الإعجاز العلمى في القران الكريم ,زواج الأقارب والمحارم عند الأمم
يعتبر أي زواج بين الأقارب من الدرجة الأولى، أي الأب مع البنت أو الأم مع الابن (وإن علا أو نزل بالنسبة لجهة الأب أو جهة الأم)، وزواج الأخ الشقيق مع الأخت الشقيقة، زواج أقارب من الدرجة الأولي، حيث يشترك هؤلاء في نصف الموروث الجينومي. واحتمال وراثة أي جين تبلغ 50%.
وبصورة عامة فإن البشرية تدين هذا النوع من الزواج أو الصلة الجنسية التي تعتبر محرمة تحريماً أبدياً، وهناك اختلاف في نظرة الأديان والمجموعات البشرية كما سنفصله بعد قليل في هذا النوع من الصلة الجنسية.
ويدخل في زواج الأقارب المحرم نكاح العم لابنة أخيه أو الخال لابنة أخته أو العكس. وهو نكاح تبيحه اليهودية والمجوسية وفرق من الهنادكة. ويشترك هؤلاء في ربع الموروث الجينومي. ونسبة الإصابة تصل إلي 5- 10بالمئة.
كما يدخل في تعريف زواج الأقارب بنت العم وابن العم وابنة العمة والخالة والعكس. وهؤلاء يشتركون في ثمن (1/8) الموروث الجينومي. وتبلغ أحتمال نسبة الإصابة بالمرض الوراثي (إن وجد) 3إلي 5بالمئة. وهو ما يعرف بدرجة ابن العم الأولي.
أما إذا كان الآباء أو الأمهات هم أبناء عمومه ويحصل الزواج بين ذراريهم أي أن الشخص يتزوج من ابنة ابن عم أبيه أو أمه فإن هذه الدرجة تدخــل في تعريــف زواج الأقــارب وهؤلاء يشتركون في 1/46 من الموروث الجينومي، ونسبة الإصابة بالمرض الوراثي ضئيلة، وهو ما يعرف بالدرجة الثانية من أبناء العمومة أو الخؤوله.
أما القرابة الأبعد من ذلك فلا تدخل فيما اتفق عليه باسم زواج الأقارب لأن اشتراكهم في الموروث الجينومي لا يفترق كثيراً عن بقية الأمة، وبالتالي فإن خطر الإصابة بالأمراض الوراثية يكون ضئيلاً جداً ولا يزيد عن بقية المجتمع.
تاريخ زواج الأقارب (نكاح الأقارب والمحرمات)
لقد خلق الله سبحانه وتعالي البشر جميعاً من آدم وحواء، قال تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) النساء:1.
وكانت حواء كما قالوا تنجب ولدين ذكراً وأنثى، في كل حمل. ولما لم يكن هناك بشر غير هؤلاء الأخوة. فقد سمح للأخ أن يتزوج شقيقته التي لم تولد معه. وبقوا على ذلك حتى تناسلوا. ثم حرم ذلك عليهم.
زواج الأقارب في التوراة والعهد القديم
وللأسف فإن التوراة تتحدث أن إبراهيم ÷ تزوج أخته من أبيه سارة. وفي سفر التكوين الإصحاح 20 يقوم إبراهيم- حسب زعمهم - بإعطاء زوجته سارة (ساراي) لملك جرار (أبيما لك) فجاء الله (حسب زعمهم) لابي مالك في الليل وقال له ها أنت ميت من اجل المرأة التي أخدتها فإنها متزوجة ببعل (التكوين الاصحاح 4/20) ثم إن أبيما لك عاتب ابراهيم حسب زعمهم على فعلته تلك فقال إبراهيم -حسب زعمهم - إني قلت ليس في هذا الموضع خوف الله البتة فيقتلونني لأجل امرأتي. وبالحقيقة أيضاً هي أختي ابنة أبي، غير أنها ليست إبنة أمي. فصارت لي زوجة (التكوين20/11-13)
وهذا كذب على إبراهيم عليه السلام، فهو قطعا لم يتزوج أخته من أبيه كما زعموا. وتتكرر القصة في سفر التكوين الإصحاح26ظ1-7 حيث يزعمون إن إسحاق أيضاً قدم امرأته إلى ملك الفلسطينيين أبيما لك (يبدو أن لقب أبيما لك لكل ملك فلسطيني) وقال له أن رفقه هي أخته بدلا من أن يقول أنها زوجته.
