيت الأسئلة بعقيدتك حرام ... عن إذنك ... و توجهت للباب لولا وقوفه و هو يتجه من خلفها ويُمرر ذراعه بجانِب خدها ليُغلق الباب ،
سلطان : و نسيتي أن الأسئلة بدون جواب بعقيدتي حرام !
الجوهرة ألتفتت ولا يفصلُ بينهُما شيء ، يملكُ السطوة في كُل شيء !! يالله يا سلطان طاغي أنت حتى في رجُولتِك العنيفة ،
ادخل كفوفه في جيبه لينتظرُ عند حافةِ شفتيْها جوابًا ، من قال لهذا الثغرُ أن يعصي يالجوهرة ؟ من قال له أن يدسُ نفسه بقبرُ الحياة الذي يُعلق بين السماء و الأرض !
الجوهرة نزلت الدمعةُ المالحة التي بقيت غارقة في المحاجر حتى نجت ! ، أردفت بربكة : ولا شيء
سلطان و هو الذي يقرأ تفاصيلها كما يقرأ موظفيه : فهميني وش يعني ولا شيء !
الجوهرة بقيتْ ثواني طويلة تتمددُ بها الكلمات ولا تخرج ، أردفت بضيق : ليه تسألني بهالطريقة ؟ عشان تقهرني وبس !!
سلطان بهدُوء : مين أنتِ عشان أقهرك ؟ تبيني أذكرك مين أنتِ !
الجُوهرة بدأت دمُوعها تهطل لتُدافع عن بقايا عزةِ نفسها : مصلية و ماأفوت فرض وأكرم الله علي بحفظ كتابه .. هذي أنا أما اللي أنت تشوفه فهو نظرتك لنفسك ومالي علاقة فيها
سلطان أشتَّد غضبُه الذي كان هادئٌ في بدايته ، أمسكها من زندها مُتعجبًا من قدرتها على الرد : وش قصدِك ؟ يعني كيف نظرتي لنفسي !
شعرت بأن ذراعها تذوب بقبضته : أترك إيدي
بغضب رفع صوته : قلت وش تقصدين ؟
الجوهرة بربكة : ماراح أناقشك وأنت معصب
سلطان بحدة : لآ أنا أبيك تناقشيني بشوف وين بتوصلين له !
الجُوهرة و فعلاً تألمت ، بهمس وهي لا تنظرُ إلا لكتفه : عورتني
سلطان و زاد مرةً أخرى قبضةِ أصابعه وهو يغرزها في جلدِها اللين : أشوف لسانك طايل وترمين حكي بعد !! لاتختبرين صبري في شيء لأن محد بيخسر غيرك !
الجوهرة بألم : حتى الحكي حرام
سلطان بإمتعاض : معاي حرام
الجوهرة كالطفلةِ أخفضت رأسها لينسحبْ شعرها ويكشفُ عن آثارِ غضبه على عُنقها ، بكت وهو يفلتُ يدها من قبضته ، وضعت كفَّها الأيمن على زندها وهي تضغطُ عليه من حرارةِ الألم ،
سلطان عينه تُراقب البنفسج الذي يُعانق جوانب رقبتها و يتسللُ قليلاً حتى يُطيل النظر في باطِن كفِّها ، لم يبقى بجسدِها قطعة إلا وسَم عليها بغضبه !
رفعت عيناها له و شطرت قلبه بلمعتها ، من قال لها أن تكُن طفلة هكذا ؟ لِمَ أشعُر بالأبوَّةِ نحوها ؟ لا هذه ليست أبوَّة ، لِمَ أشعرُ بحاجة ذراعيْ بأن تحضُنها !
الجوهرة و كأنها تتعمَّد وهي تخنقُ الدمعات الشفافة في عينها وتزيدُ من لهفة خدها !
بتوتر عميق : باقي شي ثاني تبي تقوله ؟ أخاف أطلع و تطلِّع روحي بعدها !
سلطان و لايملُك سبب للإبتسامة التي غزت شفتيْه في حين رأتها الجوهرة شماتة و سُخرية ،
الجوهرة عقدت حاجبيْها : أروح ؟
سلطان وأعطاها ظهرها مُتجهًا لمكتبه ، خرجت الجوهرة و البُكاء يهطل عليها ويغرقها
حصة الجالسة في الصالة ضربت صدرها بخفة من منظرها : أعوذ بالله من وعثاء سلطان ..
بسلاسة أتجهت الجوهرة لها لترمي نفسها في أحضانِ حصَّــة ، : ماعليك منه ! ولا تزعلين نفسك وتبكين !! والله من قرادة الحظ والله وأنا من اليوم أقول الحمدلله نجحت الخطة الأولى مير وين الرجا مع ولد بدر !
