إذا كان الدليل على القاعدة هو في الاستثناءات فأين يمكن إذن البحث عن دليل عن حياة الفلاسفة
بالنسبة لـ نيتشه الاجابة واضحة : في عام 1874 كتب نيتشه ( لإختبار أية فلسفة ينبغي ان نحاول ان نكتشف فيما إذا كنا نستطيع العيش وفق تلك الفلسفة وهذا هو المعيار الوحيد للفلسفة التي تكون ممكنة وتثبت شيئا ما ) وهو المعيار الذي تم التغاضي عنه في اقسام الفلسفة في الجامعات.
وربما لهذا السبب ترك نيتشه تدريس الفلسفة في الجامعة بإعتباره نشاطا يتعلق ب (وضع معيار من الكلمات من خلال كلمات اخرى )
وكرس نفسه للبحث الفلسفي خارج الجامعة، اما بالنسبة للنصوص فقد كتب ( انا افضل قراءة ديوجين اللائيري
(( كاتب من القرن الثالث الميلادي الف كتاب حياة الفلاسفة العظماء ))
وإذا كان الدليل الساطع على الفلسفة يكمن في الحياة إذن ما الذي يمكن ان يكون اكثر فائدة من قراءة الحياة العظيمة التي عاشها الفلاسفة ) وكما يظهر لنا جيمس ميلر في كتابه الرائع ( الحياة الخاضعة للفحص)
Examined Lives
فان تفضيل السيرة التي كتبها ديوجين اللائيري عن حياة الفلاسفة على سير اشد صرامة كان عملا استفزازيا لانه كان تحديا لفكرة كانت قد اصبحت راسخة في زمن نيتشه، فكرة ان الفلسفة ينبغي ان تكون مشروعة ومنطقية بصورة موضوعية objectively valid
ومن دون الحاجة إلى غرائبيات خاصة او خبرات معينة تتميز بها حياة الفيلسوف، وديوجين اللائيري يمثل تقليدا قديما يرى في الفلسفة ليس مجموعة من التصورات بل ما يمكن تعلمه من خلال اتباع رجل حكيم، وهذا يعني احيانا اتباعه بكل معنى الكلمة أي متابعته اينما يذهب والاصغاء اليه ومراقبة تصرفاته في مواقف مختلفة، وكتاب حياة الفلاسفة يقدم للقارئ فرصا متنوعة ليحاول هذه الطريقة مع عدد من الفلاسفة ومن ثم ليرى اي منهم هو الافضل، وميلر متحمس جدالأخذ ديوجين كنموذج، بينما يحاول في نفس الوقت استخدام هذا النموذج ليثبت فيما إذا كان مثل هذا المنطلق لا يزال بوسعه ان يقدم لنا شيئا ذا قيمة، وهو في كتابه يغطي حياة اثني عشر فيلسوفا ابتداءا من سقراط وافلاطون وديوجين الكلبي وارسطو وسينكا وأوغسطين ومرورا ب مونتاني وديكارت ورسو وانتهاءا بكانط ونيتشة، ويحاول ان يستكشف بصورة انتقائية في حياة كل واحد من هؤلاء الفلاسفة وباحثا عن الاحداث الحاسمة والتحقيق في التغييرات التي اصابت الحياة الفلسفية لهم، العديد من القراء سيتفاجأون عندما يعرفون بان الفلاسفة ارتكبوا في حياتهم من الاخطاء بقدر ما يرتكب اي انسان اخر، ولكن ميلر وهو ايضا مؤلف كتاب عن سيرة ميشيل فوكو لا يكتفي بالبحث عن الاخفاقات او المداهنة بل يرينا بان هؤلاء الفلاسفة اصبحوا اكثر ميلا في التأمل في تلك الاخفاقات ويقترح بان مثل هذا الاتجاه يجعل من حياة الفلاسفة اقل جدارة للدراسة، نقطة البداية لديه هو سقراط الذي تشيع في حياته الاساطير اكثر من اي فيلسوف اخر وهو مصدر للعبارة المنسوبة اليه ( الحياة التي لا تخضع للفحص غير جديرة بان تعاش ) وهو الذي اصبحت حياته معيارا لبقية الفلاسفة، كتاب السير الاولى كتبوا بخشوع عن منطلق سقراط نحو الحكمة، عن عاداته في التجول في الاسواق مبتدئا بالحوار مع اي عابر سبيل او وقوفه طوال الليل في الشارع دون ان يتحرك مستغرقا في التفكير بمشكلة تشغله، ولكن ما يميزه عن بقية الفلاسفة هو طريقة موته التي اعادت تحديد معنى حياته، فبعد ادانته من قبل محكمة أثينا المتكونة من 501 مواطن والحكم عليه بالانتحار بشرب السم، نفذ سقراط قرار الحكم بكل هدوء، ولا يمكن تخيل قيمة اعلى للفلسفة من تلك التي قدمها سقراط ، وكما ينسب اليه قوله ( الا تعتقدون بان الافعال اكثر دلالة من الكلمات ؟) .