الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
إن مولاة المسلمين والبراءة من المشركين أصل من أصول هذا الدين وهو عقيدة المسلمين بل عقيدة الأنبياء والمرسلين كما جاء ذلك في كتاب الله عز وجل على لسان إبراهيم عليه السلام (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) هذه هي ملة إبراهيم التي أوحي الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يتبعها بقوله (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) النحل/ 22 وبيّن سبحانه وتعالى على أنها أفضل الممل بقوله ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) النساء / 125وملة إبراهيم هي البراءة من المشركين ومن دينهم ماداموا على شركهم وكفرهم، فإن تابوا وأسلموا لله أصبحوا أخوةٌ لنا في الإسلام (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) كما قال سيد المرسلين أوثق عُرى الإيمان الحبُ في الله والبُغض في الله .
أصل ديننا توحيد وولاء وبراء *** قد جاء في الكتاب والسنة الغراء
محــبة ونصــرة للمسلمين *** وبغض وعـداوة للكـافرين
إن تولىّ المسلمين والبراءة من المشركين من معاني شهادة التوحيد فمن شهد أن الله معبوده الحق وشهد أن كل معبود سواه باطل والي من وافقه في ذلك وعادى من خالفه ، ومن يعبد غير الله أبغض ووالي في ذلك قال تعالى(وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) بل إنها من بديهيات العقول كما أرسلها بن نفيل في زمن الفترة بقوله (يا معشر قريش والله ما منكم أحد على ملة إبراهيم أحدٌ غيري) فكل صاحب ديّن يحبُ ويناصر من يُدين بدينه ويبغض ويعادي من يخالفه.
فولاية المسلمين لبعضهم البعض فرضٌ أفترضها الله عليهم فقال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَبِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) (التوبة/71) فولايتهم من ولاية الله ورسوله قال تعالى )إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة/55( والغلبة والفوز في مولاة الله ورسوله والمؤمنين(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِهُمْ الْغَالِبُونَ)(المائدة/56).
و الولاء للمسلمين هو محبتهم ونصرتهم وهذا الولاء لا يحده مكان ولا يحده زمان فنتولىّ المسلمين في جميع أقطار الأرض، من أبينا آدم عليه السلام إلى آخر فرقة تقاتل مع المهدي عليه السلام، ولا ينقطع إلا بالإتيان بما يناقضه وهو الكفر _ والعياذ بالله _ فمحبة المسلمين من لوازم محبة الله كما قيل :
شرط المحبة أن توافق من *** تُحب على محبته بلا عصيان
فإذا أدعيّت له المحبـة مع *** خلافك لما يُحب فأنت ذو بهتان
ومن الولاء للمسلمين معاونتهم في أمور دينهم ودنياهم والصلاة خلفهم والتزوج منهم ونصحهم وأمرهم بالمعروف وننهيهم عن المنكر، ومن حقوقهم علينا أن نسلم عليهم إذا لا قيناهم وأن نشمتهم إذا عطسوا وحمدوا الله وأن نعدهم إذا مرضوا وأن نتبع جنائزهم إذا ماتوا كما قال صلى الله عليه وسلم : [ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِسِتٌّ إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَااسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ وَإِذَامَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ]رواه البخاري ومسلم.
ومن الأشياء التي تقدح في مولاتهم تكفيرهم بغير كفر بواح لنا عليه من الله برهان وخذلانهم و إساة الظن بهم وحسدهم والتجسس عليهم وبغضهم وظلمهم والاستهانة بهم والتقليل من شأنهم .
البراءة من المشركين فرضٌ على المسلمين ونص عليها الله في كتابه الكريم بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً )(النساء : 144( بل نهانا الله عز وجل عن مولاة أبائنا وإخواننا إن كانوا على الكفر فقال ) يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(التوبة : 23).
والبراءة من المشركين هي تكفيرهم واعتقاد بطلان دينهم ومعاداتهم وبغضهم فقدم سبحانه وتعالى البراءة منهم على البراءة مما يعبدون بقوله (إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ من دون الله) لأنهم هم الفاعلون للشرك والمتسببون في وجوده، فيتضح فساد بطلان قول أدعياء السلفية على أنه لا يجوز تكفيرهم والبراءة منهم ،
ومن لوازم البراءة من المشركين عدم الصلاة خلفهم وبغضهم وعدم التشبه بهم وعدم الاحتفال بأعيادهم والركون والميل إليهم, فلا تجتمع محبة الله ومحبة المشركين في قلب امرئ فهما نقيضان يرتفع أحدهما بحلول الآخر(لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِالْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) وصدق من قال:
أتُحب أعداء الحبيب وتدعى *** حباً له ماذاك في إمـكان
وكذا تعادي جاهداً أحبـابه *** أين المحبة ياأخا الشيطان
فتولىّ المشركين كفرٌ بالله رب العالمين كما قال تعالى (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) (آل عمران( 28 فلنحذر أن نقع في شئ من مودتهم أو الركون إليهم ونحن لا ندري فلنجدد هذا الأصل الأصيل في كل حين حتى نفوز بالجنان وننجو من النيران.
والحمد لله رب العالمين