بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1*** عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أُهيب بن ضَبة بن الحارث بن فِهْر [ ويجتمع في النسب مع النبي صلى الله عليه في فهر ] بن مالك بن النَّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي الفهري المكي .
2*** شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ " [ رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني واللفظ لأحمد ] .
3*** مكانته . . . أمين الأمة :
قدم أهل نجران على النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا ، فقال عليه الصلاة والسلام :( لأبعثن -يعني عليكم- أمينا حق امين ) . فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها ، ولكن لينطبق عليهم وصف النبي -صلى الله عليه و سلم : " أمينا حق امين" وكان عمر نفسه رضي الله عليه من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك ، بل صار -كما قال يتراءى- أي يري نفسه - للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصا منه _ رضي الله عنه _ أن يكون أمينا حق أمين ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة وقال :( قم يا أباعبيدة ) .
كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه : ( لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فإن سألني ربي عنه ، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله ) .
4*** لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بأمين هذه الأمة :
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ " [ متفق عليه ] .
قَالَ الْحَافِظُ رحمه الله " صِفَةُ الْأَمَانَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَكِنَّ السِّيَاقَ يُشْعِرُ بِأَنَّ لَهُ مَزِيدًا فِي ذَلِكَ لَكِنْ خَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْكِبَارِ بِفَضِيلَةٍ وَوَصَفَهُ بِهَا فَأَشْعَرَ بِقَدْرٍ زَائِدٍ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ كَالْحَيَاءِ لِعُثْمَانَ وَالْقَضَاءَ لِعَلِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ " . [ تحفة الأحوذي ] .
5*** الأمانة أساس الإيمان ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قَالَ : " لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ " [ رواه أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7179 ] .
6*** من أعظم الأمانة ، أمانة الدين ، فالدين أمانة في عنقك تسأل عنه يوم القيامة ، هل أنت أمين في دينك ، في تعاملك ، في أخلاقك ، في أسرتك ، في كل حياتك ، حياتك كلها أمانة ، ولا يعتقد أحد أن الأمانة محصورة في الودائع فقط ، فهذا مفهوم قاصر ، بل الأمانة تشمل جميع مناحي حياتك :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ ، فَكَرِهَ مَا قَالَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ : " أَيْنَ _ أُرَاهُ _ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ " قَالَ : هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ " قَالَ : كَيْفَ إِضَاعَتُهَا ؟ قَالَ : " إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ " [ رواه البخاري ] .
عَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا " [ رواه مسلم ] .
عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول ما تفتقدون من دينكم الأمانة " [ رواه الطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2570 ] .
عَنِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا " [ رواه أبو داود وصححه الألباني في الصحيحة1/196 ].
هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه إنما أمر أن يلف بالله وصفاته وليست الأمانة من صفاته وإنما هي أمر من أمره وفرض من فروضه فنهوا عنه لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله عز وجل وصفاته .
7*** كان رجلاً نحيفاً ، معروق الوجه ، خفيف اللحية ، طُوالاً ، أحنى _ منعطف نحو الصدر _ أثرم الثنيتين ، ووصف بحسن الخلق ، وبالحلم الزائد والتواضع .
أتدرون لماذا كان أثرماً ، دعونا نستمع لهذه القصة التي رواها الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه :
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه :" لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى إذا توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو أبو عبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال : ( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فتركته ، فأخذ أبو عبيدة بثنيته إحدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم ) وكانت هذه الثرمة جعلت من ثغره أحسن ثغر .
8*** قصة الحوت :
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيراً لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً - قَالَ - فَقُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا قَالَ نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِىُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هِىَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لاَ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا قَالَ فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْراً وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلاَلِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ - أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ - فَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَأَقْعَدَهُمْ فِى وَقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعاً مِنْ أَضْلاَعِهِ فَأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا ؟ " قَالَ : فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَأَكَلَهُ " [ رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ] .
9*** كان من السابقين إلى الإسلام ، وكان ممن هاجر إلى الحبشة ، وكان ممن جمع القرآن .
10*** كان من أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ : قُلْتُ لِعَائِشَةَ _ رضي الله عنها _ أَيُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ؟ قَالَتْ : أَبُو بَكْرٍ ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَتْ : عُمَرُ ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَتْ : ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : فَسَكَتَتْ " [ رواه الترمذي وغيره وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني ] .
11*** أما غزواته ، فقد شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع المعارك ، بدءاً بغزوة بدر ، حيث قيل أنه قتل أباه ، فنزل فيه قول الله تعالى : { لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ المجادلة22 ] .
12*** فتح الله على يديه الفتوح ، وكان بطلاً مغواراً رضي الله عنه وأرضاه .
13*** عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ وَرَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا : لَمَّا بَلَغَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سَرْغَ حُدِّثَ أَنَّ بِالشَّامِ وَبَاءً شَدِيداً ، قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ شِدَّةَ الْوَبَاءِ فِي الشَّامِ ، فَقُلْتُ : إِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ حَيٌّ اسْتَخْلَفْتُهُ ، فَإِنْ سَأَلَنِي اللَّهُ : لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ؟ قُلْتُ : " إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ أَمِيناً ، وَأَمِينِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ " فَأَنْكَرَ الْقَوْمُ ذَلِكَ ، وَقَالُوا : مَا بَالُ عُلْيَا قُرَيْشٍ يَعْنُونَ بَنِي فِهْرٍ ؟ ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَقَدْ تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ ، اسْتَخْلَفْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ، فَإِنْ سَأَلَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ : لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ ؟ قُلْت : " سَمِعْتُ رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَي الْعُلَمَاءِ نَبْذَةً وفي رواية رتوة _ يعني يسبقهم بمد البصر _ " [ رواه أحمد ] .
14*** معركة اليرموك :
في أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد ، وصل الخطاب الى أبىعبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد :( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟) ، فأجاب أبو عبيدة :( إني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة ) ، وأصبح أبو عبيدة أمير الأمراء بالشام .
15*** تواضعه :
ترامى إلى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا : ( يا أيها الناس ، إني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى إلا وددت أني في إهابه !!) .
وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له :( من ؟) قال : " أبوعبيدة بن الجراح " ، وأتى أبو عبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه إلى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئاً ، إلا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم : ( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟) ، فأجاب أبو عبيدة :( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل ) .
16*** طاعون عمواس :
حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبو عبيدة أمير الجند هناك ، فخشي عليه عمر من الطاعون ، فكتب إليه يريد أن يخلصه منه قائلا : (إذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجها إلي ، وإذا وصلك في الصباح ألا تمسي إلا متوجها إلي ، فإن لي حاجة إليك ، وفَهِمَ أبو عبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وأنه يريد أن ينقذه من الطاعون ، فكتب إلى عمر رضي الله عنه متأدباً
معتذراً عن عدم الحضور إليه وقال : ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك ، وإنما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم ، فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين ) ولما وصل الخطاب إلى عمر بكى ، فسأله من حوله : (هل مات أبو عبيدة ؟) فقال : (كأن قد) ، والمعنى : أنه إذا لم يكن قد مات بعد ، وإلا فهو صائر إلى الموت لا محالة ، إذ لا خلاص من الطاعون .
وكان أبو عبيـدة _ رضي الله عنه _ في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا . ومات أبو عبيـدة _ رضي الله عنه _ سنة 18 ثماني عشرة للهجرة ، في طاعون عمواس ، وقيل أن قبره في غور الأردن .