الكذب على لوط عليه السلام
وفي سفر التكوين من التوراة المحرفة الإصحاح 19/30-38 جاء ما يلي: «وصعد لوط من صوغر وسكن الجبل وابنتاه معه... وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقٍ أبانا خمرا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلا. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا قيامها، وهكذا أيضاً فعلت الصغرى فحبلت ابنتا لوط من أبيهما فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب وهو أبو الموآبيين إلي اليوم. والصغيرة ولدت أيضاً ابنا ودعت اسمه بن عمىٍ، وهو أبو العمونيين إلي اليوم»
وفي سفر التكوين الإصحاح 35/22 أن روابيين الابن البكر ليعقوب ذهب واضطجع مع بلهة سرية أبيه وأم إخوته. وسمع يعقوب بذلك حسب زعمهم ولم ينزعج من ذلك بل قام بمباركة روابين.
وتزوج يعقوب راحيل وأخبر يعقوب راحيل أنه أخو أبيها (أي عمها) (سفر التكوين الإصحاح 29/13)، وتزوج قبلها أختها ليئة (ليا) (التكوين الاصحاح 9. وكل هذه أكاذيب على الأنبياء عليهم السلام وعلى أسرهم.
وفي سفر الخروج الإصحاح الثاني أن عمرام (عمران والد موسي عليه السلام) تزوج عمته يوكابيد فأنجبت منه موسي وهارون وعدد من البنات.
ولذا فإن اليهود يسمحون بأن يتزوج العم ابنة أخيه أو العكس، والخال ابنة أخته أو العكس.
ورغم أن سفر اللاويين قد حدد المحارم اللاتي لا ينبغي الزواج منهن بل يحرم ذلك، إلا أنه لم يمنع العم من زواج ابنة أخيه ولا الخال من الزواج بابنة أخته، وفيه «عورة أبيك وعورة أمك لا تكشف. عورة امرأة أبيك لا تكشف. عورة أختك بنت أبيك أو بنت أمك المولودة في البيت أو المولودة خارجاً (وقد فسرتها الكاثوليكية بأختك من أبيك أو أمك من زواج شرعي أو من زنا) لا تكشف عورتها. عورة أخت أمك لا تكشف. عورة أبيك لا تكشف، إلي امرأته لا تقترب. عورة امرأة أخيك لا تكشف.. ولا تجعل مع امرأة صاحبك مضجعك... ولا تضاجع ذكرا مضاجعة امرأة. ولا تجعل مع بهيمة مضجعك.... كل من عمل شيئاً من هذه الرجاسات تقطع الأنفس التي تعملها من شعبها» أي تقتل (اللاديين 18/7-29)
وفي سفر اللاويين عقوبة الزنا هي الرجم (الإصحاح20/10-21) أو تحرق بالنار وخاصة إذا كانت الفتاة ابنة الطاهر.
وقد كذبوا على داود عليه السلام وزعموا أنه زنا بحليلة جاره ثم دبر مكيدة لقتل زوجها بطريقة حقيرة (سفر صموئيل الإصحاح 11/2-15)
ثم زعموا أن أمنون بن داود عليه السلام زنا بأخته ثامار وذلك بناء على نصيحة حكيم إسرائيل يوناداب. كما زعموا بهتانا أن ثامار قالت لأخيها غير الشقيق أمنون والآن كلم الملك (داود أباك) لأنه لا يمنعني منك (أي بطريق الزواج) ولكن أمنون أبي ذلك فزنا بها انظر (سفر صموئيل الثاني الإصحاح 13/1-16)
وقام أدوينا بن داود بمضاجعة زوجة أبيه الفتاة الصغيرة أبيشح الشونمية وعندما مات أبيه تزوجها (سفر الملوك الأول 2/13- 22)، وقد قام بتزويجها له حسب زعمهم أخوه الملك سليمان والتي توسطت في ذلك أم سليمان بتشبع، وهي التي زنا بها- حسب افترائهم- داود عليه السلام، وقتل زوجها أوريا الحثي ثم تزوجها بعد وفاة زوجها، وأنجب منها سليمان عليه السلام.
هذا غيض من فيض مما هو في الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى وهو المعروف بالعهد القديم الذي يضم التوراة (الأسفار الخمسة) والأسفار الأخرى التي نزلت بعد موسي عليه السلام.