الجوهرة بضيق : متضايقة من نفسي كثير
حصة تمسحُ على شعرها : حسبي الله على عدوه بس !!
الجوهرة تُبعد نفسها لتمسح دموعها بكفِها : أنا عارفة أنك تحاولين تصلحين اللي بيننا بس اللي ماتعرفينه أنه مافيه شي تقدرين تصلحينه .. فيه شي بيننا مكسور وعُمره ماراح يتصلَّح
حصة بإنفعال : مافيه شي إسمه مايتصلَّح .. غصبًا عنك أنتِ وياه يتصلح !!! يا بنت لاتنكدين عمرك عشانه ، الرجال مايعرفون يعيشون بدون حريم ولا يغرِّك سلطان مردَّه بيرجع لك وقولي حصوص ماقالت
الجوهرة أبتسمت من طريقة حديثها لتُردف وبحة البكاء بدأت تتضح : سلطان مستحيل يتراجع عن أفعاله ،
تُقاطعه : أنتِ ماعليك منه هم كذا يحبون ينفخون ريشهم علينا إحنا الضعيّفات ، شوفي أنا زواجاتي ماراحت عبث .. عندي خبرة بهالمواضيع .. طنشيه وأثقليه عليه وبتشوفينه كيف يركض وراك !! لأن كنت بجرب الطريقة الثانية معه بس شكله مايفيد إذا من أولها بكاك
الجوهرة : و ترضينها على ولد أخوك ؟
حصة : إلا من مصلحته ومصلحتك ، أبي أنبسط فيه وأشوف عياله بس قلتها من قبل وين الرجا وهو ولد بدر
الجوهرة أبتسمت بحزن : أصلاً ماتفرق معي لأن بعد عرس ريان برجع الشرقية
حصة شهقت : نعععم !! أنتي ناوية تخربين بيتك
الجوهرة : قلت لك بيننا شي مكسور مستحيل يتصلَّح
حصة : كل مشكلة ولها حل مدري وراه مهولِّين بالمواضيع ، أذكر سلطان يبسط اعظم الأمور
الجوهرة أخفضت رأسها : صعب
حصة صمتت لثواني لتردُف : وش فيها رقبتك ؟
الجوهرة سُرعان مارفعت رأسها وهي تُغطي رقبتها بشعرها ،
حصة : يضربك ؟ .. .. بحدة أردفت .. سلطان ضربك !!!!
الجوهرة بربكة : لأ ..
حصة بغضب : حسبي الله ونعم الوكيل .. مد إيده عليك ؟
الجوهرة : تكفين ماأبي مشاكل ثانية هو مـ
قاطعتها : مجنونة أنتِ و ساكتة !!!
خرج سلطان من مكتبه ومعه الملفات ، ألتفت على جلستهم بنظرات حادة
حصة تقف : أنت وش مسوي ؟
سلطان رفع حاجبه و نظراتِه تحتد ناحية الجوهرة ،
الجوهرة وقفت وبصوت خافت : تكفين ماله داعي تتكلمين بموضوع راح وأنتهى ..
حصة بصرخة أسكتت الجوهرة : على وش تتسترين عليه ! انتِ تدرين لو تشتكين على حضرته تآخذين عليه تعهد يعلمه كيف يحترم نفسه
سلطان ضحك بسُخرية : مين هذا إن شاء الله ؟
حصة بغضب : طبعًا أنت ! آخر واحد توقعته يمد إيده على بنت هو أنت ! معقولة سلطان تضربها ؟ أنهبلت ولا وش صار لك !!
سلطان بنظرة أربكت الجوهرة : أمدى تقولين لها تاريخك يا آنسة
حصة : مالك دخل فيها كلمني أنا
سلطان : لو سمحتِ يا حصة لا تتدخلين
حصة : إلا بتدخل دام أشوف الغلط بعيني
الجوهرة و عادت دموعها لسيْرها : ما قلت لها هي اللي شافت رقبتي
حصة : وشو له تبررين ! خليه يولِّي .. وإذا يعني قالت لي ؟ وش بتسوي مثلاً !! عيب عليك وش كبرك وش عرضك تضرب !! هذا وأنت الفاهم بالدين وعارف أصوله !! و رفقًا بالقوارير .. كل شيء أختفي مع الجوهرة
سلطان ترك الملفات على الطاولة ليُردف بغضب : حصــــــــة !!! ماني أصغر عيالك ولا عاد تكلميني كأنك وصي عليّ ! و أنتِ حسابك بعدين
حصة : حسابها بعدين !! يعني وش بتسوي ؟ مصدومة منك ماني مستوعبة أنك تمد إيدك عليها وتستقوي !! دام كذا ماراح تنام عندك عشان تعرف كيف تقدِّر قيمتها يا قليل الخاتمة
سلطان بحدة : خلاااص انتهينا لاعاد تزيدين بهالموضوع !
