ما هي ٱلْخُنَّسِ التي أقسم بها تعالى؟ { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ } التكوير – 16، لا بد أن يكون لهذا القسم شأن يتناسب مع عظمة القسم والمقسوم به، قال أهل التأويل: هي النجوم الدراريّ الخمسة: بَهْرام، وزُحَل، وعُطارد، والزُّهَرَة، والمُشْتَري – تفسير الطبري، وهي الكواكب المعروفة في ذاك الوقت. ذكر من قال أن رجلاً قام إلى عليّ رضي الله عنه، فقال: ما { الجَوَارِ الْكُنَّسِ } قال: هي الكواكب. أي أن الله تعالى أقسم يالكواكب واصفاً إياها بأنها 1- تخنس 2- تجري 3- تكنس!
فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ
تمت الاشارة الى كافة المراجع المستخدمة في هذه المقالة بروابط تؤدي الى اصل المعلومة مثل موقع تفسير القرآن الكريم، ومواقع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وموقع ويكيبيديا، ومواقع اخبارية ومواقع علمية أخرى ذات علاقة، بالإضافة الى موقع باحث اللغوي وذلك لكي يتأكد القارئ من صدق المعلومة.
لتوضيح الموضوع، يتوجب علينا تبسيط المفاهيم لغوياً، فالخنس في لسان العرب هو إنقباضُ الشيء على نفسه والاستخفاء، فالكواكب تدخل في منازل مثل القمر كل حسب موقعها من ناظرها من الأرض فيزداد ضوءها ويقل، وورد الخنوس في سورة الناس { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال: ينبسط، فإذا ذُكر الله خَنَس وانقبض، أما الجوار: تجري في السماء، الخَيْلُ تَجْرِي والرِّياح تَجْرى والشمسُ تَجْرِي، أما الكنس: تكنس ما حولها، كَنَسَ الموضع يَكْنُسُه، بالضم، كَنْساً: كَسَح القُمامَة عنه. أي أن الله تعالى وصف الكواكب بأنها تنقبض على نفسها وتجري في السماء وتكنس ما حولها من انقاض أو قمامة، قسم قد يبدو في الوهلة الأولى غريب وعجيب! وهذا ما سنوضحه.
عُرفت الكواكب منذ حضارة بابل على أنها أجرام تسير في السماء على عكس النجوم الثابتة. كان بلوتو آخر الكواكب المكتشفة في القرن العشرين وهو الكوكب الذي أحدث أكبر جدل في الأوساط العلمية وأدى إلى صياغة نص لتعريف الكواكب من قبل الاتحاد الفلكي الدولي عام 2006. السبب في ذلك أنه وفي البداية، ظن العلماء بأن حجم بلوتو أكبر من حجم كوكب الأرض فقرروا تصنيفه على أنه “كوكب” ولكن سرعان ما اكتشفوا أن حجم بلوتو أصغر بكثير (18%) من حجم الأرض ولكنهم أبقوا على تصنيفه ككوكب بينما صنفت اجرام أخرى بنفس الحجم على أنها كواكب قزمة.
النظام الشمسي بما فيه من كواكب وكواكب قزمة – معجزات في القران الكريم
الاعجاز العلمي في سورة التكوير – 16
{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ }
علمياً، تعتمد قوة جاذبية أي جسم على كتلته، فكلّما زادت كتلة الجسم، زادت معها قوة الجذب، فعلى سبيل المثال، تبلغ قوة جاذبية القمر 1/6 جاذبية الأرض، فإذا كان وزن شخص ما على الأرض 60 كيلوجراماً، فإن وزنه على سطح القمر يكون 10 كيلوجرامات. وعليه، فإن قدرة الأرض على جذب أي جسم أقوى بـ 6 مرّات من قدرة القمر، بينما يعتبر العلماء كوكب المشتري “مكنسة شفط كونية” للدور الكبير الذي يلعبه في جذب المذنبات والكويكبات كما بيّنا في مقالتنا وزينّا السماء الدنبا بمصابيح وحفظا.
