..
القاعدة الأولى
أن الكفار في زمن الرسول الذين قاتلهم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية
ولم يكونوا مقرين بتوحيد الألوهية
القاعدة الأولى: أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا مقرين أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت النافع الضار، الذي يدبر جميع الأمور، وما أدخلهم ذلك في الإسلام، والدليل قوله تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ .
نعم. هذه هي القاعدة الأولى التي يتميز بها المشرك من الموحد: أن تعلم وتتيقن أن الكفار في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- كفار مكة وكفار قريش وكفار العرب الذين قاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- واستحلَّ دماءهم وأموالهم، كانوا مُقِرِّين بتوحيد الربوبية، ولم يدخلهم في الإسلام، كانوا يقرون بأن الله هو الخالق، الرازق، المدبر، المحيي، المميت، النافع، الضار، مسبب الأسباب، بيده كل شيء.
ومع ذلك، هذا التوحيد الذي أقروا به -وهو توحيد الربوبية- ما أدخلهم في الإسلام، ولا أخرجهم من الشرك، بل مع ذلك قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستحل دماءهم وأموالهم، وسبى ذراريهم وأموالهم، وهم يقرون بهذا التوحيد، لماذا؟ لأنهم أشركوا في توحيد العبادة والألوهية، ما يكفي الإقرار بتوحيد الربوبية، ما يكفي الإقرار بتوحيد الربوبية وحده، بل لا بد أن تضم إليه توحيد الألوهية.
الدليل على أن الكفار مقرون بتوحيد الربوبية، ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- الآية، وهي قول الله تعالى في سورة يونس: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قل -يا محمد - للكفار للمشركين مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ؟ من الذي يرزق؟ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ من الذي يملك السمع والأبصار؟ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ومن الذي يخرج الميت من الحي؟ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ماذا يقولون؟ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ .
إذن مقرون بهذا، والمؤلف اقتصر على آية، هناك آيات كثيرة.
مثل قوله تعالى: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ .
وقال سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ .
وقال سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ .
إذن هم مقرون بتوحيد الربوبية، ومع ذلك ما نفعهم هذا الإقرار، لماذا؟ لأنهم أشركوا في توحيد العبادة والألوهية، لا بد من التوحيدين، توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، من أقر بأحدهما دون الآخر ما نفع لا يكون موحدا، لا بد أن يوحد الله في الربوبية والألوهية. نعم.
هل كل الكفار يؤمنون بتوحيد الربوبية ولا يشركون في شيء من مسائله؟
فبعض المشايخ يقول: إن كل الكفار يؤمنون بربوبية الله ولا يشركون في شيء من مسائلها.
وبعضهم يقول: إن الكفار عندهم أصل توحيد الربوبية وليس كله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : .. لكن المتكلمون إنما انتصبوا لإقامة المقاييس العقلية على توحيد الربوبية وهذا مما لم ينازع في أصله أحد من بني آدم وإنما نازعوا في بعض تفاصيله كنزاع المجوس والثنوية والطبيعية والقدرية وأمثالهم من ضلال المتفلسفة والمعتزلة ومن يدخل فيهم وأما توحيد الالهية فهو الشرك العام الغالب الذي دخل من أقر أنه لا خالق إلا الله ولا رب غيره من أصناف المشركين كما قال تعالى : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) كما قد بسطنا هذا في غير هذا الموضع..
وقال العلامة صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله : والشرك في الربوبية باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال ممتنع وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن معبوداتهم تملك بعض التصرفات في الكون وقد تلاعب بهم الشيطان في عبادة هذه المعبودات ...-إلى أن قال- وكل هذا بسبب أن هؤلاء تصوروا في هذه الأشياء شيئا من خصائص الربوبية.
ويدل على ذكره شيخ الإسلام والعلامة الفوزان ما قاله شيخ الإسلام في موضع آخر :
و((القدرية الثانية)) المجوسية: الذين يجعلون لله شركاء في خلقه كما جعل الأولون لله شركاء في عبادته. فيقولون: خالق الخير غير خالق الشر...
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : وأما ((جمهور القدرية)) فهم يقرون بالعلم والكتاب المتقدم لكن ينكرون أن الله خلق أفعال العباد وارادة الكائنات..
وهنا نذكر أمثلة قال الشيخ العلامة صالح آل الشيخ : ((والاستسقاء بالنجوم )) وهو نسبة السقيا إلأى النجوم ويشمل ما هو أعظم من ذلك وهو أن تطلب السقيا من النجم كحال الذين يعتقدون أن الحوادث الأرضية تحصل بالنجوم نفسها وأن النجوم هي التي تحدث المقدرات الأرضية والمنفعلات الأرضية. (التمهيد لشرح كتاب التوحيد : 354)
وقال حفظه الله: والنوع الثاني: كافر الكفر الأكبر وهو الذي اعتقد أن المطر أثر من آثار الكواكب والنجوم وأنها هي التي تفضلت بالمطر وهي التي تحركت بحركة لما توجه إليها عابدوها أنزلت المطر إجابة لدعوة عابديها وهذا كفر أكبر بالإجماع لأنه اعتقاد ربوبية وإلهية لغير الله –جل وعلا.
تنبيه: من المشركين من خالف القدرية وغيرهم فلا يقال هؤلاء مثل هؤلاء قال شيخ الإسلام بعد ذكره الآيات التي تدل على إقرار أهل الشرك بالربوبية : فإن هؤلاء المشركين كانوا مقرين بأن الله خالق السموات والأرض وخالقهم وبيده ملكوت كل شيء, بل كانوا مقرين بالقدر ايضا فإن العرب كانوا يثبتون القدر في الجاهلية وهو معروف عنهم في النظم والنثر ومع هذا فلما لم يكونوا يعبدون الله وحده لا شريك له بل عبدوا غيره كانوا مشركين شرا من اليهود والنصارى .
فمن كان غاية توحيده وتحقيقه هو هذا التوحيد كان غاية توحيده توحيد المشركين.
فبهذه النقول يتبين لك ما ذكره بعض أهل العلم أن من المشركين من يشرك في بعض أفراد الربوبية والله تعالى أعلم.
..