آرنولد فاندرون
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:
فلم أكن أتخيَّل أنه سيأتي اليومُ الذي يكون فيه (آرنولد فاندرون) مادةً لحديثٍ هادف، فهو الهولندي الذي أنتج الفيلم المسيء لخير الأنامِ - صلى الله عليه وسلم - ولكن اليوم بعد أن طالعت حوارَه لصحيفةِ "عكاظ" السعودية، والذي أشار فيه إلى أنه سوف يُنتِج فيلمًا آخر يعكِسُ خلالَه أخلاقَ سيد البشر، وجدتُ أنه من المهم جدًّا التوقُّفُ عند هذا الخبر، فقد شرح اللهُ صدرَ الرجل للإسلام، فلننظر ماذا قال! ولنرَ ماذا نحنُ فاعلون!
قال (آرنولد) - الذي يؤدِّي فريضة الحج هذه الأيام -: إن دموعَه لم تتوقَّف منذ وصوله مكة، وأنه يعيش الآن أجمل اللحظات، وأنه وجد في الإسلام ما كان يصبو إليه ويفتقِدُه في حياته السابقة، مبيِّنًا أنه عندما يتذكَّر حياته السابقة يرى أنه كان كمَن يقبض الريح، وأنه جاء إلى الحج للاستغفار والدعاء والابتهال إلى الله لمسح خطاياه السابقة.
وأوضح المنتج الهولندي بأن هذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها الأراضي المقدسة؛ حيث سبق وأن أدَّى العمرة في شهر فبراير الماضي، وأنه وجَد الراحة والطمأنينة بجوار قبر المصطفى، وأن ارتباطاته الأُسرية والعملية تَحرِمُه من الإقامة بجواره.
وحول كيفية اعتناقه الإسلام، أبان المنتج الهولندي أنه كان متشوقًا لمعرفة الكثير عن الإسلام، فبدأ بالقراءة عنه حتى تخلَّل قلبَه وأشهر إسلامه بعد ذلك، رغم أنه كان ينتمي لحزب الحرية الهولندي المتطرِّف في عدائه للإسلام والمسلمين.
إنَّ تبدُّل حال الرجل من (الكفر) إلى (الإيمان) ما هو إلا نتاج معرفته بجوهر الإسلام وبسيرة خير الأنام - صلى الله عليه وسلم - عن طريق القراءة، وهذه نتيجة طبيعية؛ لأن الله ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 9].
يقول - تعالى ذكره -: الله الذي أرسل رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق؛ يعني: ببيان الحق، ودين الحق؛ يعني: وبدين الله، وهو الإسلام.
وقوله - سبحانه -: ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾، يقول الطبري: ليُظهِر دينَه الحقَّ الذي أرسل به رسولَه على كل دين سواه، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم، وحين تصير الملَّة واحدة، فلا يكون دين غير الإسلام.
إنَّ الإنسان العاقل الذي يزِنُ الأمور بميزانِ الحق والعدل دون تطرُّف أو شطط في طريق بحثه عن الحقيقة، لا ريبَ سيهديه الله سواءَ السبيل، طالما أخلص النية وأحسَن الطوية، فمَن هكذا حاله يُنقِذه الله من كل ضلالةٍ ورزية، ويُحيل - سبحانه - أشواكه ورودًا ورياحين، لا تسرُّه هو فقط، بل تسُرُّ كل الناظرين.
وها نحن قد سُرِرْنا بهداية (آرنولد)، ولكن علينا التمعُّن في قصتِه؛ لنُدرِك عظمة ديننا ونبينا، ولندرك كم هو ثمينٌ ما بين أيدينا من تراث إسلامي يفتَحُ القلوب المُغلقة، ويُسمِع الآذان الصُّم، فما بالُنا لا نُلقي بالاً لذلك؟ وكل الأمم حولنا تبحث عن جذورها، التي مهما عظُمَت، تتضاءل بجوارِ جذور ثقافتنا الإسلامية الراقية، التي يتهافَتُ إليها الأعاجم؛ لما وجدوا فيها من قِيَم ومبادئ، يتحقَّق للإنسان وللإنسانية في ظلِّها الخير كل الخير.
اللَّهم ارفَعْ راية الدين، وأعِزَّ الإسلام والمسلمين، وصلِّ يا رب وسلِّم على البشير النذير، وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.