نكاح الأقارب عند الأمم الأخرى
لقد اشتهر الفراعنة بأنهم كانوا يسمحون بزواج الأخ لأخته. وكانت كثير من ملكات مصر مثل الملكة نفرتيتي قد تزوجن بإخوتهن. واستمر ذلك إلي عهد البطالسة (وهم خلفاء لاسكندر المقدوني الذين حكموا مصر من عاصمتهم الإسكندرية التي بناها لاسكندر في القرن الرابع قبل الميلاد إلي العهد الروماني في عهد الملكة كليوباترة) وقد ذكر «ديودوروس الصقلي» وهو أشهر عشابي اليونان، والذي عاش في الإسكندرية، أن زواج الأخ لأخته كان مستمرا في مصر في عهد البطالسة (البطالمة).
وكانت فارس أيضاً تبيح زواج الأخ لأخته. وقد ذكر ذلك كثير من المؤرخين القدامي مثل هيرودتس وفيلون الاسكندرى. وكتب كثير من فقهاء الإسلام أن المجوس كانوا يبيحون ليس فقط نكاح الأخ لأخته بل ويبيحون الاتصال الجنسي بين العم وابنة أخيه والخال وابنة أخته وبالعكس... وكذلك ذكروا أنه لو أسلمت مجوسية فإن أباها وعمها وخالها وأخوتها المجوسيين لا يكونون محارم لها، ولا تسافر معهم، بل وذكر بعضهم أنها لا تنفرد بالبقاء مع أحدهم، ومنهم الإمام ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة حيث روي عن الإمام أحمد أنه سئل عن امرأة مسلمة لها ابن مجوسي وهي تريد سفرا، هل يكون لها محرما يسافر بها قال: لا. هذا يرى نكاح أمه فكيف يكون محرماً لها.
ونجد موقف الهندوس يختلف بالنسبة للزواج من الأقارب. ففي شمال الهند يمنع زواج الأقارب إلي الدرجة السابعة من جهة الذكر وإلي الدرجة الخامسة من جهة الأنثى، بينما نجد الهندوس في جنوب الهند يفضلون زواج العم لابنة أخيه والخال لابنة أخته، وذلك في ولاية اندرابرادش وولاية كارنا تاكا وولاية تاميل نادو كما أنهم يفضلون أن يتزوج المرء بنت خالته أو بنت خاله. وهو أمر يمنعه الهندوس في شمال الهند والسيخ.
المسيحية
نجد أن الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسيه تمنع زواج الأقارب بما في ذلك ابن العم وابن الخال وبنت الخال. ويمنع بعضهم بنت عم الوالد أو الوالدة ولابد من إذن خاص في الكنيسة الكاثوليكية ليتم الزواج الكنسي بين أبناء العمومة أو الخؤولة، بينما تسمح الكنائس البروتستانية بزواج أبناء العمومة والخؤولة ومن باب أولي بنت عم الوالد أو الوالدة. ورغم ذلك فإن البابا اسكندر السادس (1492-1503هـ) من عائلة بورجيا المشهورة بالفسق كان على علاقة غرامية مع ابنته اللعوب لوكريزا وانجب منها، كما كان ابنه سيزار على علاقة معها أيضاً.
البوذيون
يمنع البوذيون زواج الأقارب بما فيه أبناء العمومة والخؤولة من الدرجة الأولي والثانية. بينما يتساهل بعض السيخ أحيانا في أبناء العمومة والخؤولة.
الوضع القانوني
يختلف من بلد لآخر وأحيانا في نفس البلد مثل الولايات المتحدة حيث يختلف القانون من ولاية لآخري. فأبناء العمومة والخؤولة يسمح لهم بالزواج في المملكة المتحدة واستراليا. بينما تعتبر ذلك جنحة في 8 ولايات من الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتبره غير قانوني 31 ولاية أخري. بينما تسمح جزيرة رود لليهود بأن يتزوج المرء ابنة أخته أو ابنة أخيه.
وقد منع القانون الهندي للزواج لعام 1955 زواج العم والخال من ابنة أخيه أو أخته، ورغم ذلك فإن 21.3 بالمئة من الزوجات التي تمت ما بين عام 1980 و 1989 في مدينتي بنجلوروميسور (ولاية كارناتاكا) كانت ما بين العم والخال وابنة أخيه أو أخته.
