في عالم ترى بأنه غير عادل فهو أمر مؤسف صعب.. أن يقر في نفسك أن الأرزاق، والفرص، والخيارات، تميل لصنف دون آخر، وأننا يجب أن نرضى بالقليل من باب قلة الحيلة، واليأس، لَشيء لا يمكن أن يكون شيئا صائبا.
عندما تجلسين يا صديقتي وتتذكرين صديقات الدراسة، وندماء الصبا، وبنات الحيّ الذين فرّقت بينك وبينهم الأيام، وترى أن منهم من ارتقى في سلم الحياة درجات سريعة عالية، فتمهلي قبل أن تصدري حكما سريعا بجفاء الدهر وصلابة الحياة معك، ولا بمحاباة القدر لهم؛ لأن ما تريه ليس بالضرورة الصورة الكاملة!!! إن مداركنا -نحن بني البشر- لها سقف واحد، ودائما ما نفسّر ونحلّل الأمور دون أن نلتفت أن فوق كل ذي علم عليم، وبأن هناك فلسفة في أحكام القضاء والقدر، وبأن أحكام الله -خيرها وشرها- ليست فعلا عشوائيا -حاشاه- فنتذمر ونرفض،وربما بلغ بنا الشطط مبلغا كرهنا معه الحياة، وشكونا فيه الله، وامتعضنا من أحكامه التي لا نفهمها.
الرافعي في وحي القلم يقول: "أشد سجون الحياة قسوة، فكرة بائسة يسجن المرء منا نفسه بداخلها" ، وما الذي يمكن أن يكون أشد بؤسا من مشاعر التذمر والسخط التي تتملكنا تجاه الحياة وروّادها. تحرّري من سجن قلقك من الحياة، وإحساسك بتربّصها بك، وألمك من حكمها الظالم كما يخيّل لك، وإذا ما أحببتي أن أضيء لك الدرب:
فلك مني خمس نصائح:
1. آمن بأنه يوجد فصل آخر في الرواية:
فأنت لست سنوات عمرك، ولن يكون الفناء في انتظارك حين تنتهي أنفاسك، هناك الفصل الأهم في الرواية حيث الآخرة والحساب ولقاء الله، هناك سترين الميزان، وستتأكدي من أن المؤشر ثابت في المنتصف، وأن كثيرا من الأمور التي رأيتي اعوجاجها في الدنيا ليست كما خُيّل لك، وأن رضاك، وجميل صبرك وحلمك، لم يضيعا هباء منثورا، فكلها في كفة الحسنات ساكنة ثقيلة.. مؤثرة.
2. آمن بأن الصورة ليست كاملة:
فربما كان عدم توفيقك في عمل تراه خيرا خالصا، كان شرا لولا ستر الله ومنعك من الوصول إليه، تبكين وتتذمرين، والله قدّر لك الأولى والأفضل ...
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تتجلى كاملة وهو يعلّمنا الحديث: "اللهم إنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب.. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير
لي فى ديني ومعاشي وعاقبة أمري, فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه".
3. فرِّق بين الرضا والطموح:
الرضا أن تشعرين بالشكر والامتنان لله على ما شاء وقدّر مهما كان، والطموح ألا تقصّرين في الأخذ بالأسباب نحو الوصول للغاية والحلم والهدف، شخص واحد هو الذي يقف على منصة التتويج، حاولي أن تكوين أنت هذا الشخص عبر شحن مشاعر الحماس والهمّة والطموح، فإذا فعلتي ما بيدك وبذلتي كل جهدك، ورغم ذلك لم تقفي على المنصة، فابتسمي في رضا عن نفسك وعن ربك، وتأكدي أن الله كتب لك الخير، وربما كانت أمامك فرصة أخرى فحاولي ثانية، الطموح هو الذي يقضّ مضجعك لتعملي وتفكري وتكدحي ، ويطرد من جفنيك النوم، والرضا هو تلك النسائم الجميلة التي تهب على قلبك لتخبره أن هنيئا لك ما أنت فيه.. مهما كان.
4. الــرزق مسألــة نسبيــة:
للأسف في عالمنا المادي الرزق بالنسبة لنا يجب أن يترجم إلى دراهم ودنانير،
ولا نعترف به إلا إذا تحول إلى رصيد في البنك، وهذا غير صحيح!!!
لن أسألك السؤال الأثير: بكم تبيعنين يدك أو عينك أو أذنك؟!، كي أدلل لك على عظيم ما تملكين من نعم وعطايا، لكنني أؤكد لك أن مشاعر الطمأنينة، والراحة، بل والنوم العميق لا تقدّر بثمن، وربما دفع فيها هذا أو ذاك ممن تنظر لحالهم في غبطة -وربما بحسد- كل ثروته من أجل الإحساس بها، نحن نرى الملابس والسيارات والقصور، وربما شاهدنا الابتسامة، وسمعنا الضحكات والقهقهات، لكننا لا نرى ما في الصدور، ولا نعلم ما خلف المنظور والمُشاهد، نعم يمتلك شيئا من النعمة، لكنك تمتلك أنت أيضا منها الكثير، فقط تحتاج أن تؤمن بذلك كي يكون صحيحا!.
5. الله عــــــادل:
ربما تكون في هذه العبارة خلاصة ما قلناه، فالعدل على رأس صفاته -جل اسمه- وتقسيم الأرزاق بيده لم يوكله لأحد، وبنظره سريعة إلى صفوة خلقه من الأنبياء سترى أنهم ليسوا الأغنى في قراهم فضلا عن عالمهم، ولم يسلموا من الأذى والضرر، وأصابهم من البلاء والشر الشيء الكثير، ومع ذلك هؤلاء لا غيرهم -عليهم السلام- من علّمونا مبادئ الرضا، والقناعة، والشكر.
لأنهم أدركوا جيدا أن ما هم فيه -مع سعيهم لتغييره للأفضل- ليس ظلما ولا عنادا من القدر، وإنما مشيئة من الله، واختبار من اختباراته سبحانه، ليرى أنكفر ونتذمر أم نكون من الصابرين الشاكرين.
بقعـــة ضـــوء: قليل من الإدراك السليم، وقليل من التسامح، وقليل من المرح، وسوف تدهشين عندما ترين كيف استطعتي أن تريحين نفسك على ظهر هذا الكوكب..