اسجد واقترب..!!
تجمعنا كلعادة فوق سطح بيت عباس و كان عباس كعادته محتاس و كانت انا اول الحاضرين
و لحقنى كلعادة متأخرا محروس الذى وصل يحمل اكياس الليل و اخره و كعادتنا انتظرنا وصول مجدى
الذى وصل اخيرا بعد ان فقدنا الامل فى حضوره و كان مجدى الضلع الغريب فى مربعنا
فكان هو ابن الناس المبسوطين و كان وحيد عند والديه فقد عهدناه مدلل منذ نعومه اظافره
و وصل مجدى و هو مبتسم كعادته و رائحة البرفان الفرنسى تسبق حضوره
و اصوات كعب حذائه الاسبانى تسبقه و دخل علينا قائلا مساء الجمال
فنظرت اليه دون اى حركة اما عباس المحتاس لم يكن فى الفورمة كعادته منذ زوجه
فعباس يعمل موظف فى شركة الكهرباء و هو محصل و متزوج منذ سنين و له من المشاكل
اقصد الاطفال اربعة و زوجته التى تحولت مع الزمن الى زوجتين بسبب العادت الغذائية السيئة
و قله الحركة و ايضا هناك امه التى تسكن معهم فوق هذا السطح المكون من حجرتين و بسبب كل
هذا تحول عباس من شاب رياضى من الدرجة الاولى فى الكرة الشراب و التنس طاولة
الى اب فى حاله يرثى لها
لا تراه يضحك الاا عندما نتذكر ايام شاببنا
و كان يجلس على الطولة محروس و محروس متزوج ايضا منذ سنين لكنه لا ينجب
و كلنا لا نعلم السبب فترى قبل ان نستنشق المخدرات يقول العيب من زوجته
و مرة اخرى يبكى بعد تعاطى المخدرات يقول و يشكى العيب منى
و لكنه عندما ينظر لعبس يضحك و يبكى
يبكى على استناشقه لطفل يحرسه و يضحك لئنه معايش لحاله عباس
و يعلم كيف عباس بلعيال و امهم محتاس
اما انا و مجدى فكنا الائن فى الخمسه و الثلاثين دون زواج او تفكير فيه
لكن مجدى سبق له الزوج العرفى و له ابن لكن بسبب المشكلات بينه
و بين حبيبته او زوجته لا اعرف كيف اصنفها
اخذت الولد و ابتعدت و اخر ما سمعته من مجدى انها بلولد فى احدى الدول العربية
و كان اخر مرة مجدى رأى فيها ابنه منذ عشرة سنين
اما انا حاولت مرار ان ارتبط بفتاة لكنى كنت دئما القى الفشل
و كنت اعيش فى قمه الانبساط و الراحة
اثناء حياة امى لكن عندما رحلت مثل اى شئ حلو يرحل
بدأت فى الاحساس بزييف حياتى
بدأت انظر الى مستقبلى كيف سيكون
فأختى الكبرى فى بيتها مع زوجها و اطفالها لم تعد تسال عنى الاا فى المناسبات
اما اختى الصغرى فهى الاخرى دئما تتنقل مع زوجها لئن عمله يحتم عليه التنقل الدائم
لكنها تتابع معى احوالى على الانترنت احيانا او التليفون
و اولادها يراسلونى بريديا
و ها انا عمرى خمسة و ثلاثين و اعيش وحيدا فى شقة اربعة غرف
و حتى عملى فى المدرسة فانا نسيت ان اخبركم انا مدرس تاريخ تركته
بعد ان قطعت علاقتى الغرمية بلمديرة فقد طردتنى
و ها نحن نتجمع هنا على هذا السطح كل يوم خميس و جمعه و سبت و احد و اثنين و تلاثاء و اربع
اى كل ايام الاسبوع نتجمع و ندخن الحشيش
و نحن على هذا الحال منذ سته عشر سنه
تغير العالم و تغير الزمان و نحن لم نتغير
...... لا تغيرنا حقيقة لا اعرف فانا عندما ارجع بذاكرتى للوراء اغرق دئما
و بداء محروس فى رص الاحجرة لنشربها على الجوزاة التى هى النرجيلة فى بعض الدول الاخرى
و جلس مجدى بجانب الكاسيت ليشغل لنا اغنيته المفضلة الحياة حلوة بس نفهمها
و الغريب انه يتحرك بهذا الشريط فى كل مكان
فى سيارته فى حجرة نومه فى مكتبه كدت انسى ان اخبركم انه يعمل فى مكتب طيران العروبة
