ماذا فعل سيف الله المسلول خالد بن الوليد بـ70 ألفاً من الأسرى الفرس في معركة
أقام الفرس مع نصارى العرب في العراق تحالفاً لقتال قوات المسلمين التي يقودها خالد بن الوليد والتي ألحقت بهم آلاف القتلى في معارك سابقة .
واصطف جنود التحالف المجوسي الصليبي بقيادة “جابان”، وصادف وصول خالد وجيشه أن الجيوش الفارسية والصليبية قد أعدوا طعام الغذاء وجلسوا للطعام، وعندها أمرهم القائد العام ‘جابان’ بأن يتركوا الطعام ويستعدوا للصدام مع المسلمين، ولكن الغرور والكبر داخلهم؛ لأن تعدادهم كان يفوق المائة والخمسين ألفًا! وخالفوا أمر قائدهم ثم خالفوه مرة أخرى عندما أمرهم بأن يضعوا السم في الطعام؛ فإذا ما انتصر المسلمون وأكلوا من هذا الطعام ماتوا!
عندما رأى خالد وجنوده هذا الغرور والكبر من جنود التحالف أصدر أوامره بالهجوم مباشرة عليهم، وبدأ القتال الذي صار ينتقل من حال إلى أشد منه لقوة الحقد والحسد الصليبي على المسلمين، وكذلك صبر الفرس، طمعًا في وصول قائد الفرس “بهمن جاذويه” بالإمدادات من المدائن عاصمة الفرس، ولقي المسلمون مقاومة عنيفة منهم،
واشتد القتال وتقارع الأبطال وتأزم الموقف وتطايرت الأشلاء وانسكبت الدماء وكان الوقت عصيباً على الطرفين، فوقف خالد وقفة مع خالقه وناصره في وسط المعمعة، وأقسم عليه قائلاً: “اللهم لك عليَّ إن منحتنا أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحداً أقدر عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم”، فاستجاب الله لدعاء سيفه ومنح المسلمين أكتافهم فنادى منادي خالد “الأسر الأسر، لا تقتلوا إلا من امتنع من الأسر”، فأقبلت الخيول بهم أفواجاً يساقون سوقاً وقد وكَّل بهم رجالاً يضربون أعناقهم في النهر، ففعل ذلك بهم يوماً وليلة، ويطلبهم في الغد ومن بعد الغد، وكلما حضر منهم أحد ضربت عنقه في النهر وقد صرف ماء النهر إلى موضع آخر، فقال له بعض الأمراء: “إن النهر لا يجري بدمائهم حتى ترسل الماء على الدم فيجري معه فتبر بيمينك”، فأرسله فسال النهر دماً عبيطاً فلذلك سُمّي “نهر الدم” إلى اليوم، فدارت الطواحين بذلك الماء المختلط بالدم العبيط ما كفى العسكر بكماله ثلاثة أيام وبلغ عدد القتلى سبعين ألفاً”. (انتهى من البداية والنهاية، بتصرف). ولذلك تجد الفرس -وإلى اليوم- يبغضون خالداً أشد البغض (باسم القومية تارة، وباسم الرفض تارة أخرى).
ثلاثة أيام وخالد والصحابة والتابعين يضربون أعناق من استسلم من الفرس!! ولذلك لمّا قصد خالد دومة الجندل قال الأكيدر لأصحابه، وقد كان مِن أعظم أمراء دومة الجندل ومِن أعقلهم: “أنا أعلم الناس بخالد، لا أحد أيمن طائر منه في حرب ولا أحدَّ منه، ولا يرى وجه خالد قوم أبداً – قلّوا أم كثروا- إلا انهزموا عنه، فأطيعوني وصالحوا القوم”، فأبَوا عليه، فقال: “لن أمالئكم على حرب خالد” وفارقهم، ولكن خالداً قبض عليه وقتله، ثم فتك فتكة “خالدية” بدومة الجندل..
وهذا هو تحقيق قول الله تعالى: [فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ]، فقد بلغ صيت خالد بلاد فارس كلها، بل إن أخبار انتصاراته وشدته على أعدائه وصلت الروم في الشام فكانوا في راحة ودعة وسعة لبعد خالد عنهم، فلما وصل خالد إلى الشام ارتجت البلاد وانخلعت قلوب الروم وخارت قواهم وأيقنوا بأن السيف الذي أطن أيدي الفرس قد استدار حده ناحيتهم ليفصل الرقاب عن الأجساد، فكانت اليرموك والفتوحات على الطراز الخالدي “ضرب الأعناق، وضرب الرقاب، وضرب كل بنان، وإثخان”..
وقد وصل خبر ما فعله خالد بن الوليد للخليفة أبو بكر، فقال كلمته الشهيرة: ‘يا معشر قريش! عدا أسدكم [يعني خالدًا] على الأسد [يعني كسرى والفرس] فغلبه على خراذيله [أي على فريسته]؛ أعجزت النساء أن ينشئن مثل خالد! ‘
منقول : البداية والنهاية لابن كثير