الجوهرة قطعت الحوار المُتطايرة براكينه بينهُما : خلاص يا حصة موضوع وأنتهى من زمان
سلطان بسُخرية الغضب : بسم الله عليك !! تشعلين الأمور بعدين تسوين نفسك مالك علاقة
الجوهرة أتسعت محاجرها بصدمة منه
سلطان : الله يكفيني من شر خبثك .... وصعد للأعلى ليُغيِّر ملابسه ويتجه لعمله .
حصة ألتفتت عليها : لآ عاد تسكتين له إن مدّ إيدك ! كلميني على الأقل !
،
أمام المرآة يمسح على جرحِ عينيــْــه ، بعد لكمةِ أبوسعود في فجرِ الأمس له لم ينام ، تفكيره ينحصر بعدةِ زوايـــا مُعتمة !
لم يحاول أن يدافع عن نفسه و أحترمه أشد إحترام وهو يقف بثبات أمام غضبه بعد أن دخل صاخبًا و ما إن ألتفت عليه إلا و هو يستلِمُ لكمة بالقُرب من عينه ،
أخذ نفَس عميق ، الأشياء السيئة لا تتردد بأن تظهر أمامه وتسيرُ ببطء أيضًا لتغيضه ، يُفكِر أن يعتذر له ولكن هناك كبرياء يقف بالمنتصف ولكن مسألة أنه " صديق والده " تُشعره بالتقزز من نفسه إن لم يعتذر إليْه ،
خرج و عيناه تبحثُ عن ظِل عبدالرحمن ، أتجه للسائق : بابا طلع ؟
السائق هز رأسه بالنفي ،
أمال بفمِه وأفكاره تتلخبَط ، قرر أن يتحدث إليه و يضع النقاط على الحروف ، أنتظر قليلا حتى يخرُج فالأكيد أن وقت عمله لن يفوته ، دقيقة تلو دقيقة حتى خرج من بابِ قصره المُتهالِكة أسسه الروحيـة ،
تقدَّم عبدالعزيز له في لحظةٍ كانت نظرات الغضب الممزوج بالزعل واضحة ،
عبدالعزيز : قبل لا تروح الشغل أبي أكلمك شوي
عبدالرحمن بهدُوء : ماعندي وقت
عبدالعزيز : لو سمحت !! بس 5 دقايق
عبدالرحمن وقف : عبدالعزيز هالموضوع لا تكلمني فيه ، جننت رتيل وش بقى شي ثاني تشرحه لي ؟
عبدالعزيز : طبيعي بتكون ردة فعلها قوية لأنها ماتدري بالموضوع
عبدالرحمن بحدة : كان ممكن أفهمها لكن أنت منت راضي تعترف وش صاير بينك وبينها !!
عبدالعزيز : والله ... *صمت بعد أن حلف لا يستطيع الكذب*
عبدالرحمن أبتسم بضيق وسُخرية : والله أيش ؟ أمنتك على بيتي و صدمتني ... وسار بإتجاه السيارة ولكن عاد عبدالعزيز للوقوف أمامه
عبدالعزيز : والله العظيم ما حاولت أغضب الله في وحدة من بناتك !!
عبدالرحمن يضع نظاراتِه الشمسية ويفتح الباب : خيبت ظني كثير يا ولد سلطان ...... ودخل سيارته الفُورد تارِكهُ .
عبدالعزيز بغضب ضرب سيارته البي آم بقدمه : أوووووووووووووووووووووووووووف .... مسك رأسه ليُردف بتمتمة : أستغفر الله العظيم وأتُوب إليه .....
الليلة سيتجه لباريس ، الليلة سيرى باريس بعد فترةٍ طويلة ، أأشتاقُ لها ؟ إنَّ الأماكِن لا قيمة لها ولكن قيمتُها في أصحابها ، يالله لو صُدفـة أرى بها أحدٌ يشبه طُهر أمي و بياضُ أبي و صخب هديل و خجلُ غادة ، لو صُدفـة أُشبع عطشي لهُم ،
،
في الشُرفـة المُطلة على الشاطىء ، جالِسة وبين يديْها كتابُ الزهايمر لغازي القصيبي ، من خلفها أتى وسحب الكتاب ليُغلقه وبهدُوء : ماهو ناقصك نكد !! لا تقرين هالكتب
رؤى أبتسمت لتلتفت إليْه و بين محاجرها تلمع الدمُوع : هذي رابع مرة أقرآها فيه
وليد يجلسُ بمقابلها : تحبين تضيقين على روحك ؟
رؤى بحزن : كم شخص زي يعقوب العريان ؟
وليد : و كم شخص زي نرمين ينتظر !!
