الجـــــــــــزء الثانــــــي
(استهلت رسالتها الأولى بقوله تعالى {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم} صدق الله العظيم، يمر كل منا في هذه الحياة بأزمات وظروف منها ما تأخذ منه ومنها ما تعطيه وتصقل قوته وشخصيته وتضيف إليه شيئاً جديداً، وكل ذلك يعتمد علينا وعلى شخصياتنا وعلى قوة تحملنا وعلى طريقة تفكيرنا وسيطرتنا على هذه الظروف، قد تفاجئنا الحياة أحياناً بمواقف لم نكن حسبنا لها حساباً، قد نرتبك وقد نخسر شيئاً من تفكيرنا ولكن قوتنا تظهر عند توقفنا وذكرنا الله أولاً ثم تحليل الموقف إلى أسئلة يمكننا الإجابة عليها، عندها فقط نكون قد سيطرنا على الموقف وحللنا الأزمة. قد يختبر الله عباده الذين أحبهم ليرى إيمانهم وقوة تحملهم وشكرهم على ما أنزل الله بهم، عندها فقط يفرج الله كرباتهم ويزيدهم من فضله ويغفر لهم خطاياهم، فنعم أجر الصابرين الشاكرين. لا أكتب لك اليوم لكي أخفف عنك أو أواسيك فأنت لا تحتاج إلى ذلك فأنا أعلم أنك لن ترضى بالمواساة ولكني أكتب لك لأواجهك بنفسك فأنت تعتقد بأن الدنيا قد تخلت عنك وبأنك قد ظلمت من الدنيا ومن أهلك ولكنك مخطئ، انظر في داخلك واستمع لنفسك وسألها وستجد بأنك ظلمت نفسك قبل أن يظلمك أحد، وبأن العقاب الذي تناله الآن هو حق لأناس توفوا وما هذا العقاب إلا ليجعلك تفكر في أيام قد مضت لم تسمع فيها نفسك بل كنت تتغاضى عن كل ما تواجهك به وتستمع فقط لأهوائك وما تمليه عليك. أخطأت؟ نعم، أذنبت؟، بالتأكيد ثم ماذا؟ أليس من حق من أذنبت في حقهم أن تنال جزاء ما فعلت بهم، هم ماتوا وذلك قدرهم الذي كتبه الله وأراده أن يحدث بيدك أنت لا بيد غيرك فقط ليجعلك تعتبر وتعيد التفكير فيما كنت تقوم به. قد تتساءل من هذه التي أعطت لنفسها الحق بأن تسلط نفسها حاكماً على تفكيري وتملي علي ما أفعله دون إذن مني؟، سهيل كل تلك الأسئلة سأجيب عليها في رسائلي القادمة ولكن ما أحتاجه منك هو أن تقرأ ما أكتبه لك وأنا متأكدة من أنك ستفعل وإن لم ترد على كتاباتي فسأنتظر فأنا متأكدة من أن هذه الرسالة لن تكون الأخيرة بيني وبينك ، مع تحياتي، جيد العاصفة)
طوى سهيل الرسالة ووضعها إلى جانبه، لم يفكر في صاحبة الرسالة وما الذي دعاها للكتابة له ولكن فكر قائلاً: (هل أنا في حاجة إلى هم جديد، لكي أفكر فيه لما لا يدعوني الناس في شأني أليس لديهم ما يشغلون به أوقاتهم ويبتعدون عني) تأفف كثيراً وهو ينظر إلى الرسالة الملقاة إلى جانبه دون أن يلمسها ثانية، نادى عليه الحارس مراراً إلى أن انتبه فقال له: إنه موعد زيارة الطبيبة وهي بانتظارك، نظر إليه سهيل وقال له اذهب وقل لها بأني لم أعد بحاجة لمساعدة من أحد وبأني بخير وأن تترك اللعبة التي تقوم بها فذلك لن يفيدها في شيء. نقل الحارس ما سمعه من سهيل إلى الطبيبة مريم التي استغربت رده وسألت نفسها أي لعبة تلك التي يقصدها سهيل ولكن سرعان ما تذكرت وقالت بالتأكيد هو يعني الرسالة ولكن ما الذي دعاه إلى التفكير بأني أنا صاحبة الرسالة؟ لأول مرة تدخل الطبيبة إلى غرف السجن وتذهب مباشرة إلى زنزانة سهيل وتلقي عليه التحية ولكنه لم يجبها، سألته ما الذي دفعه إلى عدم زيارته لها وما الذي يعنيه باللعبة التي قامت بها، ولأول مرة تظهر فيها آثار الغضب على وجهه ويرمي بالرسالة على الأرض أمام الطبيبة ويصرخ في وجهها: هذا هو السبب، ألا تعتقدين بأني أعاني بما فيه الكفاية من ألم فلماذا تزيدون في معاناتي وتبعثون لي برسائل لن تجدي نفعاً، حاولت مريم أن توضح له وتأكد له بأنها ليست صاحبة الرسائل خصوصاً وأن الرسالة مكتوبة بخط اليد وكان معها بعض الأوراق التي قامت هي بكتابتها وأرته إياها ليعرف الفرق بين الخط الموجود في الرسالة والخط في الأوراق التي معها، عندها فقط جلس يائساً على سريره وهو يتساءل عن صاحبة الرسالة التي وعدت بأن تراسله دائماً وألا تتركه وعن سبب قيامها بذلك، أرادت الطبيبة أن تهون عليه بعدما رأت ما حل به وشعرت بأنها متواطئة في مأساة شاب وبدلاً من أن تكون اليد الحانية المخففة لألمه أصبحت هي من تزيد في معاناته وأرادت أن تعترف له بكل ما قامت به ومشاركتها لأختها في المؤامرة ولكنها تراجعت عندما نظر إليها سهيل وطلب منها بعض الأوراق وقلم لأنه سيرد على صاحبة الرسالة ويطلب منها أن تبتعد عنه وتتركه في حال سبيله، ولم ينسى أن يلحق ذلك باعتذار للطبيبة لما بدر منه وعن رفعه لصوته في وجهها. قبلت مريم اعتذاره ووعدته بتزويده بالأقلام والأوراق حالاً.