شتاء 1997
المكان : جبال صلاله
الزمان: ليلة شتوية مطيرة مع عاصفة عابرة
لا أدري كيف يكون حال الذين يصارعون العواصف في البحار والمناطق المتجمدة ولكنني لازلت أذكر تلك الليلة كأنها ليلتي هذه . هي ليست لحظات للتذمر وسب الماضي بل نحن نحب الماضي لأنه مضى ولو عاد لكرهناه . كنت في عطلة نهاية الأسبوع حيث اوصلني أبي لمساعدة جدي في الجبال حيث أبقارنا التي نسرح خلفها وخلف مراعيها كلما سمعنا بغيمة عابرة . هي ليست مسألة شكوى من ماض أليم ومخيف لطفل في الثانية عشر من عمره . هي ليست مسألة اعتراض على واقع مؤلم وحياة يسودها الفقر وشظف العيش والمشقة. هي ليست شيئ من الكره ولا نوعا من الحقد الدفين ولا احاسيس تقودها الغيرة والحسد . هي فقط لحظات لا تزال عالقة في ذهني . كانت ليلة لا أريد لأحد أن يعيشها حيث لا مأوى يقينا المطر ولا يصد عنا البرد القارس وتلك الأصوات التي تصدرها العاصفة كأنها وحش كاسر بلا رحمة يسخر من طفل تحت زخات المطر . أعترف أنني كنت أبكي ولكن الدمع حينما يختلط بالمطر الذي يتساقط زخات زخات على رأسي لم يترك لجدي فرصة اكتشاف حقيقة ذلك الطفل الذي لم تترك له الأمطار من ناره إلا الرماد وقد انكمش حول نفسه يعدها بأن كل شيء سيكون على ما يرام . اعترف ان البرد القارس اشعرني بالجوع لم يكن لدي إلا اللحم المقدد والماء . وما ان اشعلت النار بصعوبة حتى رأيت مع نورها أمل وقوة . اعترف انني كنت أشوي اللحم ونبضي متسارع لأنني أعلم أن في الجبل ذئابا جائعة قد تصلها رائحة اللحم . لم يمنعني البرد من اكل اللحم الذي ما ان ابعدته عن النار حتى صار باردا جدا يعلوه الدهن . كان المطر يهاجمنا بين لحظة واخرى وكأنه جيش يعيد شحن قواته . توقف المطر وكنت حريصا على ابقاء ناري مشتعلة وفجأة اطلق الذئب عواءه الحزين وكأنه يرسم في مخيلتي أن الذي أتعبك أتعب غيرك . خفت كثيرا تلك الليلة وكنت أشعر بالنعاس لكنني لم أجرؤ على النوم مثل جدي فأطلقت العنان لعقلي واطلقت رصاصة مدوية تفجر سكون الليل لتنطلق كالجمر الطائر نحو السماء في تلك الليلة الحالكة السواد . نهض جدي وطلب مني الخلود للنوم لأن غدا أمامنا عمل شاق من حلب ورعي . كنت أقتل الصمت ويقتلني حتى مل صبري وأخبرته أنه بلا قلب ولا رحمة وأنني لا أريد البقر والرعي وأنهم لا يحترمونني كطالب متفوق في الدراسه أنني أكرههم كلهم .
نعم لا أزال أذكر أنني قلت لجدي أكرهك وكنت أبكي وأنوي العودة في الصباح كي ألعب مع زملائي في العطلة . نمت ودموعي على خدي واستيقظت في الصباح الباكر نشيطا أتجول لأرى ماذا فعلت العاصفة . أحببت منظر الضفادع في المستنقعات وزغارد الطيور فرحا بالمطر ومع تلك النسمة الباردة تناسيت ما كنت أنوي فعله ليلة البارحة....احسست أن رسالتي التي دونتها في مخيلتي ليلة البارحة كانت مكتوبة على الماء فقط.
اطلقنا الأبقار للجبال ومشيت خلفها ولسان حالي يقول : لا بأس بليلة أخرى هنا .
آخر تعديل السهم الأخير يوم
20 - 12 - 2014 في 06:04 PM.