رؤى نزلت دمعتُها الشفافة : تخيَّل لو كان عندي زوج و أحبه وأنسى أسمه
وليد شتت أنظاره بألم شديد ،
رؤى أكملت بإختناق : يالله .. كيف بعرف كيف الواحد يقدر يتحمَّل أنه مايتذكر شخص يحبه ؟ بيجي يوم يسألني أحد عن إسمك يا وليد و أنساه ؟ ياربي رحمتك كيف الناس عايشة كذا
وليد : رؤى لا تفكرين بغيرك ، الله أرحم مننا على عباده
رؤى : ماأفرق كثير عنهم .. هم فقدوا الأمل بالرجوع و أنا إلى الآن فيه أمل !! تهقى يتذكروني ؟
وليد رفع عينه و علَّقها عليها و الحُزن يطوف حولها
رؤى بهمس : لو مثلاً تجيهم رسالة تخبرهم عني !! كيف بيتقبلونها ؟
وليد بإندفاع : بسم الله عليك من اللي صار ليعقوب .. بسم الله عليك يا رؤى لاتفكرين بالموت ! لاتكونين سوداوية
رؤى ببكاء : محد بيحس فيك !! ليت هالعالم تعرف كيف نحس !! ووش نحس فيه لما مانتذكر أسماء نحبها ! مانتذكر أشكالهم ! محد والله محد يعرف كيف نفكِر وكيف نتألم !! يالله يا وليد أحس بنار و أنا أعرف بقرارة نفسي أنه عندي أهل ضايعيين .. عندي اهل ماأعرفهم ... ماأعرف الا أصواتهم
،
وزَّع عدة مصاحف من القرآن على مساجدٍ كثيرة في الرياض ، منذُ الصباح وهو يدخلُ المساجد واحِدٌ تلو الآخر ، كل هذا يا غادة بنيةٍ لكِ عسى أن يتقبلُها الله ، يالله أجعل كل من قرأ لها يدعُو لها و يشفع لها بدُعائه ، يالله يا رحمن وسِّع قبرها وآنس وحشتها ، يالله يا رحمن يا غفُور يا رحيم أغفر لها ذنُوبها و جازِها عن الحسنات إحسانًا وعن السيئات عفوًا وغُفرانًا ،
جلس في سيارته أمام الأرض البيضاء التي بدأت أُسسها تُظهر و العُمال ذوي القمصان الصفراء ينتشرون حولها ، نزل لهُم و أعطاهُم من المياه الباردة عددًا لا بأس به و بفرحتهم فتح محفظته و وزَّع نقودِه صدقة لهُم ! أعمال الخير تتكاثرُ به دُون أن يعلم قريبٌ منه بها ، لا أحد يظمنُ الجنة لا أحد يثق بشيء يشفعُ له ليُخفف عن عذابه ، و أنت يا ناصر ؟
لا أعرفُ كيف أخفف العذاب عنِّي إلا بصدقاتٍ علَّها تُقبل و تشفع لي يوم لا ظِل إلا ظله .
عاد لسيارته مودعهم مُبتسمًا ، اللهم لا إعتراض على أقدارك ، يالله خفف عليّ عذابُ شوقها ، لم أعد أحتملُ كل هذا ! والله لم أعد أحتمل بُعدها ، يارب يارب أجعلني ممتلىء بك وعوضني ، يارب إني لم أُحبب من النساء إلاها فلا تجعلُ أنثى من بعدِها تقع في قلبي ، يارب خُذني إليْك و قلبي تسكنهُ أنثى واحِدة أستوطنت بيْ و غادرت ! يالله أرحمني .
،
مساءٌ أسوَد قبل عام ، في مكتبه بعد ان أغلق الهاتف و هو يستقبلُ إتصالات المُعزين .
مقرن : بنته الكبيرة متعرضة لجروح كثيرة لكن حالتها مُطمئنة و الباقي راحوا مثل ما راح الله يرحمهم ويسكنهم الفردوس
سلطان الأشدُ تأثيرًا بموت سلطان العيد ، من علَّمه أصُول القتال و كان لهُ الموجِّه والمُعلِم ، أخفض نظره دُون ان يلفظُ بكلمة ،
مقرن : تطمنت على عبدالعزيز و قالي سعد أنه مآخذ إجازة ومايطلع من شقته حتى مايزور أخته في المستشفى
سلطان بهدُوء موجع : كان الله في عونهم ، الله يصبر قليبه
دخل بوسعود و الصدمة ترتسم على ملامحه و أنفاسه غير مُتزنة ويضطربُ صوته : مين قال أنه زوجة ناصر حيَّة ؟
مقرن بإستغراب وقف : أنا شفتها بنفسي و سعد كان هناك !!
