سورة يوسف هي السورة الثانية عشرة بحسب الترتيب القرآني العثماني، وآياتها مائة وإحدى عشرة (111) آية إجماعاً. وهي سورة مكية بالإجماع، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إلا ثلاث آيات من أولها.
تسميتها
الاسم الوحيد لهذه السورة سورة (يوسف)، وقد ذكر ابن حجر في كتابه "الإصابة" في ترجمة رافع بن مالك الزرقي عن ابن إسحاق، أن أبا رافع بن مالك أول من قدم المدينة بسورة يوسف، يعني بعد أن بايع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العقبة.
ووجه تسميتها ظاهر؛ لأنها قصت قصة يوسف عليه السلام كلها، ولم تذكر قصته في غيرها. ولم يذكر اسمه في غيرها إلا في سورة الأنعام وغافر. وفي هذا الاسم تميز لها من بين السور المفتتحة بحروف {الر}.
فضلها
روى أبو يعلى الموصلي في "مسنده"، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في قوله: {نحن نقص عليك أحسن القصص} الآية، قال: أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم، فتلاه عليهم زماناً، فقالوا: يا رسول الله! لو قصصت علينا، فأنزل الله تعالى: {الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} إلى {نحن نقص عليك أحسن القصص} الآية، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم زماناً، فقالوا: يا رسول الله! لو حدثتنا؟ فأنزل الله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها} (الزمر:23)، كل ذلك يؤمرون بالقرآن. قال الشيخ البوصيري: هذا حديث حسن.
مقاصد السورة
تقصد سور القرآن الكريم في الأساس إلى تقرير الحقائق الدينية الكبرى، وتنفرد كل سورة من سوره ببعض المقاصد التي ترمي إليها، وتقصد لإبرازها، وقد تضمنت سورة يوسف جملة من المقاصد نذكر منها:
- وصف القرآن الكريم بـ (الإبانة) لكل ما يوجب الهدى؛ لما ثبت من تمام علم مُنزله غيباً وشهادة، وشمول قدرته قولاً وفعلاً.
- إثبات رسالة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، وإعجاز كتابه المبين، والاعتبار بقصص الرسل صلوات الله عليهم أجمعين.
- بيان أن الرؤيا الحسنة التي يراها المسلم حق، بما تحمله عن نبوءات عن المستقبل القريب، أو البعيد.
- بيان أن قدرة الله غالبة، لا يقف في طريقها شيء، وأن الأمور في خواتيمها لا تخرج عن إرادته سبحانه وتعالى.
- بيان أن الحاكمية الحقيقية في هذا الكون لله سبحانه، وأن أي حاكمية أخرى لا وزان لها في ميزان الشرع.
- بيان أن الكرامة والاعتزاز والإباء ، تدر من الربح حتى المادي أضعاف ما يدره التمرغ والتزلف والانحناء.
- تثبيت الوحي الذي سيقت السورة لتثبيته من بين ما تثبت من قضايا هذه العقيدة، وهذا الدين في قلوب المؤمنين.
- بيان أن كثيراً من الناس لا يقفون على الآيات التي بثها سبحانه في هذا الكون بقصد الاعتبار والاتعاظ، حين إن أكثر الناس يمرون على هذه الآيات، وهم عنها غافلون، أو معرضون، غير مبالين بما تحمله من دلالات وعبر.
- بيان أن الإيمان الخالص يحتاج إلى حسم كامل في قضية السلطان على القلب وعلى التصرف والسلوك، فلا تبقى في القلب دينونة إلا لله سبحانه، ولا تبقى في الحياة عبودية إلا للمولى الواحد الذي لا راد لما يريد.
- بيان أن من سنة الله في خلقه معاقبة المكذبين بآياته، والمعرضين عن الاعتبار في آياته الكونية.
- بيان أن سنة الله في الدعوات أن تكون مصحوبة بالشدائد، ومحفوفة بالكروب، حتى لا تبقى بقية من جهد، ولا بقية من طاقة. ثم يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس. يجيء النصر من عند الله، فينجو الذين يستحقون النجاة، ينجون من الهلاك الذي يأخذ المكذبين، وينجون من البطش والعسف الذي يسلطه عليهم المتجبرون. ويحل بأس الله بالمجرمين، مدمراً ماحقاً لا يقفون له، ولا يصده عنهم ولي ولا نصير.
- بيان أن في قصص أهل الفضل دلالة على رحمة الله لهم وعنايته بهم، وفي ذلك رحمة للمؤمنين؛ لأنهم باعتبارهم بها يأتون ويذرون، فتصلح أحوالهم، ويكونون في اطمئنان بال، وذلك رحمة من الله بهم في حياتهم، وسبب لرحمته إياهم في الآخرة.
- بينت هذه السورة -وقد ذُكر فيها كثير من الشدائد- أن العاقبة خير للذين اتقوا، وهو وعد الله الصادق الذي لا يخلف وعده.
أخيراً، ذكر ابن عاشور أن نزول هذه السورة قبل اختلاط النبي صلى الله عليه وسلم باليهود في المدينة معجزة عظيمة من إعلام الله تعالى إياه بعلوم الأولين؛ وبذلك ساوى الصحابةُ علماءَ بني إسرائيل في علم تاريخ الأديان والأنبياء