و هو مكتب طيران لا يحجز فيه احد و هذا ما قاله لى مجدى
اما عباس فكان ممسك بلجوزا منتظر اشعالى للفحم
اما انا جلست اتابعهم و انا اهوى على الفحم ليشتعل
و اثناء كل هذا دخل علينا رجل مسن ذو لحيه بيضاء كبيرة يرتدى عباءة و كانت رائحة المسك و العود
قد سابقته تنشد بقدوم هذا الرجل
و دخل الرجل المكان فقال السلام عليكم
فنظرنا نحن الاربعة لبعض دون اعطاء اى رد لرجل
فقال لى مجدى الذى كان قد التهم الحشيش فى فمه و ابتلعه من الخوف
ان يكون الصاعد ضابط شرطة
ده مين ده
فنظرت له بغضب انت بلعت الحشيش
فصعق عباس و محروس اكلت الحشيش يا بن الكلب
افسدت اليوم
فقال الرجل مرة اخرى السلام عليكم
و لكننا كنا نضحك كلنا على مجدى الذى وقع فى الارض من الضحك
و الخوف فى أن واحد
فنظرت انا للرجل و قلت له من انت
فقال لى الاا ترد السلام اولاا
فقلت له اسف و عليكم السلام من انت
فقال انا عابر سبيل
فقاطعه مجدى و هو على الارض مضحكا بل عابر سطوح
فضحكنا كلنا حتى الرجل ابتسم
فقال اتسمحون لى بلجلوس معكم
فنظرنا كلنا نحوه و نطق عباس اخيرا
اجلس كده كده اليوم رايح رايح
و طلب من محروس ان يقوم بعمل شاى اسكندرانى
للجميع اما مجدى كان مايزال يضحك كعادته و ربما لفرحه لبلع كل الحشيش
و جلسنا فى سكوت حتى الكاسيت توقف بتوقف النور عن المنطقة كلعادة فى الشتاء
و جاء محروس بلشاى و السكر
فسال الرجل كم معلقة سكر يا حاج
فقال معلقة واحدة ياابنى
و كنا نشاهد بصمت و كان محروس يعرف مقدار سكر كل واحد فينا
فقد اعد لنا الشاى طوال هذه السنين
و فى لحظة قطع الرجل العجوز السكوت
قائلا اتعلمون كم عمرى فقلت له كم تسعين فقال اصبت
فنظرنا لبعض و نحن فى حاله انبهار فلم نتصور يوما ان نصل لهذا العمر الطويل
بسبب ظروف حياتنا و حزننا و ما نتناوله من طعام مسرطن و ماء ملوث
فقد كان انقى ما نتناوله فى هذا العصر الحشيش
فقال هل تعلمون انى كان لى ثلاثه اصدقاء و كنا نجتمع يوميا فى مكان خاص بنا نسهر للصباح
فتعجبنا و جذبنا الحديث لمعرفة المزيد من حياة هذا الرجل صاحب التسعين سنه
فالسهرة قد انتهت و لا نملك حشيش لا نملك الاا سجائر و شاى و سكر و معسل و شريط به
اغنيه واحدة مكررة على الشريط كله و هى الحياة حلوة
فقال الرجل كنا نحن الاربعة منذ صغرنا اصدقاء فعلنا الكثير و الكثير سافرنا و فرحنا و حزنا
تزوجت انا و اخر و لم يتزوج اثنين
فنظرت انا و مجدى لبعض فى دهشة و انا اتسال من هذا الرجل
و قال هذه القصة طويلة سأرحل الائن
فنظرت الى كوب الشاى فى يده لم يمتص منه رشفة واحدة
فقلت له انت لم تشرب الشاى
اجلس
قال بلى فقد قرب ميعاد صلاة الفجر يجب ان اذهب للمسجد
قلت له بعد تشويش فى راسى هل لنا ان تخبرنا بلنهاية
فنظر لى و ابتسم ابتسامه غريبة و عينه برقت فى ضوء الليل
قال من تزوج و انجب اولاده اليوم يتذكرونه و الناس تتذكره و اخر ايامه
عامله اولاده المعامله الحسنه و مات مطمئن
و واحد من من لم يتزوجوا اصيب بمرض و ظل اخر ايامه يعانى وحده و وجدوه فى اخر ايامه قد انفجرت
جثته بعدما مر على وفاته اسبوع و لم يكتشف الجيران وفاته الاا بعدما فاحت رائحه العفونه
فى العمارة و لا نعرف اين دفن فقد تم دفنه بتابعيه للمستشفى
اما الاع الثانى فقد تزوج و انجب و التزم و هو الائن فى المملكة السعودية له شركه عطور