بوسعود بتشابُكِ أفكاره : عبدالعزيز دفنهم الأربعة !!!
سلطان وقف الآخر وصدمة تشطُره نصفيْن : كيييف ؟
بوسعود : ماني قادر أفهم !! فيه أحد له مصلحة من هالموضوع !
سلطان ضرب بيده على الطاولة بغضب وهو يجزم بمن خلف كل هذا . . . .
بوسعود بنبرة خافتة و يخشى ما يُفكر بأن يكون صحيح : يا خوفي أنه ما دفن أهله ؟
سلطان رفع عينه : كيف يعني ؟
بوسعود بصوتِه المُتزن المتوتر يشرح لهُما ما عرف للتوّ و أدهش كُلاً من سلطان و مقرن بما يقُول ،
،
تُغلق حقيبتها الثالثـة بعد أن وضعت آخرُ قطعها الناعِمة ، أخذت نفسًا عميقًا و دمُوعها السعيدة تتلألأ : الحمدلله
هيفاء كابرت كثيرًا حتى لا تبكِي معها ولكن سقطت حصُون سخريتها ومُزاحها التي تُخفي به ألمها بالفراق : الله يوفقك يارب
ريم مسحت دمعتها قبل أن تلامس خدها : خلااص لا تبكيني ،
هيفاء أبتسمت لتمنع دمُوعها : ما بقى شي ربي يتمم على خير .. *أتجهت أنظارها نحوَ فُستان الزفاف الأبيض* ياربي ياريوم صدق أنك خايسة يعني لازم تبكيني ..... ومسحت دمُوعها التي هطلت بغزارة.
ريم ضحكت بين دمُوعها لترفع بصرها للأعلى وتمنعُ سيلانِ البقية : هذي حالة طبيعية أننا ننهبل
هيفاء بإبتسامة : أظن كذا
طل برأسه : وش تسوون ؟
هيفاء ألتفتت : ترتب أغراضها
منصُور بإبتسامة : وكيف عروسنا ؟
ريم لم تتحمل عندما رأت منصور لتغرق في بُكائها ،
منصور : أفآآ يالعلم بنت عبدالله تبكي !! ... أقترب منها ليعانقها و تُبلل بدمُوعها ثوبه ،
أقترب وهو يتثاءب بعد أن صحى مُتأخِرًا : يالله صباح خير عسانا من الحييِّن !!
هيفاء بضيق : كنا نرتب ملابس ريوم
يوسف أبتسم إلى أن بانت صفة أسنانه : وش جوِّك ريوم تبكين ؟ مفروض تنبسطين وتفرحين و ترقصين بعد !! الأمور فلة وراه التأزيم بس !
منصور بسخرية : تعرف تواسي والله
يوسف ينظرُ للفستان الأبيض الواضع من الدُولاب ، ضحك ليُردف : والله وكبرتي
منصور بجدية : يوسف !!
يوسف أبتسم : تعالي
ريم أبتعدت عن صدرِ منصور بحرج وهي تمسح دمُوعها
يوسف أقترب منها ليحضنها ويرفعها عن مستوى الأرض بمسافةٍ كبيرة و ينزلُ بها ليخرجُ صوت ريم : نزلنييي تراني كبرت مايصير تشيلني كذا
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههه ... مين اللي كبر ؟
ريم بخجل : ما عدتْ بزر تشيلني
يوسف يضعها على الأرض وهو يمسح دموعها بكفِّه : روقي لاحقة على الهم تحسبين الزواج وناسة ! كلها شهر وبعدها تآكلين تبن
منصور : نعنبا ذا الوجه يا يوسف
يوسف : أنا أقول بناء على التجارب طبعًا أنت معفي من هالتجارب يا بوعبدالله *أردف كلمته الأخيرة بخبث شديد*
منصور : وش قصدك ؟
يوسف : ههههههههههههههههه سلامة قلبك ماأقصد شي
يوسف جلس لتأتي أمه ويُقبل رأسها : وشلونها ريـانة قلبي ؟
أم منصور : بخير وينك ماتنشاف !! ولا قمت مع الناس ولا رحت تصلي الظهر
يوسف : والله مانمت الا الصبح
أم منصور : وش مسهرك !!
