الحمد لله رب العالمين وبه نستعين على أمور الدنيا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم: وبعد: فإنه إذا كان لديك مبلغ في الخزانة أو رصيد في البنك فأبشر لأنك ستحظى باستقبالات حارة وابتسامات واسعة ووجوه طليقة أينما نزلت وحيثما حللت!! بعكس ما إذا كنت فقيراً أو على قد حالك فإنك سترى الهم والغم على وجه من يراك أو يقابلك ويزيدك هم فوق همك (كنك ناقص)!! أحياناً أندهش وأتعجب عندما أرى أشخاصاً بلغوا سن الرشد ووقار الشيب قد غطى رؤوسهم لكنهم إذا حضر غنياً أو ذا منصب في محضرهم أو صادفوه فإنك ترى الوقار والهيبة تتلاشى منهم وينقصوا من قدر أنفسهم في القيام له حتى وإن كان أصغر منهم سناً والترحيب الحار والسلام النابع من اعماق القلب والتواضع الفريد من نوعه بغض النظر عن أنه أعطاهم شيئاً أو لم يعطهم لكن هكذا بعض الناس يتحلى بالأخلاق العالية عند الأغنياء فقط (لا إرادياً) !!! حتى الأطفال لم يسلموا من هذه الفوارق، فإن بعض الناس إذا رأى أطفالاً فإنه يسأل أولاً من أبوهم وما مركزه فإن كان من بينهم إبناً لغني أو له صلة بالبنوك فإن هذا الطفل سيحظى بالملاعبة والمداعبة وربما يحمله ليشتري له الحلويات مع أنه في غنى عنها وأسنانه قد أصابها التسوس من كثرة الحلويات!! وأبناء الفقراء متقبلين لهذه التصرفات بصدور رحيبة لأن براءتهم وسلامة صدورهم تغنيهم عن التطلع إلى أصحاب القلوب المريضة والسخيفة. كما قال سيدنا الأمام الشافعي رضي الله عنه: يمشي الفقير وكل شيئ ضده والناس تغلق دونه أبوابها وتراه مبغوضاً وليس بمذنب ويرى العدواة لا يرى أسبابها حتى الكلاب إذا رأت ذا منصب نبحت عليه وحركت أذنابها وإذا رأت يوماً فقيراً عابراً نبحت عليه وكشرت أنيابها فحتى الكلاب (أكرمكم الله) ينتابها هذا الشعور اللاإرادي تجاه الأثرياء وأصحاب المناصب الدنيوية، وربما يكون هذا عامل مشترك بين الكلاب (أكرمكم الله) وبين ..........؟ ومن ناحية أخرى نلاحظ أن الغني إذا صدرت منه أخطاء أو هفوات أو كلمات بذيئة فالغالب أنه لا يؤاخذ عليها بل إنه يجد من يدافع عنه ويبرر له المواقف (بأن قلبه طيب والكلام ذا بس من لسانه وما يقصد .... وما إلى ذلك) فبذلك ترتفع معنوياته وتزداد ثقته بنفسه عندما يرى الناس يُجِّلوه ويحترموه ويتجاوزوا عن زلاته بصدور رحيبه ليس لذاته ولا لشخصه ولكن للسواد الأعظم الذي في صناديق البنوك! أما الفقير المسكين فإنه دائماً مطلوب للعدالة بأقل غلطة وأدنى هفوه ومحاسب على كلامه حساب عسير وأنصحه بأن يضع على لسانه حجراً ويقول (هذا الذي أوردني الموارد) كي يسلم من عذاب الناس . الشاهد أيها الأحباب أن التواضع مطلوب والحلم والصفح مطلوب وجميع الأخلاق الحسنة مطلوبه مع جميع أصناف وأنواع البشر فلا نخص الأغنياء وأصحاب الوجاهة والمعالي بنصيب وافر من الأخلاق، ونجعلها ضئيلة وشحيحة مع الفقراء الضعفاء الذين هم أحوج ما يكونوا إليها... وأعلموا أن الأمر خطير ويترتب عليه جزاء أخطر فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من تواضع لغني لأجل غناه ذهب ثلثا دينه فليتقي الله في الثلث الباقي) . فكل انسان يُقيّم المقابل على ماله او منصبه هذا يكون فاشل في الحياة لان المال لا يدوم والمنصب كذلك فاذا كان اليوم صاحب المال محترما وغدا يذهب ماله ويكون غير محترم هذه قمة التخبط والازدواجية في المعايير. وقال حاتم الزاهد : من إدعى أربعا من غير أربعا فهو كذاب : من ادعى حب مولاه من غير ورع يصده من المحرمات ، ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله في وجه الخير ، ومن ادعى حب النبي صلى الله عليه وسلم من غير اتباع سنته ، ومن ادعى حب الدرجات العليا من غير صحبة الفقراء والمساكين. فانتبهوا يا أهل الدين والهيبة والوقار أجعلوا أخلاقكم موزونة بميزان واحذرواعلى دينكم من أن يتفلت عليكم بدون شعوركم وبغير إرادتكم وتواضعوا للجميع بنسب متساوية.
م \ ن