و كنت ازوره قريبا
اما انا فكنت متزوج و لم انجب لكنى كفلت اطفال يتامى و كبروا
و الائن يهتمون بى و يزرونى و يسهرون على راحتى
و سكت لكن قد غيم علينا سحاب من الاندهاش و التعجب
و انا لا اعرف ماذا كان يدور بدخل عقولنا
لكن ما كان يدور بدخلى هل تكون هذه نهايتى
فقطع الرجل الصمت و قام و ترك كوب الشاى الذى لم يشرب منه شئ
و قال لنا السلام عليكم انا ذاهب لكى اصلى
و لم يرد عليه احد من الجالسين و اخذ يمشى دون الالتفاف الى الورا ء فى طريقه للباب
لكنى قاطعته و قلت له
كيف التغير
كيف نتغير
قال
اسجد و اقترب
اسجد و اقترب
و عبر الباب
فهرولت خلفه و جرى معى كل اصدقائى
و لكننا نظرنا من فوق و لم نرى احد ينزل على السلالم
فنزلنا نجرى الى الشارع فلم نجد احد
و على اخر الشارع بقرب المسجد وجدنا رجل يقف فسألنه هل مر احد من هنا قال لا انا اقف منذ فترة
و لم يمر احد
و كنا ننظر لبعضنا فى حيرة اين هذا الرجل
فوصفنا لرجل شكل هذا الرجل قال ابدا
فدخلنا المسجد لم نجد اى رجل يرتدى مثله
و فى لحظة رفع الاذان للصلاة
فشعرت بقشعريرة فى بدنى و كاننى اول مرة اسمع النداء
و وجدت اصدقائى يذهبون قبلى الى مكان الوضوء
و كنا نتوضاء نحن الاربعة بجانب بعض و كانت دموعنا تتساقط لم نجتمع يوم بين جدران مسجد
و جرينا الى الصلاة و صلينا الفجر و قد قام الامام بقرأة هذه الايات
:{ قل يعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم*
يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون وأنيبوا الى ربكم وأسلموا له من قبل أن
واتّبعوا أحسن ما أنزل اليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون
أن تقول نفس يحسرتي على ما فرّطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين
أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرّة فأكون من المحسنين أو تقول لو أنّ الله هداني لكنت من المتقين
(( بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين [الزمر 53-59].
و انا كنت قد صليت من قبل لكنى لم احس بلصلاة الاا هذا اليوم فقد انتابنى سمو روحانى غريب
فبكيت و انا راكع و انا كنت دئا اتسال لماذا يبكى الناس فى الصلاة
بكيت و انا اتدبر هذه الايات و انتهت الصلاة و جدت اصدقائى من حولى يبكون
و الناس فى المسجد الينا ينظرون نحن الاربعة نعرف بعض منذ زمان لم نجتمع يوما فى مسجد
لم نذهب يوم معا الى صلاة
و هنا تعنقنا و خرجنا نلف فى الشوراع نبحث عن هذا الرجل
و اخذنا نبحث عنه ايام و شهور
و مرت السنين و تغيرنا و تغيرت حياتنا الى الافضل فى طاعه الله
بحث مجدى عن زوجته و عاد اليها و عاد الى ابنه هو الائن
فى المملكة السعودية مقيم و ملتزم و مكون اسرة و قد رزقه الله بفتاه جميلة
و عباس تحسنت احواله و كبر اولاده و محروس كفل اطفالاا و بعد سنين رزقه الله بتوائم فتاه و ولد و يربى الائن اولاده مع الاطفال الذين كفالهم و حياته سعيدة
و انا مازلت وحيدا لكنى اقتربت من الله و من الحين الى الاخر ازور اخوتى و احاول دئما الالتقاء بهم و جمعهم
و بعد كل هذا لا انسى انا و اصدقائى الاربعة
الرجل الذى علمنا فى كلمات معنى الحياة
فالدنيا فى الصلاة
و طاعة و رضاء الله
و مثل ماقال هذا الرجل الذى لم نعثر عليه يوم
فربما ليس له وجود
اسجد و اقترب
اسجد و اقترب