عند بداية تشكل نظامنا الشمسي، كانت المناطق المحيطة بمركز تكثّف الدخان (السحابة السديمية) مليئة بالكواكب الجنينية (الكِسَف) أو الكويكبات بينما احتوت المناطق الأبعد على الماء والهايدروجين والهيليوم، وقد تكونت الكواكب الصلبة نتيجة تجمّع الكويكبات في أجسام صلبة مثل عطارد والزهرة والأرض والمريخ (داخل الحزام الأبيض) كما هو مبين في الشكل أدناه والتي قامت بدورها بكنس أو تنظيف مداراتها من الكويكبات خلال جريانها، بينما بقيت منطقة حزام الكويكبات على وضعها لعدم وجود كواكب في تلك المنطقة مع العلم أن هناك كوكبين قزمين هما سيريس و فيستا داخل الحزام إلاّ أنهما لم بكونا قادرين على كنس مداراتهما لصغر حجمهما، ولاحظ أيضاً قدرة كوكب المريخ الضعيفة على الكنس مقارنة بكوكب المشتري القوية خارج حزام الكويكبات.
حزام الكويكبات (اللون الأبيض)، ويتكوّن من الكويكبات والتي تتركز بين مداري المريخ Mars والمشتري Jupiter. لاحظ كيف قامت الكواكب من خلال جريانها بكنس مداراتها
بعد جدل طويل وواسع، توصّل الاتحاد الفلكي الدولي عام 2006 إلى تعريف “الكَوكَب” ضمن نظامنا الشمسي على أنه جرم سماوي 1- يجري في مدار حول الشمس (جَوار؟) 2- كبير بما يكفي ليصبح شكله مستديرًا بفعل قوة جاذبيته (خُنّس؟) 3- يستطيع أن يُخلي مداره من الكواكب الجنينية أو الكويكبات (كُنّس؟). وبناءاً على التعريف السابق، لم يعد كوكب بلوتو يلبي الشروط المذكورة وتم إعادة تصنيفه ليصبح كوكباً قزماً.
هل لاحظت التطابق بين القسم والتعريف؟ هل هذه مصادفة؟ أم أن القسم الذي كان غريباً وعجيباً في بداية المقالة لم يعد كذلك، فالله تعالى وفي ثلاث كلمات {… الخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ }، صًنَّف الكواكب قبل أن يقوم العلماء بذلك بـ 1430 سنة! في وقت كان الفارق الوحيد بين الأجرام السماوية هو أن النجوم ثابتة والكواكب سيّارة ولم يعرف الناس حقيقة تكوينها.
تعريف الكواكب حسب
الاتحاد الفلكي الدولي عام 2006 النص القرآني المعنى المرتبط بالنص القرآني 1- جرم سماوي يجري في مدار حول الشمس جوار تجري في السماء، الخَيْلُ تَجْرِي والرِّياح تَجْرى والشمسُ تَجْرِي 2- كبير بما يكفي ليصبح شكله مستديرًا بفعل قوة جاذبيته خُنّس إنقباضُ الشيء على نفسه والاستخفاء، وورد الخنوس في سورة الناس { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال: ينبسط، فإذا ذُكر الله خَنَس وانقبض 3- يستطيع أن يُخلي مداره من الكواكب الجنينية أو الكويكبات كُنّس كَنَسَ الموضع يَكْنُسُه، بالضم، كَنْساً: كَسَح القُمامَة عنه
لم يستطع العلماء التوصل الى تصنيف الكواكب إلا بعد أن أصبح لديهم في القرن الحادي والعشرين ما يكفي من العلم والتكنولوجيا لمعرفة حقيقة نظامنا الشمسي، مما يطرح السؤال التالي: كيف لآدمي أن يدلي بهذا الوصف دون أن تتوفر له الوسائل العلمية الحديثة؟
جاء هذا القسم ليخبرنا جلّ جلاله بـ
{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } التكوير – 19: يقول تعالى ذكره: هذا القرآن لتنزيل رسول كريم، يعني جبريل، نزله على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم. أليس هذا بقسم عظيم؟ { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ }،
بقلم: حسين أحمد كتّاب
تالياً، تمثيل للسحابة السديمية والكواكب في مرحلة تكونها حيث توضح تكوّن النجم الرئيسي في الوسط والكواكب في المدارات الخارجية