ايات الاعجاز الرقمى فى القران
أولاً :
شُغف كثير من الناس بأنواع من الإعجازات في القرآن الكريم ، ومن هذه الأنواع " الإعجاز العددي " فنشروا في الصحف والمجلات وشبكات الإنترنت قوائم بألفاظ تكررت مرات تتناسب مع لفظها ، أو تساوى عددها مع ما يضادها ، كما زعموا في تكرار لفظة " يوم " ( 365 ) مرة ، ولفظ " شهر " ( 12 ) مرة ، وهكذا فعلوا في ألفاظ أخرى نحو " الملائكة والشياطين " و " الدنيا والآخرة " إلخ .
وقد ظنَّ كثيرٌ من الناس صحة هذه التكرارات وظنوا أن هذا من إعجاز القرآن ، ولم يفرقوا بين " اللطيفة " و " الإعجاز " ، فتأليف كتابٍ يحتوي على عدد معيَّن من ألفاظٍ معيَّنة أمرٌ يستطيعه كل أحدٍ ، فأين الإعجاز في هذا ؟ والإعجاز الذي في كتاب الله تعالى ليس هو مثل هذه اللطائف ، بل هو أمر أعمق وأجل من هذا بكثير ، وهو الذي أعجز فصحاء العرب وبلغاءهم أن يأتوا بمثل القرآن أو بعشر سورٍ مثله أو بسورة واحدة ، وليس مثل هذه اللطائف التي يمكن لأي كاتب أن يفعلها – بل وأكثر منها – في كتاب يؤلفه ، فلينتبه لهذا .
وليُعلم أنه قد جرَّ هذا الفعل بعض أولئك إلى ما هو أكثر من مجرد الإحصائيات ، فراح بعضهم يحدد بتلك الأرقام " زوال دولة إسرائيل " وتعدى آخر إلى " تحديد يوم القيامة " ، ومن آخر ما افتروه على كتاب الله تعالى ما نشروه من أن القرآن فيه إشارة إلى " تفجيرات أبراج نيويورك " ! من خلال رقم آية التوبة وسورتها وجزئها ، وكل ذلك من العبث في كتاب الله تعالى ، والذي كان سببه الجهل بحقيقة إعجاز كتاب الله تعالى .
ثانياً :
بالتدقيق في إحصائيات أولئك الذين نشروا تلك الأرقام وُجد أنهم لم يصيبوا في عدِّهم لبعض الألفاظ ، ووجدت الانتقائية من بعضهم في عدِّ الكلمة بالطريقة التي يهواها ، وكل هذا من أجل أن يصلوا إلى أمرٍ أرادوه وظنوه في كتاب الله تعالى .
قال الشيخ الدكتور خالد السبت :
قدَّم الدكتور " أشرف عبد الرزاق قطنة " دراسة نقدية على الإعجاز العددي في القرآن الكريم ، وأخرجه في كتاب بعنوان : " رسم المصحف والإعجاز العددي ، دراسة نقدية في كتب الإعجاز العددي في القرآن الكريم " وخلص في خاتمة الكتاب الذي استعرض فيه ثلاثة كتب هي (1) كتاب " إعجاز الرقم 19 " لمؤلفه باسم جرار ، (2) كتاب " الإعجاز العددي في القرآن " لعبد الرزاق نوفل ، (3) كتاب " المعجزة " لمؤلفه عدنان الرفاعي ، وخلص المؤلف إلى نتيجة عبَّر عنها بقوله :
" وصلت بنتيجة دراستي إلى أن فكرة الإعجاز العددي " كما عرضتها هذه الكتب " غير صحيحة على الإطلاق ، وأن هذه الكتب تقوم باعتماد شروط توجيهية حيناً وانتقائية حيناً آخر ، من أجل إثبات صحة وجهة نظر بشكل يسوق القارئ إلى النتائج المحددة سلفاً ، وقد أدت هذه الشروط التوجيهية أحياناً إلى الخروج على ما هو ثابت بإجماع الأمة ، كمخالفة الرسم العثماني للمصاحف ، وهذا ما لا يجوز أبداً ، وإلى اعتماد رسم بعض الكلمات كما وردت في أحد المصاحف دون الأخذ بعين الاعتبار رسمها في المصاحف الأخرى ، وأدت كذلك إلى مخالفة مبادئ اللغة العربية من حيث تحديد مرادفات الكلمات وأضدادها .
( ص 197 ) دمشق ، منار للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 1420ه / 1999 .
وقد ذكر الدكتور فهد الرومي أمثله على اختيار الدكتور عبد الرزاق نوفل الانتقائي للكلمات حتى يستقيم له التوازن العددي ، ومن ذلك قوله : إن لفظ اليوم ورد في القرآن ( 365 ) مرة بعدد أيام السنة ، وقد جمع لإثبات هذا لفظي " اليوم " ، " يوماً " وترك " يومكم " و " يومهم " و " يومئذ " ؛ لأنه لو فعل لاختلف الحساب عليه ! وكذلك الحال في لفظ " الاستعاذة " من الشيطان ذكر أنه تكرر ( 11 ) مرة ، يدخلون في الإحصاء كلمتي " أعوذ " و " فاستعذ " دون " عذت " و " يعوذون " و " أعيذها " و " معاذ الله " .
انظر : " اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر " ( 2 / 699 ، 700 ) بيروت ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثانية 1414ه .
وبهذا الكلام العلمي المتين يتبيَّن الجواب عن كلمة " يوم " وعددها في القرآن الكريم ، والذي جاء في السؤال .
ثالثاً :
وأما الحساب الذي يذكره الله تعالى في كتابه الكريم فهو الحساب الدقيق الذي لا يختلف على مدى السنوات ، وهو الحساب القمري .
وفي قوله تعالى : ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ) الكهف/25 ذكر بعض العلماء أن عدد ( 300 ) هو للحساب الشمسي ، وأن عدد ( 309 ) هو للحساب القمري ! وقد ردَّ على هذا القول الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، وبيَّن في ردِّه أن الحساب عند الله تعالى هو الحساب القمري لا الشمسي .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" ( وَازْدَادُوا تِسْعاً ) ازدادوا على الثلاث مائة تسع سنين ، فكان مكثُهم ثلاث مائة وتسع سنين ، قد يقول قائل : " لماذا لم يقل مائة وتسع سنين ؟ "
فالجواب : هذا بمعنى هذا ، لكن القرآن العظيم أبلغ كتاب ، فمن أجل تناسب رؤوس الآيات قال : ( ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ) ، وليس كما قال بعضهم بأن السنين الثلاثمائة بالشمسية ، وازدادوا تسعاً بالقمرية ؛ فإنه لا يمكن أن نشهد على الله بأنه أراد هذا ، مَن الذي يشهد على الله أنه أراد هذا المعنى ؟ حتى لو وافق أن ثلاث مائة سنين شمسية هي ثلاث مائة وتسع سنين بالقمرية فلا يمكن أن نشهد على الله بهذا ؛ لأن الحساب عند الله تعالى واحد .
وما هي العلامات التي يكون بها الحساب عند الله ؟
الجواب : هي الأهلَّة ، ولهذا نقول : إن القول بأن " ثلاث مائة سنين " شمسية ، ( وازدادوا تسعاً ) قمرية قول ضعيف .
أولاً : لأنه لا يمكن أن نشهد على الله أنه أراد هذا .
ثانياً : أن عدة الشهور والسنوات عند الله بالأهلة ، قال تعالى : ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) يونس/5 ، وقال تعالى : ( يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) البقرة/189 " انتهى .