بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد
إخوتي في الله
لنعش لحظات إيمانية مع قول الصحابة رضوان الله عليهم :
" فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن "
1/ عن جُنْدُبِ بن عبد الله قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً ) رواه ابن ماجة (61) والطبراني في المعجم الكبير (1678) والبيهقي في سننه الكبرى (5075) وهو حديث صحيح ، وفي لفظ البيهقي زيادة: ( وإنكم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان ) - ومعنى الحَزَاوِرَة: جَمْع الْحَزْوَر، وَيُقَال: الْحَزَوَّر بتشديد الوَاو، وهُوَ الْغُلام إذا اِشْتَدَّ وَقَوِيَ وَحَزَمَ وقيل: هو الذي قَارَبَ الْبُلُوغ
2/ عن حذيفة بن اليمان قال ( ثم إنا قوم أوتينا الإيمان قبل أن نؤتى القرآن وأنكم قوم أوتيتم القرآن قبل أن تؤتوا الإيمان ) رواه البيهقي في سننه الكبرى (5074)
3/ عن ابن عمر قال: ( ثم لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلمون أنتم القرآن: ثم قال: لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما أمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه... ) رواه البيهقي في السنن الكبرى (5073) ورواه الحاكم في المستدرك (101) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
ثانياً: المعلوم أن أول ما نزل من القرآن إنما هو آيات التوحيد وآيات الوعد والوعيد التي فيها ذكر الجنة والنار، وقد هدفت لبناء أصل الإيمان في النفوس حتى يتعلق الناس بربهم جل وعلا محبة له ورغبة في جنته وخوفاً من ناره، وبهذا تكون القلوب صالحة لتلقي الأمر والنهي.
ومما يدل على هذا ما ثبت عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: ( إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده ) رواه البخاري ( 4867) ( 4993)
يقول ابن حجر في فتح الباري 9/40 شارحاً لكلام عائشة:
( أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة، وللكافر والعاص بالنار فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام ولهذا قالت ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف...) اهـ
ومن هنا فإن مقصود كلام الصحابة أنهم علموا أولاً أمور الإيمان بالله ومعرفة توحيده وما يتبع ذلك من تعظيمه ومحبته وخشيته، ومعرفة ما أعده من ثواب للمطيع وعقاب للعاصي، ثم لما علم الصحابة هذه الأمور شرعوا بعدها في التفقه في أحكام الدين من أمرٍ ونهيٍ، وهذا واضح في الخبر المنسوب لعبد الله بن عمر، وذلك لأن بناء أصل الإيمان في القلوب هو الباعث على العمل، وللإمام ابن القيِّم عليه رحمة الله كلام نفيس في الدلالة على هذا حيث يقول: ( وتعظيمُ الأمرِ والنهيِ تعظيمٌ للآمر والناهي ) فلعل هذا هو المقصود.
والله أعلم