هل تسمع أحياناً صوتاً يأتيك من داخلك كما لو كان هناك شخص ما يتحدث إليك، هل حدث أنك أردت يوماً
الاستيقاظ مبكراً حتى تنهي تقريراً أو تقوم بعمل شيء مهم وسمعت صوتين من داخلك، أحدهما يحثك على
النهوض والآخر يشجعك على أن تظل راقداً في فراشك حيث الدفء الراحة؟ ترى أي الصوتين كان الفائز
هل تذكر في مرة كان من المفروض أن تذهب لمزاولة تمرينك الرياضي، ولكنك سمعت صوتاً يناديك من داخلك
يحثك على البقاء في المنزل، ومشاهدة التلفاز والتهام قطعة مغرية من الحلوى؟ دعني أسألك هل أحياناً تتحدث مع نفسك؟
كلنا كائنات تتكلم وتفكر وهذا لن يتوقف طالما نحن أحياء، هل تتحدث مع نفس بصوتٍ مرتفع؟
في كتابه "كيف توقف القلق والأحاسيس السلبية" قال ديل كارنيجي إن أكثر من 93% من الأحداث التي نعتقد
أنها ستتسبب في الإحساسات السلبية لن تحدث أبداً، 7% أو أقل لا يمكن التحكم فيها مثل الجو أو الموت مثلاً.
كطبيعة البشر نحن كثيراً ما نتحدث إلى أنفسنا ونتوقع السلبيات، وقد أجرت إحدى الجامعات في كاليفورنيا
دراسة على التحدث مع الذات عام 1993م وتوصلت إلى أن أكثر من 80% مما نقوله لأنفسنا يكون سلبياً
يعمل ضد مصلحتنا، ولك أن تتخيل تأثير هذا الكم الهائل من السلبيات.
والآن أريد أن أكلفك بشيء بسيط وهو كلما انهمكت في التفكير فعليك أن تتوقف، وتدون النقاط
التي كنت تفكر فيها وستندهش من الكم الهائل من الطاقة الضائعة في القلق والسلبيات التي أثقلت بها ذهنك.
وهناك مفاجأة أخرى حيث إن البحث لم يصل إلى تلك النتائج فقط، بل توصل إلى أن هذا القلق يتسبب في أكثر من 75% من الأمراض بما في ذلك القرحة وضغط الدم والنوبات القلبية
أي أنك بكامل إرادتك تتحدث إلى نفسك وتفكر بطريقة سلبية أيضاً وتصاب بالمرض، ولا تحتاج لأي مساعدة لإنجاز كل هذا.
يقول د.وين داير في كتابه (الحكمة في حياتنا اليومية) " ما يفكر فيه الناس ويتحدثون عنه يتزايد فيصبح أفعالاً."
وعلى هذا يمكننا استعراض مصادر التحدث مع الذات أو البرمجة الذاتية وهي كالتالي:
المصدر الأول الوالدان
هل تذكر أنه قد قيل لك من قبل العبارات مثل: "أنت كسلان، ألا يمكنك أبداً عمل أي شيء ما كما يجب، أنت غير منظم، أنت تشبه فلاناً في الكسل والغباء"
لو أنك مثل الأغلبية فعندي لك مفاجأة حيث أن د. تشاد هلمستتر قال في كتابه "ماذا تقول عندما تتحدث مع نفسك؟"
إنه في خلال ال18 سنة الأولى من عمرنا على افتراض نشأتنا في أسرة إيجابية إلى حد معقول، فإنك قد قيل لك
أكثر من 148000 مرة (لا) أو (لا تعمل ذلك)، تخيل 148000 مرة، وستصل دهشتك إلى ذروتها عندما
تعلم أنه في نفس الفترة كان عدد الرسائل الإيجابية التي وصلتنا تبعاً للدكتور هلمستتر لا تتجاوز 400 مرة، وهذا
بالطبع لا يعني أن أباءنا وأمهاتنا كانوا سيئيين، ولكن للأسف لم يكونوا على دراية بأي طريقة أخرى أفضل ؛ لأنهم
كانوا قد نشأوا وتبرمجوا على نفس المنوال بواسطة آبائهم، بالتالي قاموا بتربيتنا بنفس الطريقة، قاموا ببرمجتنا سلبياً ولكن مع الحب
المصدر الثاني: المدرسة
إذا عدت بذاكرتك إلى مرحلة التلمذة، فربما تكون قد مررت بأحد المواقف التي صعب فيها عليك فهم إحدى النقاط وكان المدرس قد قام بشرحها، وعندما
سألت بعض الأسئلة التوضيحية كان رد المدرس "ألا يمكنك فهم أي شيء أبداً؟"
فلو كنت مثل الأغلبية فإنك قد تعرضت لمواقف سلبية مشابهة..فالمدرسة هي المصدر الثاني للبرمجة الذاتية، قد يكون ذلك إيجابياً أو سلبياً..
المصدر الثالث: الأصدقاء
يؤثر الأصدقاء على بعضهم البعض بطريقة جوهرية ؛ حيث أنهم من الممكن أن يتناقلوا
عادات سلبية مثل: التدخين وتعاطي المخدرات والهروب من المدرسة..
في الواقع فإن أغلب المدخنين كانوا قد انجذبوا إلى التدخين بتأثير من أشخاصٍ آخرين بينما كانوا في المرحلة العمرية بين 8-15 سنة، وهي المرحلة
التي يطلق عليها علماء النفس فترة الاقتداء، وهي المرحلة التي يقلد فيها الأطفال سلوك الآخرين..
المصدر الرابع: الإعلام
أجريت دراسة على الشباب في أمريكا وكيف يقضون أوقاتهم، وتبين من نتيجتها أن الشباب في سن النمو يقضون حوالي 39 أسبوعاً في مشاهدة التلفزيون، فإذا
رأى الطفل أن المطرب أو الممثل المفضل إليه يتصرف بطريقة معينة فإنه يقلده حتى لو كان هذا السلوك سلوكاً سلبياً..
على سبيل المثال: ظهرت إحدى المطربات الشهيرات عالمياً في إحدى الحفلات وهي ترتدي رداءاً يكشف بطنها، فهل تعرف ماذا حدث؟
في نفس الأسبوع كانت أكثر من 50 ألف فتاة ترتدي مثل هذا الرداء.
المصدر الخامس: أنت نفسك
بالإضافة إلى المصادر الأربعة السابقة فإنك تضيف إليها برمجة ذاتية نابعة منك أنت.. فمن الممكن للبرمجة الذاتية والتحدث مع النفس
أن تجعل منك إنساناً سعيداً ناجحاً يحقق أحلامه، أو إنساناً تعيساً يائساً من الحياة، وفي ذلك يقول د.هلمستتر " إن ما تضعه في ذهنك سواء كان سلبياً أو إيجابياً سوف تجنيه في النهاية..
د.إبراهيم الفقي