يوسف : أشتغل
منصور بسُخرية : عسى ماتعبت ؟
يوسف ويُكمل الكذبة المكشوفة : إلا والله أني تعبان حتى فكرت أرجع أنام بس قلت ماأبي أخرب نومي مررة
،
دخلت محل لادُوريـه الشهير ، رائـحته أسكرتها لتذُوب في لذة الأصناف حتى أحتارت ماذا تطلُب ، و أنواع المكرُون و الألوان الجذابة كانت كفيلة بأنَّ تُطيل في وقتها حتى تختار ، منذُ الأمس ونقاشها الحاد مع سُمية وهي لم تُحادثها و لم تخرُج معها كما أعتادت لتفطران سويًا ، طلبت ما أرادتْ و أتجهت للزاويـة حيثُ الكرسي الخشبي و النقوشات البصليـة تحفُ المكان و تهطلُ بنعومة و رقـة الألوان الهادئة الفاتحة .
مسكت هاتفها و فتحت الواتس آب لترى المُحادثات التي لم تفتحها منذُ يوميْن ، رأت ظلاً عليها لترفع عينها ،
نواف بهدُوء : ممكن أجلس
أفنان ولاتعلمُ أيُّ جرأةِ أكتسبتها الآن : لأ
نواف ضحك بخفُوت ليُردف : يعني شايلة بخاطرك ؟
أفنان بهدُوء مُتزن : لأ وليه أشيل في خاطري يا أستاذ ؟
نواف : بالمناسبة أعتذر عن اللي صار لأن مالي حق أحاسبكم بس تنرفزت لما شفتكم
أفنان لم ترُد عليه وهي تُشتت أنظارها ،
نواف يسحبُ الكرسي ويجلسُ بمقابلها . . : سُمية هنا ؟
أفنان أخذت نفسًا عميق : ما جت
نواف : أجل أشاركك الفطور المتأخر
أفنان بإبتسامة مُندهشة : وعزمت نفسك بعد !!
نواف : ما ظنتي بترفضين ،
أفنان صمتت عندما أتى القارسون و وضع طبقُ مكرُون ملوَّن و طبقٌ آخر يحتوي على الكرواسون الفرنسي ، و كُوب شايْ بطريقة تجهلُ كيف صُنِع من لذة وغرابة طعمه .
نواف طلب الآخر كُوب شاي و نظر إليْها : قالوا أنك بترجعين !
أفنان : عشان عرس أخوي بس برجع أكمل باقي الأيام وآخذ شهادة التدريب إن شاء الله
نواف : مبرووك الله يتمم له على خير
أفنان : الله يبارك فيك ... أنحرجت من الأكل أمامه لم تعتاد أبدًا بالأكل أمام أحد حتى في أيام الجامعة لم تكُن تُحب أن تأكل أمام الطالبات .
نواف أبتسم : ترى ما آآكل
أفنان دُون أن تُسيطر على نظراتِها التي تُبين " سماجته "
نواف غرق بضحكتِه لثواني طويلة وأردف : يالله يا أفنان على الأقل جاملي شوي
أفنان أنحرجت و الحُمرة تغزو ملامحها : ماكان قصدِي
وضع القارسون كُوب الشاي ليردُف نواف : خلاص بشرب الشاي وبروح
أفنان بإندفاع : لآ والله ماهو قصدِي ، لا تفهمني غلط وكذا بس
نواف أبتسم وهو يُزيد تركيزه على شفتيها وهي تتحدثُ بسرعة في ثواني قليلة
أفنان بحرج : بس يعني أنت عارف أني ماني إجتماعية كثير
نواف بهدُوء ينظر لكُوب الشاي و يغرقُ بصمته
أفنان وغرقت هي الأخرى في كُوبِها و الصمتُ يلتفُ حولهُما
نواف قطع الصمت : مفكرة وش تدخلين بعد الدورة ؟
أفنان : لأ للحين مافكرت يعني بشوف وش اللي يناسبني بالوقت خصوصًا
نواف : الفرص بالدمام كبيرة للبنات وأكثر من الشباب
أفنان : إيه تقريبًا لأن صديقاتي اللي ماجوّ هالدورة ضمنوا وظايفهم
نواف أخذ نفسًا عميقًا : الله يوفقك ويكتب لك كل خير
أفنان : آمين ويااك
قطع عليهُمـا هاتف نواف : عُذرًا .. وردّ .. ألو .... هلابِك ... إن شاء الله ... طيب ولايهمِك .. مع السلامة .. وأغلقه ..
ليُردف : زوجتي
دُهِشت تمامًا حتى أتسعت محاجرها بصدمة ،
نواف ولا يعرفُ لِمَ كذِب و لم يقُل " أختي " لا يعرف كيف نطق " زوجتي " في وقتٍ كان يُريد أن يقُول " أختي " هل هذا عنادٌ مُعتاد من لسانِه !! رُغم أنه لم يتعمَّد أن يكذب .
