قص الاثر
قص الأثر، هو الاستدلال بآثار الأقدام والخفاف والحوافر. وقد ذكر في هذا المجال ما يعد من المستحيلات، قالوا: إنهم كانوا يميزون قدم الرجل والمرأة والبكر والثيب والشيخ والشاب والأعمى والبصير...ولقد تفرد العرب بشكل عام والبدو بشكل خاص بهذا العلم (أو ربما يجدر أن نطلق عليه فن) دون غيرهم من الأمم ولهم في ذلك مهارة عجيبة، لا يكاد يجاريهم فيها أحد، معتمدين فيها على الفطنة، ودقة الملاحظة والذكاء الفطري. واستطاعت المأثورات تخليد الوقائع بشكل يكاد يرقى في بعض الأحيان إلى مستوى الأساطير والخوارق.
ويحتل قصاصو الأثر في البادية مكانة عالية لما يقدمونه من دور كبير في استقرار المجتمع البدوي من خلال الكشف عن أسرار كل عمل أو فعل قد يلطخ به فاعله سمعة العشيرة، وهناك قصاصون مشهورون يقوم البدو باستدعائهم لتتبع الأثر حين تدعو الحاجة الى ذلك، وهم يتميزون بمهارات خاصة تمكنهم من أداء مهامهم بنجاح، وهي خاصة تعتمد علي قوة الملاحظة، والموهبة المكتسبة والخبرة والمتابعة المستمرة التي تبدأ منذ الصغر.
إن تعلق البدوي الدائم بديرته وارتباطه بعشيرته يدفعانه الى المحافظة على استمرارية الحياة بشكلها الطبيعي للحيلولة دون تعكيرها، فالبدوي يتفحص ديرته ليل نهار، فإن لاحظ أثراً غريبا تبعه حتى يكشف حقيقته، ومن هنا فإن قصاص الأثر، يعين الجهة التي جاء منها صاحب الأثر، كما يعين الجهة التي اتجه إليها بعد ارتكابه الجريمة.
وباعتبار أن البادية مقسمة إلى عشائر ولكل عشيرة منطقتها، فإن الجهة التي يتجه اليها الأثر تساعد في حصر المسؤولية بتلك لتبرئة ساحة بقية أفرادها. كما أن رمال الصحراء تختلف خاصة في ألوانها من منطقة إلى أخرى، لذلك فإن تعلق ذرات من هذه الرمال في حذاء صاحب الأثر تقوم دليلا على وجوده في تلك المنطقة.
أهمية قص الأثر
يعتبر قص الأثر من أهم الأساليب التي تؤدي إلى اكتشاف الكثير من الحوادث الغامضة في المجتمع البدوي، ومن الأسباب التي زادت في أهمية قص الأثر ما يلي:
1- طبيعة الأرض الصحراوية: إذ من السهل أن تترك حركة الإنسان أو الحيوان مهما كانت خفيفة أثرا واضحا على الأرض الصحراوية لأنها رملية بطبيعتها.
2- قلة السكان: إن قلة السكان في الصحراء يسهل ملاحظة أي أثر جديد فوقها كما يسهل ذلك على القصاص تتبع الأثر لمسافات بعيدة.
3- التخوف من الأثر الغريب: إن البدوي حذر دائم الانتباه لما يدور حوله، وهو يهتم بملاحظة الآثار الجديدة فوق أرض الصحراء، يدفعه ذلك الخوف من الخطر على نفسه او على أفراد عشيرته أو الخوف على مواشيه...
4- دفع الأخطار: كذلك يقوم البدوي بتتبع آثار الحيوانات المختلفة المفترسة كالضياع والذئاب من أجل القضاء لأنها تشكل خطرا على البدو ومواشيهم .
5- هواية الصيد: إن البدوي صياد بالفطرة منذ أقدم العصور، وهو يفاخر أبناء عشيرته بمهاراته في هذا الفن، ومن أجل ذلك يدقق في ملاحظة آثار حيوانات الصيد كالغزلان والوعول والأرانب وغيرها، ثم يقوم بتتبع آثارها لحصر المنطقة التي توجد فيها، وبعدها يختار الوقت المناسب لصيدها.
تبدأ مقدرة قص الأثر عادة بالتعرف إلى آثار أقدام الأهل والأصدقاء ثم أفراد العشيرة، وبعدها تتدرج في التعرف إلى آثار أقدام الآخرين الأغراب، ومن هذه الخاصية اشتهرت بعض العشائر بوجود عدد من أفرادها قد احترفوا هذا العمل بعد مران طويل وصبر وتجلد.
قص آثار الحيوانات
لا يجد قصاص الأثر صعوبة في معرفة أثر الحيوانات بأنواعها فبعض قصاصي الأثر يميز بين أنواع الحيوانات تمييزاً يدعو إلى الدهشة: فهم يميزون:
آ- أثر الجمل من أثر الناقة على أساس:
1- أن قدم الجمل تنهب الأرض نهبا، بينما قدم الناقة تلامس الأرض بلطف، وأما الناقة الحامل فتكون مضربة بخطواتها.
2- إن الجمل يبول إلى الخلف، بينما الناقدة العادية يسيح بولها مع رجليها، وأما الناقة الحامل فإنها تنثر بولها على ذيلها فيتطاير.
ب- أما الأعور من الإبل فيميزه البدو سواء أكان جملا أم ناقة بناء على الأسس التالية:
1- طريقة السير: إذ إنه يسير دون تمييز إلى الجهة التي تكون باتجاه العين العوراء، ولذلك فإنه يمكن أن يطأ الحجارة أو الشجر أو غيرها دون تمييز.
2- طريقة الطعام: إذ إنه يأكل من جهة العين السليمة ولا يأكل من جهة العين العوراء.
ج- يمكن معرفة الناقة إذا كان أحد ثدييها محلوبا أم لا:إذ إن الناقة تبعد رجلها التي يلامسها الثدي غير المحلوب، أما رجلها التي بجانب الثدي المحلوب فيكون وضعها عاديا.
د- أما بالنسبة للذئب فيميزون بين أثر الذئب أو الذئبة على أساس أن:
1- قدم الذئبة أصغر من قدم الذئب.
2- حين تبول الذئبة فإنها تفتح رجليها لتبول، أما الذئب فيرفع رجله ليبول.
هـ- ويميز البدو بين الغزال وهو في طريقه إلى المرعى، والغزال الذاهب إلى النوم، وكذلك الأرنب بالتدقيق في أثر سيرهما، وتمييز حركات السير والسرعة، وفيما إذا كان متثاقلا بسيره أم مرحاً سريعاً.