ثلاث معجزات علمية في سورة الزمر المباركة
أ د.حميد حسون بجية
بدءا لابد من الإشارة إلى أن القرآن الكريم الذي هو في الأساس كتاب تشريع لم يكن ليخلو من تلميحات كثيرة تنطوي على إشارات علمية مختلفة في شتى العلوم. فمثلا يذكر العلماء أن في القرآن أكثر من 750 آية مختصة بالظواهر الطبيعية(1). كما أن القرآن الكريم يذكر كلمة علم ومشتقاتها ما يقرب من 780 مرة(1).
كما أنه لابد من الإشارة إلى أن سورة الزمر-موضوع مقالنا الحاضر- لا تقتصر الإشارات العلمية فيها على ما سوف نورده، ففيها العديد من تلك الإشارات. وسنقتصر على أهمها.
1. بسم الله الرحمن الرحيم (( خلق السموات والأرض بالحق، يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل، وسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمى، ألا هو العزيز الغفار))الآية/5.
لقد خلق الله السموات والأرض لحكمة أرادها. والتكوير لغة طرح الشيء بعضه على بعض، أي إدخال الليل والنهار على بعضهما بالزيادة والنقصان(2). وسخر الشمس والقمر أي أجراهما على وتيرة واحدة إلى قيام الساعة. وفكرة التكوير تشير إلى دوران الأرض حول نفسها مما يولّد ذلك التداخل بين الليل والنهار. وهذا يدل على كروية الأرض، إذ لا تتم هذه الظاهرة علميا وعمليا إلا بتوفر تلك الكروية. وربما يعني التكوير اللف، وهو يؤدي نفس المعنى. وتدل على ذلك المعلومات المتوفرة عن الأرض. فهي تبعد عن الشمس ما بين (152 أو147) مليون كيلو متر، أو (149) مليون كيلو متر تقريبا كبعد وسطي. والأرض ليست كروية تماما إذ يقل قطرها بين القطبين بحوالي 42كيلو مترا عن قطرها عند خط الاستواء. فهي مسطحة قليلا عند قطبيها وذلك بفعل قوى الجاذبية وتأثير حركة دورانها حول نفسها(3). والأرض كوكب من بين كواكب تدور حول الشمس وهي تأتي خامسا من بين تلك الكواكب من حيث الضخامة، ويقول العلماء إن حركة الكواكب حول الشمس منتظمة ومستمرة فهي الآن كما كانت عليه منذ مائة مليون سنة وستكون هكذا بعد مائة مليون سنة. وهذا دليل على إحكام مذهل ودقة فائقة. وقد وصف القرآن الأرض في مكان آخر: (والأرض بعد ذلك دحاها)(النازعات|30)، و(إلى الأرض كيف سطحت)(الغاشية|20) و(الأرض مددناها)(ق|7)، وهو وصف للأرض على أنها مدحية ومسطحة وممدودة(4) وياله من وصف علمي دقيق!.
و يقول العلماء أن الشمس" تسبح إلى الوقت الذي ينفذ فيه وقودها فتنطفئ"(5) وهذا هو المقصود بمستقر الشمس.
2. (( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث)) من الآية /6).
فقد أثبت العلم الحديث أن الجنين-وأصل التسمية مأخوذ من (جنَّ) بمعنى استتر- يمر بثلاث مراحل هي المرحلة البيضية والمرحلة المضغية والمرحلة الجنينية. أما الظلمات الثلاث فتعني أن الجنين محفوظ بعدة أغشية أولها جدار الرحم وثانيها السلى وثالثها كيس شفاف يحيط بجسم الجنين مباشرة. وبين الغشائيين الأخيرين يوجد السائل الامينوسي يسمح الذي للجنين بالحركة، كما يمتص الصدمات التي تصيب بطن إلام. وقد وفر الخالق بعطفه وحكمته الغذاء للجنين من دم أمه عبر المشيمة بطريقة الاتشاح عبر الشعيرات الدقيقة في جدران المشيمة. وقد وردت أحاديث كثيرة متواترة عن الرسول(ص) وعن الإمام علي (ع) وعن الإمام الصادق(ع)تشير إلى تلك الظلمات الثلاث، مما لم يكن بحسبان العلماء إلا منذ وقت ليس ببعيد. فقد ظن العلماء أن الجنين يُخلق من الحيوان المنوي فقط، وأن دور رحم الأم التغذية فقط. وقد أثبت العلم الأحدث أن الجنين يُخلق مناصفة بين الرجل والمرأة. وقد ورد ذلك في سورة الإنسان الآية|2 (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج). وتعني كلمة(أمشاج) أي "من نطفة هي أجزاء مختلفة ممتزجة"(6).
3. (( ألم تر إن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض، ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه، ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يجعله حطاما. إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب)) الآية/21
فمصدر معظم المياه الجوفية هو الأمطار المتساقطة على الأرض. وهذا يقتضي أن تكون هنالك أنواع من الصخور تسمح بمرور الماء ونوع آخر منها صماء لا يستطيع الماء أن يسري خلالها بسهولة. فعندما يواجه الماء المتكون من المطر الحجر الرملي فإنه يخترقه بسهولة إلى أن يصل إلى نوع آخر من الصخور لا يدعه أن ينفد من خلالها. وبذلك تتكون الينابيع(7). كما سخر الخالق إخراج ذلك الماء متدفقا من الينابيع من بين فتحات الصخور وهي تحمل مواد معدنية مثل الكبريت والكلس. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فيشير القرآن إلى الجبال وكون ينابيعها مصدرا للمياه العذبة، مقارنة بما موجود من مياه مالحة في المحيطات والبحار(8). وقد ورد ذلك بشكل واضح في سورة المرسلات الآية|27 (وجعلنا فيها رواسي شامخات أسقيناكم ماء فراتا). هذا ناهيك عن عملية التصفية لتلك المياه في الجبال(9). كما أنه تعالى يقول في سورة الواقعة، الآيات| 68، 69، 70 (أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون، لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون). فسبحان الخلاق العليم!