هل العيب في المراة
حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن مرآة أخيه )
جمع بذلك العديد من المعاني، وأرسى الكثير من القواعد الاجتماعية والضوابط الشخصية؛
ليس فقط للأفراد بل للمجتمعات أيضا.
عندما اختار المصطفى مفردة (المرآة) فقد اختارها بعناية لأنه يعلم عليه السلام بأن (المرآة)
لا تكشف العيوب لغير مقابلها، وكذلك المسلم لا يفضح أخاه، بل يناصحه في السر.
و (المرآة) كذلك تكشف العيوب بوضوح ولكن بدون إساءة وجروح؛
وهذا هو الأسلوب الأفضل للتعامل وللنصيحة وما عدا ذلك يثير البغضاء والشحناء بين الناس.
قال الشاعر : تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة ..
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
كما أن (المرآة )علاوة على أنها لا تفشي سرا لأحد،فهي لا تحتفظ لنفسها بهذا السر؟!
حيث أنها لا تُبقي صورتك السيئة متواجدة على سطحها!!
ولو كانت كذلك لكرهت نفسك وتذكرت دوما أخطاءك كلما نظرت إليها.
من الناحية الاجتماعية أيها الأحباب، أرى ومن خلال خبرة طويلة في التدريب والاستشارات
أنه يجب علينا كما نهتم بعرض أنفسنا على (المرآة) للتأكد من سلامة هندامنا؛
أن لا نتورع عن سؤال أهل الاختصاص باستمرار وطلب النصيحة منهم فيما يقوم السلوك والفكر.
قال عمر بن الخطاب : رحم الله عبدا أهدى إلي عيوبي.
وبالاعتماد على نظرية (المرآة) فإن المجتمع سيتجه نحو الصلاح
وسيصبح أكثر تماسكا فكل شخص به يعد (مرآة) للآخر، مما يجعله يفعل الصواب
عن طريق القدوة أو النصح.
ونفسيا فإن السلوك الجمعي لمجموعة من الأفراد تؤثر في الآخرين؛
لأن الإنسان يميل إلى تقليد الآخرين خصوصا إذا كانوا أعلاما أو مجموعة كبيرة،
وهو لا ينظر إلى صواب ما يفعلون من عدمه!! وفي هذا السياق لا بد أن ننبه لضرورة
اختيار القدوة الصالحة لشبابنا ومراقبة سلوكياتهم وغرس الثقة بالنفس لديهم،
حتى لا يتأثروا بأي شخص سيء.
سمعت قصة طريفة على شكل لغز .. يحكى أن عاملين خرجا من منجم فحم،
فكان وجه أحدهما متسخا من الفحم والآخر نظيفا لم يطاله شئ من الاتساخ!!
فمن الذي سيقوم بتنظيف وجهه؟
حين طرحت هذا السؤال على كثير من الناس، كانت إجابتهم الرجل ذوالوجه المتسخ.
ولكن الصواب أن من سيقوم بغسل وجهه، هو الرجل ذو الوجه النظيف!
لأنه سيرى وجه صاحبه متسخا فيظن بأن وجهه مثله،
ولكن ذا الوجه المتسخ سيرى وجه صاحبه نظيفا فيظن بأنه مثله.
حين يكون المجتمع نسيجا واحدا من المرايا، نكون في أعلى درجات الرقي.
وحين تفسد المرايا – لسبب أو لآخر – فتصبح مقعرة أو محدبة أو باهتة؛
يفسد المجتمع ولا يصبح بين أفراده حب ونصح.
انظروا حولكم جيدا وسترون بأن الجميع ينتقد والجميع يُنتقد!
لا أحد أحد يُعجب أحدا ولو امتثل لكلامه، ولا أحد يمتثل لكلام أحد ولو أعجبه !!
وهذا مؤشر تفكك اجتماعي وضعف للوازع الديني، وبالتالي سيكون هناك
انحدار في الفكر والثقافة والذوق العام. لأن مفهوم الكياسة والاستفادة من أخطاء الآخرين
أُلغى من قاموس الكثيرين. فأصبح مفهوم هذا الجيل( العاقل ليس من اتعظ بغيره) !
بل العاقل من شمت بغيره، أو فعل مثل أخطاء غيره.
يا ترى العيب فينا أم في مرايا هذا الزمن ..!