هل نحاسب يوم القيامة على الأمور الدينية التي نجهلها؟
إنّ الله تعالى لا يحاسبك على ما تجهله من الأحكام الشرعية إذا كانت لا تتعلّق بعملٍ تقوم به، ولكنّك تُسأل أمام الله عن كلّ عمل تقوم به إذا لم تعرف أنّه حرام أو حلال وإذا لم تسأل عن أحكامه الشرعية لان العلم متاح على ظهر الكرة الأرضية كلّها، والكتب مطبوعة ومترجمة، والفضائيات والإنترنت تجيب على أسئلة كلّ من يريد أن يعرف الحكم الشرعي في أيّ مكان كان
المطلوب هو العلم بالأمور
التي تريد أن تعملها؛ فلا بدّ أن تعرف في كلّ مسألة تريد القيام بها: هل هي حرام أم حلال؟ وما هي تفاصيل الأحكام الشرعية المتعلّقة بهذه المسألة؟
فإذا أردت أن تصلّي مثلا فلا بدّ أن تتعلّم أحكام الصلاة، وحين تصوم في رمضان لا بدّ أن تتعلّم أحكام الصيام، لكن ليس مطلوباً منك أن تتعلّم أحكام الزكاة إلاّ إذا وُجد عندك من المال ما تجب فيه الزكاة، فيجب عليك عند ذلك أن تتعلّم تفصيل أحكام الزكاة في هذا الموضوع، أمّا قبل ذلك فيكفي أن تعلم أنّ الزكاة مفروضة على المسلم في ماله إذا بلغ مقداراً معيّناً زائداً عن حاجته.
وليس مطلوباً منك أن تتعلّم تفاصيل أحكام الحجّ. بل يكفي أن تعلم أنّ الحجّ فريضة على المستطيع مرّة في العمر. حتّى إذا صرت مستطيعاً وأردت الحجّ فعليك أن تتعلّم أحكامه.
وإذا لم يكن عندك تؤجّره فلا ضرورة لتتعلّم أحكام الإجارة. لكنّك إذا صرت تملك مسكناً أو محلاّ تجارياً وأردت أن تؤجّره فيجب عليك أن تتعلّم أحكام الإجارة … وهكذا
ما وجب عليك عمله وجب عليك علمه
ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) متفق على صحته، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).
أقسام طلب العلم :
طلب العلم ينقسم إلى قسمين :
الأول / فرض على الأعيان :
أي واجب على كل مسلم ، ومن لم يتعلمه فهو آثم ، كأحكام الصلاة ، والصوم ، ... والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ....
الثاني / فرض على الكفاية :
وهو الذي لا يجب على جميع أفراد الأمة ، بل إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، كتحصيل الحقوق ، وإقامة الحدود ، ومعرفة دقائق الأحكام في مسائل النكاح والطلاق والبيوع والقضاء وأمثال ذلك ، مما لا يسع جميع الناس معرفته والتوصل إليه ، لأنه ربما ضاعت أحوال الناس ، ونقصت معايشهم ، وتعطلت مصالحهم ، فلابد من تفريغ البعض للقيام بمهمة طلب هذا العلم
قال تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " [ الذاريات ] ، ولا طريق لعبادة الله تعالى على وجه الحق إلا بالعلم الشرعي ، فهو سلم الوصول إلى الله تعالى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم . . . " .
قال الفضيل بن عياض رحمه الله : كل عمل كان عليك فرضاً ، فطلب علمه فرض ، وما لم يكن العمل به عليك فرضاً ، فليس طلب علمه عليك بواجب .
قال تعالى : " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " [ التوبة 122 ] .
قال القرطبي رحمه الله : " هذه الآية أصل في وجوب طلب العلم .
أما حال الأمة اليوم فحال لا يرضي عدواً ولا حبيباً ، فبدل أن يعكف كثير من الناس على دراسة أمور دينهم ، وما ينفعهم عند ربهم يوم
القيامة ، نراهم ركنوا إلى الدنيا ورضوا بها سكناً ومستقراً