الفرائض أفضل ما يفعله العبد في العشر الأوائل من ذي الحجّة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفرائض أفضل ما يفعله العبد في العشر الأوائل من ذي الحجّة
أكّد الدكتور خالد المصلح – أستاذ الفقه المشارك في كلية الشّريعة بجامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية – أنّ من رحمة الله تعالى بنا أن جعل لنا من الزّاد ما يبلغنا الغاية، حيث يقول الله تعالى: وَ{تَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} وقد أمر الله تعالى المسافرين إلى الحجِّ أن يتزودوا بالتقوى، موضحًا أنّ مواسم الطّاعة كثيرة ومتنوعة، وهناك مواسم يومية يتزود الإنسان فيها بالطّاعة والتّقوى، حيث يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم-: "في كل ليلة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه الله إياه".
وقال المصلح في حديثه مع برنامج - يستفتونك الذي تبثه فضائية الرسالة -: إن عشر ذي الحجّة من أكبر مواسم الطّاعات فقد جاء في الصحيح من حديث بن عباس رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبّ إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" . [ رواه البخاري ].
وأضاف أن العمل الصالح في هذه الأيام كثير، ما بين صيام وصدقة وتلاوة للقرآن، حيث يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فهذه دعوة لأعمال الخير كلها، القلبية والبدنية، وأفضل ما يتقرب به إلى الله في هذه الأيام، هو التّقرب إلى الله تعالى بذكره وشكره والثناء عليه، فقد جاء في رواية بن عمر في صحيح الإمام مسلم: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحبّ إليه العمل الصالح فيهن من هذه الأيام العشر"، يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- " فأكثروا فيهن من التّكبير والتّهليل والتّحميد".
وأوضح أن أفضل ما يتقرب به الإنسان إلى الله تعالى، هو ما افترضه الله عليه، فالفرائض تأتي في مقدمة الطّاعات، لقول النبي- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن رب العزة: "وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما أفترضه عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ".
وكان العلامة عبد الله بن جبرين – عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية سابقا رحمه الله – قد شدد في فتوى رسمية نشرها موقعه الرسمي على الإنترنت على ضرورة الإكثار من الأعمال الصالحة في العشر الأوائل من ذي الحجة، حيث روى البخاري - رحمه الله- عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء .
وأضاف، أن هناك أنواع لعمل الخير في هذه العشر الأوائل من ذي الحجة،
الأول: هو أداء الحجّ والعمرة، وهو أفضل ما يُعمل ويدل على فضله عدة أحاديث منها قوله - صلى الله عليه وسلم- "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، وغيره من الأحاديث الصحيحة.
وأوضح، أن النوع الثاني: من الأعمال الصالحة في هذه الأيام صيامها أو ما تيسر منها -وبالأخص يوم عرفة- ولا شك أن جنس الصيام من أفضل الأعمال، وهو ما اصطفاه الله لنفسه كما في الحديث القدسي "الصوم لي وأنا أجزي به"، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا" متفق عليه، أي مسيرة سبعين عاما وروى مسلم - رحمه الله- عن أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده" .
وأشار إلى أن النوع الثالث: من الأعمال الصالحة في هذه الأيام، التّكبير والذكر لقوله تعالى: { وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ }وقد فُسرت بأنها أيام العشر، واستحب العلماء لذلك كثرة الذّكر فيها لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما- عند أحمد - رحمه الله- وفيه: فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد وذكر البخاري - رحمه الله- عن ابن عمر وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم- أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما وروى إسحاق - رحمه الله- عن فقهاء التابعين - رحمة الله عليهم- أنهم كانوا يقولون في أيام العشر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وقال: إنه يُستحب رفع الصوت بالتّكبير في الأسواق، والدور، والطرق، والمساجد، وغيرها لقوله تعالى: { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}، ولا يجوز التّكبير الجماعي، وهو الذي يجتمع فيه جماعة على التّلفظ بصوت واحد، حيث لم يُنقل ذلك عن السّلف، وإنما السنة أن يُكبر كل واحد بمفرده، وهذا في جميع الأذكار والأدعية، إلا أن يكون جاهلا فله أن يُلقن من غيره حتى يتعلم، ويجوز الذكر بما تيسر من أنواع التكبير والتحميد والتسبيح، وسائر الأدعية المشروعة.
وأوضح، أنه يمكن للمسلم أيضًا أن يتوب إلى الله في هذه الأيام ويقلع عن المعاصي وجميع الذنوب، حتى يترتب على الأعمال المغفرة والرحمة، فالمعاصي سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود، وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله" عليه متفق عليه.
وشدد على ضرورة الإكثار من الأعمال الصالحة، من نوافل العبادات، كالصلاة، والصدقة، والجهاد، وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ونحو ذلك؛ فإنها من الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام، فالعمل فيها وإن كان مفضولا، فإنه أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيرها، وإن كان فاضلا حتى الجهاد الذي هو من أفضل الأعمال، إلا من عقر جواده وأريق دمه.
وقال: إن من الأعمال الصالحة أيضًا الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سنة أبينا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام- حين فدى الله ولده بذبح عظيم، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- "ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما" متفق عليه كما روى مسلم - رحمه الله- وغيره عن أم سلمة - رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره، وفي رواية فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي" ولعل ذلك تشبها بمن يسوق الهدي، فقد قال الله تعالى: { وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} وهذا النهي ظاهره أنه يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزّوجة ولا الأولاد، إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه، ولا بأس بغسل الرأس ودلكه، ولو سقط منه شيء من الشعر كما أن على المسلم الحرص على أداء صلاة العيد، حيث تُصلَّى، وحضور الخطبة والاستفادة، وعليه معرفة الحكمة من شرعية هذا العيد، وأنه يوم شكر وعمل برّ، فلا يجعله يوم أشر وبطر ولا يجعله موسم معصية، وتوسع في المحرمات كالأغاني والملاهي والمسكرات ونحوها، مما قد يكون سببّا لحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر. |