دمشق .. بغداد .. القاهرة .. أما آن أن تعودوا
أحمد عبد الحافظ
هن قواعد الإسلام: دمشق .. بغداد .. القاهرة، تشابهن في الحضارة والخراب، تشابهن في السلام والحرب، تشابهن في العلم والجهل، تشابهن في العدل والظلم !!
قـواعــدٌ كـنَّ أركـانَ الـبلاد فما
عـسى الـبقاءُ إذا لـم تبقَ أركانُ
يكاد قلبي يعتصر ألمًا وصدري يختلج حزنًا، وأنا أكتب تلك الكلمات عن حالٍ غدت إليها تلك العواصم التاريخية للإسلام، تلك العواصم التي كانت في يومٍ من التاريخ نور في ظلمات الأرض !!
(1) دمشق الفيحاء
إنها دمشق
ياسمين الشام ودرة الإسلام، دمشق الفيحاء عاصمة الخلافة ومسكن بني أمية، أرض الإيمان التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: "فإذا وقعت الفتنُ فإن الإيمان بالشام"، إنها دمشق أرض الملاحم وفسطاط المسلمين، وخير منازِلهم عند الفتن. لِمَا لَا وهي عقر دار المؤمنين.
صَفَت دُنيَا دِمَشق لِمُصطَفِيها *** فَلَسْتُ أُرِيدُ غَيرَ دِمَشق دُنْيَا
السلام عليكِ يا دمشق، ماذا أقول فيك ؟! وبماذا أكتب بمداد أقلامي ؟! وكيف أعبِّر عنكِ بما يدور في خَلَدي ؟!
"آه يا دمشق.. كم في ثراك من عابد، كم في جوفك من زاهد، كم في بطنك من مجاهد، كم في حشاك من ساجد. أنت يا دمشق سفر خلود، وبيت جود، منك تهب الجنود، وتحمل البنود. يصنع على ثراك الأحرار، ويسحق على ترابك الاستعمار، ويحبك يا دمشق الأخيار؛ فأنت نعم الدار. تقطع إليك من القلوب التذاكر، من زارك عاد وهو شاكر، ولأيامك ذاكر، يكفيك تاريخ ابن عساكر، صانك الله من كل كافر".
بِوَجـهِ دِمَشـق يُكتَمَـلُ الجمـالُ *** وَيَسمُـو فِي مَرَاتِبـهِ الكَمالُ
لَو السَّبعُ الطّوالُ ظَهَرنَ فِيهَا *** غَنَّتْ حُسنَها السبعُ الطوالُ
يقالُ الشِّعرُ فِي الفَيْحَاءِ مَدْحًا *** لِكَي يَرْقَى القَصِيدُ بِما يُقالُ
إنها دمشق صفوة الله من أرضه وفيها صفوته من خلقه وعباده، في دمشق معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز والشهيد نور الدين محمود، فيها كان النووي وابن عساكر وابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير، فيها كان زهد الأولياء، وسحر الشعراء.
من دمشق خرجت جيوش المسلمين تفتح هنا وهناك، فخرج منها مسلمة بن عبد الملك وقتيبة بن مسلم ومحمد بن القاسم الثقفي، وغيرهم الكثير والكثير، خرجوا بجيوشها فاتحين ولدين ربهم ناشرين، فبدمشق ومنها كانت دولة الإسلام التي لم يشهد العالم لها مثيل، لقد امتد دولتها من الصين شرقًا حتى جنوب فرنسا غربًا.
كيف غيَّرت الأيام حالك يا دمشق ؟! ماذا دهاك ؟! كيف أنتِ الآن ؟! ماذا جرى يا دمشق لحكَّامك ؟! أتتركيهم يقتلون شعبك المسكين ؟! أتتركيهم يا دمشق يُيَتِّمون صغارك ويذبِّحون كبارك، يرمِّلون نساءك ويستحيون فتياتك ؟! أتدعيهم يا دمشق يدمِّرون حضارتك ببراميلهم المتفجرة، ويخرِّبون أزهارك بأسلحتهم الكيماوية ؟!
وَا ضَيعَتَاهُ وَلَا مُجيبَ لِصَوتِهم *** فالمُسلمونَ المُتقونَ عِثارُ
مَـا بَيـنَ مُستبقٍ لقصرِ رئـاسةٍ *** و الوَاهميــنَ بأنهــمُ ثوارُ
عذرًا يا دمشق !!
نَامَتْ جُيوشُ الفاتِحينَ فَلَا تَرَى *** جُندًا لَهُم ضِدَّ الهوان تُثارُ
لا بأس يا دمشق لا باس، لا تيأسي فالمجد لكِ.
َيا شَامُ عَهْدًا سَأُورِي الدَّمْعَ صَاعِقَةً *** مِنَ الدُّعَاءِ تُوَاتِيهِمْ فَلاَ تَذَرُ
يَا شَامُ لاَ تَيْأَسِي فَاليَأْسُ مَهْلَكَةٌ *** وجَدَّدِي العَزْمَ إِنَّ العَزْمَ مُنْتَصِرُ
أما آن لك أن تعودي يا دمشق ؟! لا تتركينا نبكي على ذكرى حبيب ومنزل !!
|