عندما كنت صغيرة كنت أغبط الأطفال الذين لهم أمهات يزورونهم
في المؤسسة وهي المكان المقابل لدار الأحداث لدى الشباب
حيث تقضي فيها الأمهات عقوبتهن وكان هنالك بعض إخوتي الذين
لهم أمهات في المؤسسة يذهبون لزيارتهم كل يوم أربعاء يعني يوما كل أسبوع
فكنت أغبطهم كثيرا حين أراهم يستعدون لزيارة أمهاتهم وحين يعودون من الزيارة
أذهب إليهم لأسألهم ماذا فعلوا وماذا رأوا كان يمتلكني الفضول وأود معرفة الكثير
عن تلك الدار التي لم أدخلها يوما كنت أسمع عنها فقط وكان أمنيتي في الطفولة
لو أن كنت أزورها كما يزورها بعض إخوتي ...
حينما كبرت أصبحت أشفق على أولئك الأطفال الذين يزورن المؤسسة في كل أسبوع
لأنهم منذ طفولتهم ارتادوا أماكن السجينات والنزيلات اللاتي يقضين عقوبتهن فيها
فطفل عمره سنة وآخر عمره خمس سنوات وأخرى ثلاث سنوات وغيرهم الكثير
يذهبون لزيارة أمهاتهم في مكان ملوا زيارته ليقضوا بعض الوقت ثم يعودوا للدار مجددا ...
في طفولتي كنت أغبط رؤى حين أراها تستعد لزيارة والدتها النزيلة في المؤسسة
كنت أسألها عن شكل المكان وعن شكل أمها هل هي مثل أمهات الدار ؟؟
وهل دارهم مثل دارنا ؟؟؟
كانت رؤى تكره الذهاب للمؤسسة ربما ملت من كثرة ذهابها إليها بينما كنت أنا أتمنى
لو أن أكون محلها أو أذهب يوما بدلا عنها ...
لم تكن تشبع فضولي بإجابتها المقتضبة فكل شيء نعم ولا ....
مرت أيام لتخرج والدة رؤى من المؤسسة ولتأتي للدار تصطحبها معها وأخيرا رأيت
تلك الأم التي كانت رؤى لاتتحدث عنها كثيرا لا تذكرها بشيء لا خير ولا شر ...
ذهبت رؤى وسط موعنا ونحن نوعها لم تكن أولى ولا آخر من نودع ...
لقد تألمنا كثيرا من الوداع بل لقد تولدت لدي عقدة من الوداع فكم من أخ وأخت
ودعناهم وكم من أخ وأخت لم نعد نرهم للأبد ...
بل حتى كم من أم " حاضنة " ودعناها وفي كل مرة نودع فيها أحد سواء من الإخوة او الأمهات
نتألم أكثر لقد كان قدرنا أن نودع كل من نحب وأن نفارق كل من نحب ...
رغم كثرة من فارقناهم إلا إننا لم نعتد على الفراق بل في كل مرة نشعر بازدياد مرارته ...