أفنان أبتسمت بهدُوء وبدأت قدمُها اليُمنى بالإهتزاز ،
نواف : حسيتك أنصدمتي !
أفنان : لأ بالعكس .. الله يوفقكم يارب ويرزقكم الذرية الصالحة
نواف : آمين ويـاك
أفنان هي الأخرى لاتعرفُ لِمَ تكذب أيضًا : إن شاء الله قريب
نواف : ماشاء الله ربي يهنيك
أفنان و الكذباتُ تنهال عليها : شهر 5 ميلادي
نواف : قريب مررة
أفنان : أجلناه عشان الدراسة و أموره شوي ماكانت مستقرة
نواف : و رضى تجين هنا بروحك ؟
أفنان أرتبكت من السؤال : إيه طبعًا يعني أبوي هو اللي قاله
نواف : آهآ ، أنا تقريبًا قبل 4 شهور تزوجت وجينا هنا
و أكملُوا سيلاً من الكذبات الغير مفهومة و المُبهمـة و التي لايفهمُون حتى أسبابها . . ولو رآهم أحد لأفرط بضحكِه من قوةِ الكذباتِ و إخفائهم للحقيقة ، كان الجوُ متوتِرًا بكلماتِهم .
،
في العمل الصاخب و الهادىء في مثل الوقت ،
حرك رقبته بتعب ليُردف : وبس هذي الورقة اللي معك آخر شي
بوسعود : طيب روح البيت شكلك تعبان وأتركهم علي اراجعهم
سلطان : لا بس ظهري تصلَّب من الجلسة
بوسعود رفع عينه : سلطان
سلطان أجابهُ بعينِيْه ، ليُردف عبدالرحمن : صاير شي بينك وبين عبدالمحسن ؟ قبلها مع الجوهرة والحين عبدالمحسن !!! ماودي أتدخل بحياتك بس بعد أكيد ماراح أشوف هالتوتر اللي بينكم وأسكت
سلطان تنهَّد : يتهيأ لك
عبدالرحمن : علي هالكلام ؟
سلطان مسح وجهه بيديْه : كلم أخوك وبتعرف أنه مافيه شي
عبدالرحمن : ذكرتني بتركي ، مدري وش بيسوي فيني هالمجنون عرس ريان قرب ولا يرد ولا حتى فكَّر يكلمنا .. الله يهديه بس ... أخرج هاتفه ليُعيد إتصاله على تُركي.
سلطان صمت ليقف : أنا رايح .. تآمر على شي
عبدالرحمن المُنشغل بهاتفه : سلامتك
سلطان أخذ هاتفه و مفاتيحه مُتجهًا لسيارته و في عقله لا يُفكِر إلا بالتوجه لمزرعته ،
،
في غُرفتها لم تخرُج منذُ الصباح تُفكِر بحديثِ رتيل و كلماتِها ، مازالت مصدُومة من أنها زوجة عبدالعزيز و شرعيًا ! لا تُصدق بأنَّ ما بينهُما مُباح و ليس كما تصوَّرت ! مازالت لا تُصدق بأن رتيل تزوجت ! ومن عبدالعزيز ! كيف حصل كُل هذا بهذه السلاسة ؟ لم أتوقع يومًا بأنَّ أبي يفعلها بإحدى بناتِه ! يالله ماذا يحصُل ! من المستحيل أن أبِي يختبرني طوال هذه الفترة ! مرَّت سنة وأكثر منذُ أول مُباغتة من المجهول إليّ ، سنة بأكملها مستحيل أن يكُون خلفها والدي !! يالله لا أستوعب لو انه فعلاً أبي بذاته هو خلف كل هذه الرسائل و الهدايا !
بدأ قلبُها بالنبض سريعًا و الأفكارُ تتشابك عليها ، كل ماهي واثقة به الآن أنَّ شيءٌ في البيت يجلبُ الجنون !
من يكُن خلف هذه الرسائل ؟ لكن سمعته ، سمعتُ صوته والله ! لا من المستحيل أن يطلب أبي من أحدهُم أن يُكلمنِي ؟ و لكن رضاها على رتيل !! يالله يا " يبــه "
مسكت رأسها والصُداع ينهشه من كثرة التفكير ، غير مُصدقة لما يحدُث في حياتها ، هُناك أمور لا تفهمها وفعليًا هي لاتعرفُ كيف تفهمها ،
كيف أرخص أبي رتيل بهذه الصورة ؟ والله هذا مالا أستطيع تصديقه ، و نحنُ المغفلات لاندري عن شيء .
لو عُذر واحِد يشفي حُرقة رتيل ويسدُ ثقب أسئلتي !! عُذرٌ واحد رُبما يقنعنا .