نظام الأقارب والمحارم عند العرب قبل الإسلام وبعده
كان العرب يجمعون بين الأختين وهو أمر حرمه الإسلام بعد ظهوره كما كانوا يبيحون أن يتزوج الشخص زوجة أبيه. وقد منعهم الإسلام من ذلك وحرمه تحريماً شديداً وكان يجمعون عددا غير محدد من الزوجات فجعله الإسلام في أربع فقط.
قال تعالي « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا. حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالتكم وبنات الأخ وبنات الأخت. وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة. وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن. فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم. وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف. إن الله كان غفوراُ رحيماً. والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. كتاب الله عليكم. وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما) النساء:22-42.
وقد وضحت هذه الآيات الكريمات المحرمات من النساء، ونددت بما كانت الجاهلية تفعله من نكاح زوجة أو زوجات الأب. ووضحت سلسلة المحارم: الأم وإن علت ( الجدة) والبنت وإن نزلت ( الحفيدة) وأخواتكم وذلك يشمل الأخوات من الرضاعة حيث جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ز وتحرم العمات وإن علون ( أي عمة الأب أو الجد) والخالات ويشمل ذلك خالة الأب أو الأم. وبنات الأخ وبنات الأخت وإن نزلن أي ابن الأخ أو بنت ابن أو بنت الأخت.
وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة. وكل ما حرم بالنسب يحرم بالرضاع، وتحرم الربيبة سواء كانت في حجر زوج أمها أم لم تكن مادام قد دخل بالأم. وأما التي لم يدخل بأمها وإنما تم العقد عليها فقط ولم يتم الدخول بها ثم طلقها قبل أن يمسها فيجوز أن يتزوج ابنتها لأنها ليست ربيبة.
وحلائل الأبناء يحرمن حرمة أبدية بمجرد عقد الزواج بينهما وبين الابن، وإن لم يدخل بها الابن. وكذلك أم الزوجة تحرم حرمة أبدية وإن لم يتم الدخول بابنتها. وكذلك يحرم الجمع بين الأختين وأضافت السنة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها.
وأباح الإسلام الزواج من غير هؤلاء المذكورات نكاحا شرعيا بولي ومهر وإيجاب وقبول وشهود. ولا يجوز التعرض للمرأة المحصنة (المتزوجة) فهي لا شك داخلة في الحرمة حتى يتم طلاقها أو يموت عنها زوجها وتنتهي عدتها. وقد أباح الإسلام الزواج بأربع بشرط العدل بينهن في المبيت والنفقة وأما القلب فلا يملكه الإنسان والميل القلبي لهذه أو تلك لاجناح عليه فيه، مادامت شروط العدل موجودة قال تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، أو ماملكت أيمانكم ذلك أدني ألا تعولوا) النساء: 30.
وإذا أسلم شخص ما وعنده أكثر من أربع زوجات عليه أن يختار منهن أربعاً فقط ويترك الباقيات ( على خلاف هل هو طلاق أم أمر بالفرقة). فإن كانت التي يفارقها حاملا فعدتها إلي أن تلد، والولد ابنه أو بنته. وصواحب الحيض أو الإقراء عدتهن ثلاثة قروء.
وهناك تفاصيل فقهية كثيرة لاحاجة لنا بها هاهنا. وهل الفرقة فسخ أو طلاق ؟ خلاف كما أسلفنا بين الفقهاء.
سماحة المسلمين مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي
لقد تميز تاريخ المسلمين بالتسامح مع الأديان الأخرى الموجودة في البلاد الإسلامية، طالما أنهم يدفعون الجزية كما هي مقررة على كل رجل بالغ قادر فإذا كان فقيرا أو شيخاً كبيراً رفعت عنه. ولا جزية على الأطفال والنساء. يقول ابن الفيم في كتابه «إحكام أهل الذمة «نقر أهل الذمة على الأنكحة الفاسدة بشرطين: أحدهما ألا يتحاكموا فيها إلينا.... والثاني: أن يعتقدوا إباحة ذلك في دينهم»
فمثلا اليهود يقرون في دينهم ( المحرف) بجواز أن يتزوج العم ابنة أخيه والخال ابنة أخته أو العكس. فلا يمنعون من ذلك مادام ذلك مباحاً في دينهم.
