قال الواقدي: وكان ذلك في رمضان سنة تسع. قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله كتاب ملوك حمير ورسلهم بإسلامهم مقدمه من تبوك. وهم: الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان، قيل: ذي رعين، ومعافر، وهمدان، وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم، ومفارقتهم الشرك وأهله، فكتب إليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النَّبيّ إلى الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل: ذي رعين، ومعافر، وهمدان؛ أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو فإنه قد وقع نبأ رسولكم منقلبنا من أرض الرُّوم فلقينا بالمدينة، فبلَّغ ما أرسلتم به وخبرنا ما قبلكم، وأنبأنا بإسلامكم، وقتلكم المشركين، وأنَّ الله قد هداكم بهداه إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغاني خمس الله، وسهم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصفيه وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء وعلى ما سقي الغرب نصف العشر، وأن في الإبل في الأربعين ابنة لبون، وفي ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر، وفي كل خمس من الإبل شاة، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي كل أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين تبيع جذع أو جذعة، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة، وإنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد خيراً فهو خير له، ومن أدى ذلك وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، وله ذمة الله وذمة رسوله، وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها، وعليه الجزية على كل حالم ذكر وأنثى، حر أو عبد دينار واف، من قيمة المعافري أو عرضه ثياباً. (ج/ص:5/89) فمن أدَّى ذلك إلى رسول الله فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه فانه عدو لله ولرسوله، أما بعد فإن رسول الله محمداً النَّبيّ أرسل إلى زرعة ذي يزن أن إذ أتاك رسلي فأوصيكم بهم خيراً: معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد، ومالك بن عبادة، وعقبة بن نمر، ومالك بن مرة وأصحابهم، وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم، وأبلغوها رسلي، وإن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا راضياً، أما بعد فإن محمداً يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله، ثم أن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير، وقتلت المشركين، فأبشر بخير وآمرك بحمير خيراً ولا تخونوا ولا تخاذلوا فإن رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم، وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته، وإنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل، وإن مالكاً قد بلّغ الخبر وحفظ الغيب فآمركم به خيراً، وإني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي وأولي دينهم وأولي علمهم فآمركم بهم خيراً، فإنهم منظور إليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)). وقد قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا عمارة عن ثابت، عن أنس بن مالك: أن مالك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حلة قد أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً وثلاثة وثلاثين ناقة. ورواه أبو داود عن عمرو بن عون الواسطي، عن عمارة بن زاذان الصيدلاني، عن ثابت البناني، عن أنس به. وقد رواه الحافظ البيهقي ها هنا - حديث كتاب عمرو بن حزم - فقال: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العبَّاس الأصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله ابن أبي بكر عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: هذا كتاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقِّه أهلها ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتاباً وعهداً وأمره فيه أمره، فكتب: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود عهداً من رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره: بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوه والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله، وأن يبشر النَّاس بالخير ويأمرهم به، ويعلم النَّاس القرآن ويفقِّههم في الدين، وأن ينهى النَّاس فلا يمس أحد القرآن إلا وهو طاهر، وأن يخبر النَّاس بالذي لهم والذي عليهم، ويلين لهم في الحق ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله حرَّم الظلم ونهى عنه. (ج/ص:5/90) فقال تعالى: ( أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [هود: 18-19]. وأن يبشر النَّاس بالجنة وبعملها، وينذر النَّاس النار وعملها، ويستألف النَّاس حتَّى يتفقَّهوا في الدين، ويعلم النَّاس معالم الحج وسننه وفرائضه وما أمره الله به، والحج الأكبر الحج والحج الأصغر العمرة، وأن ينهى النَّاس أن يصلِّي الرجل في ثوب واحد صغير إلا أن يكون واسعاً فيخالف بين طرفيه عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي بفرجه إلى السماء، ولا ينقض شعر رأسه إذا عفى في قفاه، وينهى النَّاس إن كان بينهم هيج أن يدعو إلى القبائل والعشائر وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، فمن لم يدع إلى الله ودعى إلى العشائر والقبائل فليعطفوا فيه بالسيف حتَّى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، ويأمر النَّاس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين، وأن يمسحوا رؤوسهم كما أمرهم الله عز وجل، وأمروا بالصلاة لوقتها وإتمام الركوع والسجود، وأن يغلس الصبح وأن يهجر بالهاجرة حتَّى تميل الشمس، وصلاة العصر والشمس في الأرض مبدرة، والمغرب حين يقبل الليل لا تؤخر حتَّى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل، وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها، والغسل عند الرواح إليها، وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار فيما سقى المغل، وفيما سقت السماء العشر، وما سقى الغرب فنصف العشر، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي عشرين أربع شياه، وفي أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة، فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد فهو خير له، ومن أسلم من يهودي أو نصراني إسلاماً خالصاً من نفسه فدان دين الإسلام، فإنه من المؤمنين له مالهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يغير عنها، وعلى كل حالم ذكر وأنثى حر أو عبد دينار واف أو عرضه من الثياب، فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله ورسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين جميعاً، صلوات الله على محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)). قال الحافظ البيهقي: وقد روى سليمان بن داود عن الزُّهري، عن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده هذا الحديث موصولاً بزيادات كثيرة، ونقصان عن بعض ما ذكرناه في الزكاة، والدِّيات وغير ذلك. (ج/ص:5/91) قلت: ومن هذا الوجه رواه الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في سننه مطولاً. وأبو داود في كتاب المراسيل، وقد ذكرت ذلك بأسانيده وألفاظه في السنن ولله الحمد والمنة. وسنذكر بعد الوفود بعث النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأمراء إلى اليمن لتعليم النَّاس، وأخذ صدقاتهم وأخماسهم معاذ بن جبل، وأبو موسى، وخالد بن الوليد، وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. |
|