أتجهت للجُدران التي تُزيُّنها لوحاتِه ، أخذت تنزعُها و تضعها فوق بعضها البعض ، أخذتها ووضعتها أسفل سريرها حيثُ الغبار يرتمي على كُتبٍ قديمة مُخبأة هُناك ،
رفعت عينُها للباب الذِي يُطرق ، : تفضَّل
دخلت سليمَة بكيسٍ أنيق من اللونِ الأبيض ، رفعت حاجبها : وش هذا ؟
سليمة : ما بعرِف
عبير أقتربت منها : مين جابه لك ؟
سليمة : هادا يجي هندي ويسلم حق سايق برا
عبير أخذت الكيس : طيب خلاص
سليمة أنسحبت بهدُوء لتترك عبير في غيمة مُضطربة لاتعرفُ جفافها من بللها !
فتحت الكيس لترى كتاب زمانُ القهر علمني لفاروق جويدة ، رمت الكيس لتفتح أول صفحة و بخطِ يده غرقت " إذا كنتُ قد عشت عمرى ضلالاً فبين يديك عرفت الهدى "
شعرت بأنَّ الأكسجين يختفِي و أنَّ لاوجُود للهواء ، قلبُها ينتفض وهي تقرأ ما كتَب وخطُ يدِه أربكها حدُ التجمُد ! جلست و الأفكارُ مازالت تتشابك ! هذا ليس ذوقُ أبِي بالكُتب لكن أشعُر بحُبِه ! من المستحيل أن يكُن زيفًا !!
،
جالِسَــة وبين يديْها جهازُ الأيباد ، تنتظِر بملل الضيفُ الثقيل !
رفعت عينها أمام الباب الذِي يُدلف ، أستعدلت بجلستها ليستقيمُ ظهرها و تبتسم : يا أهلاً
جلسْ سعد بتقزز منها : تدرين أنك تلعبين لعبة ماهي قدِّك !!
أمل بلامُبالاة : والله عاد أنتم بديتوها !! ماكنتم واضحين من البداية ! فجأة أكتشف أنه ..
سعد قاطعها بحدة : ما لك علاقة بهالموضوع ! ومالك دخل فيه من الأساس ! هذا الشي يهم غادة و عبدالعزيز بس أما أنتِ وش تفرق معك إذا عرفتي من البداية أو من الحين
أمل : تفرق كثير !! أنا وش ذنبي أقول كلام لغادة وبعدها أكتشف أنه غلط !! وبعدين تقولون لي ببساطة والله تعاملي معها زين ولا تخلينها تبكي و يا ويلك من فلان الفلاني إذا عرف أنه غادة متضايقة و كله تهديدات بتهديدات
سعد بهدُوء : مين اللي سلمك الفلوس ذاك اليوم ؟
أمل بعصبية : وأنت مالك علاقة تسألني !! سويت شغلي زي ماطلبتوه مني لكن بالنهاية أنا ماني مسؤولة عن أكاذيبكم عليها وعلى غيرها !!
سعد : جننتي البنت وتقولين منتي مسؤولة تدرين أنه سلطان متحلف فيك !! وفوقها بعد بوسعود عاد تخيلي أنتي الوضع بوسعود الحليم يعصِّب !!
أمل أخفت إرتباكها : أصلاً هم مايعرفون عني شيء ! لاتنسى أنهم يحسبوني أمها الله يرحمها
سعد بعد صمت لثواني : وأنا مستعد أقولهم أنك منتي امها وأنه ..
أمل بخبث : وأنه أيش ؟ أنه مقرن متفق معك عليهم !! ... أستغفر الله بس ماأحب أتشمت لكن بصراحة ياشينها قدام بوسعود و بو بدر لو عرفوا !
سعد : تآكلين تبن وتسكتين لا أدفنك في مكانك الحين وتعرفيني زين إن قلت شي أسويه ولا عليّ من أحد
أمل صمتت و الخوفُ يُرعش قلبها
سعد : كل شيء تنسينه تسوين له مسح من مخك ولا بيصير لك شي ماظنتي بيعجبك ولا بيعجب الكلاب اللي وراك
،
أرتدى ثوبـه الأبيض ذو طلةٍ كلاسيكية ، يعتلِي رأسهُ شماغٌ أحمَر ، بأصابعه هذَّب شُعيرات سكسوكتِه السوداء التي تعكسُ بياض بشرتِه التي تميلُ للسُمرَة ، وضع قلمه الأسود والمحفُور به بطريقة عُثمانية " عبدالله القايد " أخذ محفظته السوداء و هاتِفه – جالكسي – و نزل بخطواتٍ سريعة للأسفل و رائحة العُود تسبقه لأمه .
.
أنتهى