وكذلك المجوس الذين يبيحون نكاح ذوات محارمهم لاعتقادهم جواز ذلك إذا لم يترافعوا إلينا، وهناك قولان في مذهب أحمد الأول إباحة ذلك لهم إذا لم يترافعوا إلينا، والثاني: عدم السماح لهم بذلك بناء على قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعدم جواز نكاح محارمهم والتفريق بينهم وبين ذوات محارمهم في الزواج. وهو اجتهاد من عمر رضي الله عنه. بينما قال آخر ون بالجواز واعتمدوا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» أخرجه البيهقي عن ابن عباس، ومالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن عوف. وابن ابي شيبة في مصنفه عن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم جميعا. وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث العلاء بن الحضرمي إلي البحرين وكانوا مجوسا فأقرهم على ذلك ولم يهجهم.
وإن اسلم الذمي ( من أهل الكتاب أو المجوسي) وأسلمت زوجته فإن كانت من المحارم تم التفريق بينهما، وإن لم يكن كذلك يستمرون على ما أسلموا عليه دون الحاجة لتجديد النكاح. وهناك قول بوجوب تجديد النكاح.
وقال ابن القيم أن مذهب أحمد لا يعقد نصراني ولا يهودي عقدة نكاح لمسلم ولا مسلمة ولا يكونان وليين، لا يكون ( الولي) إلا مسلما. وقد سأل رجل الإمام أحمد عن النصراني يكون وليا إذا كانت ابنته مسلمة، قال: السلطان أولى.
ولم يأذن الإمام أحمد للكافر أن يسافر بابنته المسلمة لأنه ليس لها محرما، والوضع أشد بالنسبة للمجوس لأنهم يبيحون نكاح البنت.
والغريب حقاً أن هؤلاء الغربيين الذين يدعون الديمقراطية وحرية الأديان لا يسمحون لأي مسلم بالزواج بأكثر من واحدة، ولو دخل بلادهم ومعه أكثر من زوجة للإقامة لا يسمحون له إلا بزوجة واحدة. بينما يسمح المسلمون في دولتهم لغير المسلمين بعقود النكاح الفاسدة بما فيها زواج المحارم مثل ما يحدث عند اليهود عندما يتزوج المرء ابنة أخيه أو ابنة أخته. أو ما يحدث عند المجوس بكافة أنواع الزواج مثل الأخت أو البنت بشرط أن يكون مباحا في دينهم وأن لا يتحاكموا إلينا بذلك.
زواج بنت العم أو الخال
كان العرب يدركون أن زواج الأقارب يوطد العلاقات الأسرية ويزيد التضامن بين أفراد العشيرة، ولكنهم كانوا يدركون أيضاً أن نكاح الغرائب أنجب ( أي أن أولادهن أكثر نجابة من زواج الأقارب).
ونتيجة لأهمية التلاحم الأسري والعشائري في المجتمع فإن الإسلام أباح زواج بنت العم أو الخال ( بنت العم من الدرجة الأولي ومن باب أولى بنت عم الوالد أو بنت خاله أو بنت عم الوالدة أو بنت خالتها. وأبناء العمومة أو الخؤولة يشتركون في ثُمن الموروث الجينومي، بينما يشترك أولاد العمومة أو الخؤولة من الدرجة الثانية ( بنت الوالد أو الوالدة أو بنت خال الوالد أو الوالدة) في 1/64 من الموروث الجينومي. وبالتالي فإن مثل هذا الزواج لا يؤدي إلا إلى زيادة ضئيلة جداً بالأمراض الوراثية.
وأما الزواج من العشيرة حيث يجمعهم الجد البعيد، فإن ذلك لا يزيد احتمالات الإصابة بالمرض الوراثي عن أي زواج آخر في المجتمع.
وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ابنة عمته أميمة كما زوج فاطمة من علي بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت زينب بنت جحش تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله سبحانه وتعالي زوجها من فوق سبع سموات بينما نساء النبي الأخريات زوجهن آباؤهن قال تعالى ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج ادعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) « الأحزاب: 37). وبذلك قضى الإسلام على التبني حيث كان زيد قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة عندما أبى زيد أن يرجع مع أبويه اللذين جاءا من اليمن بحثا عنه، وفضل البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ( قبل البعثة) على أبويه فتباه رسول الله ؟. ثم أبطل الله سبحانه وتعالي التبني قال تعالى (وما جعل ادعيائكم أبناكم ذلكم قولكم بأفواهكم. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) الأحزاب: 4- 5.
ويعاني الغرب من مشكلة التبني حيث تظهر علاقات محرمة وخاصة بين هؤلاء الأخوة بالتبني، وأحيانا تظهر العلاقة بين الأب بالتبني وابنته المزعومة. وهذه المشكلة لا وجود لها في المجتمعات الإسلامية بفضل الله تعالي.
تأثير زواج الأقارب على حدوث الأمراض الوراثية
إن الأمراض الوراثية التي تورث بصفة متنحية هي التي تزداد في حالة زواج بنت العم او العمة أو الخال أو الخالة ( أولاد العمومة من الدرجة الأولي) حيث أنهم يشتركون في ثُمن المخزون الوراثي ( الجينومي). وبالتالي قد تزداد نسبة المواليد بأمراض وراثية من 2 أو 3 بالمئة في المجتمعات التي ليس فيها زواج أقارب إلي ما يقرب من 4 بالمئة ومع ذلك فإن هناك عوامل أخرى غير العوامل الوراثية تلعب دوراً في الإصابة بالتشوهات الخلقية وقد يكون دورها اكبر من العوامل الوراثية.
وفي بحث للدكتور سالم نجم بعنوان زواج الأقارب ايجابياته وسلبياته منشور في مجلة المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي.
وفيه دراسة عن عائلة كبيرة من مكة المكرمة على مدي أربعة اجيال بلغ عدد أفرادها 1025 شخصاً والذين استوفوا شروط الدراسة 984 فردا. وكان زواج الأقارب في الطبقتين الأولي والثانية ( أبناء عمومه أو خؤوله) بنسبة 79بالمئة، والطبقتين الثالثة والرابعة بنسبة 56بالمئة.
ورغم ذلك فإن زواج الأقارب أنجب نسلا تفوق على المستوي العادي في المجتمع. ولم يكن هناك أمي في جميع أفراد هذه العائلة الكبيرة ذكوراُ وإناثا، كما كان بينهم عدد من الأدباء والعلماء والدبلوماسيين والأطباء. ولم توجد في العائلة تشوهات خلقية أو تخلف عقلي أو حالات إدمان مخدرات. ووجدت أربع حالات طلاق فقط في الدراسة كلها، وتم زواجهن ثانية من داخل الأسرة الأصلية.
وتدل بعض الدراسات الامبريقية( Empirical studies) على أن نسبة المراضة تزداد بنسبة واحد إلي أربعة بالمئة في المجتمعات التي فيها زواج الأقارب عن تلك التي لا يتم فيها زواج أقارب.
وعند دراسة العوامل المؤثرة على وفيات الأطفال في باكستان 1990/1991 وجد أن العوامل الهامة المؤثرة في ذلك هي أمية الأم، عمر الأم عند الولادة أقل من 20سنة، المدة بين الحملين أقل من 18 شهراً، مستوي المعيشة. ورغم ذلك فإن زواج الأقارب كان له دور في الزيادة بالنسبة لوفيات المواليد من الشهر الأول إلي السنة الأولى.
ولابد من دراسات أوسع في هذا الميدان لمعرفة تأثير زواج الأقارب على المراضة في مختلف الأعمار.
وتوضح الدراسات انتشار زواج الأقارب في العالم الإسلامي وجنوب الهند لتصل مابين 20 و50 بالمئة من جميع عقود الزواج بينما تنخفض إلي مابين واحد وعشرة بالمئة في أمريكا الجنوبية وأسبانيا والهند والصين والتركستان ( اوزبكستان وتركمانستان وقيرغيزيا وكازاخستان).
وتنخفض إلي أقل من واحد بالمئة في أوربا وروسيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا. ولكن المجتمعات المهاجرة في هذه البلدان ( أوربا والولايات المتحدة وأستراليا)، وخاصة من البلاد الإسلامية تشهد نسبة عالية من زواج الأقارب. وفي هذه المجتمعات تتجمع الأسر المتصلة بالنسب، ويكثر بينها زواج الأقارب، بينما يصعب على الشاب أن يتزوج خارج نطاق الأسرة الكبيرة وللمحافظة على الدين، والتقاليد، واقتصاديات الأسرة، وللتماسك والتضامن الأسري، ولإنجاح الزواج، فإن زواج الأقارب يشكل أفضل وسيلة للزواج الناجح اجتماعيا في هذه المجتمعات.