يواجه الفنّ التّشكيلي العربي المعاصر
تحديّات وتغيّرات عديدة في مواضيعه وأشكاله المعاصرة باعتبار أنّ الفنّ مرتبط بالأساس، بثقافة الإنسان وموروثه الثقافي، إذ، يقوم أساسا على المفهوم الجديد والفكرة المستحدثة والإثارة والتجديد وتغيير قواعد الرّسم التشكيلي، فلم يعد الفنّان التشكيلي، يهتم بالرّسم المنظوري أو الرسم الكلاسيكي وإنّما يقوم أساسا على المفهوم ضمن سياق إبداعي مستحدث، يجمع بين جدليّة الواقع والتمثيل.
ومن بين المواضيع والإشكاليات التي جسّدها الفنّان العربي في أعماله الفنيّة إشكالية الهويّة والغيريّة من خلال تمثيل قضايا مجتمعه خاصة والتّعبير عن تطلعات وآمال الفئات البسيطة كالبدو والفلاّحين ومظاهر الواقع الشعبي بمختلف أصنافه وفئاته، غير أنّه برزت ظاهرة على صعيد الممارسة التشكيلية المعاصرة، وهي اقتباس بعض من أساليب الاستشراق في ممارستهم الفنية، ممّا يستدعي إلى التساؤل والإستغراب وطرح السؤال الآتي: كيف يمكن لهذه الأعمال الفنيّة العربية أن تجسّد ضمن الاستشراق والمعاصرة في آن واحد؟ وماهي إذن مقوّمات الفن التشكيلي العربي المعاصر؟ ولماذا هذا الإقتباس من خاصيات الإستشراق وماهي دوافعه وما هي غاياته؟ هل هو مجرّد تقليد واستنساخ أم أنّ له غاية نقدية دفاعية؟
اعتمد الفنّانون العرب إذن في أعمالهم التشكيلية المعاصرة، على حضور العناصر التراثية وتمثيل جسد المرأة العربيّة وذلك لإثراء المعنى التّعبيري من خلال ربط علاقة حوارية توافقية بين كلّ هذه العناصر والشخوص وهذا ما يؤدي بدوره إلى تكوين وإثراء الأبعاد الرمزية والدلالية. كان الجسد في الشرق القديم يختلف عن مفهوم الجسد في الغرب وتحديدا عند المستشرقين، ففي الشرق القديم، ينظر إليه كشيء مقدّس وكنوع من التأليه لا يمكن لمسه أو تعريته أو انتهاكه، كما أنّه شيء محرّم لايمكن تشويهه أوالتعدّي عليه. في حين، الفنّان المستشرق ينظر إليه كموضوع تشكيلي أو كشكل فنّي، يمكن تعريته أو حذفه أو تقسيمه أو التدخل عليه بالجراحة أو التشويه كلّ ذلك، كرؤية تشكيلية لمعرفة خفايا هذا الجسد. ولكن مؤخرا اختلف الخطاب التشكيلي العربي المعاصر لفوتوغرافية الجسد، فأصبح ينظر إليه، كرؤية تشكيلية متجاوزا هذه النّظرة السّطحية و كلّ الخطوط الحمراء التي تعني العوائق الإيديولوجية والدّينية والثقافية التّي كانت تمنع الفنّان التشكيلي العربي، فأمسى يتعامل مع الجسد كأداة وكموضوع للتصوير الفوتوغرافي مثله مثل أيّ عمل فنّي آخر من منطلق أنه بنية مركبة يحمل عدّة أبعاد سيكولوجية، فيزيولوجية، فكرية وحسّية، بالإضافة إلى استنساخ أعمال المستشرقين.
مثال ذلك، قامت الفنانة مجيدة ختاري
باستنساخ لوحات استشراقية أو مشاهد معروفة لفنانين استشراقيين مثال «لإيجان دي لاكروا» ولعدّة فنانين آخرين سنقوم بالتعرّف عليهم من خلال تحليل عملها الذي يشير إلى إعادة النظر في حقبة ماضية، لأن الاستشراق يوّجه أفكارا مغلوطة وخاطئة عن الشرق من خلال الغرب. والمقصود بذلك العالم الشرقي الذي يجمع بين ميزات النّساء الجميلات الفاتنات في شكل جاريات يخدمن السلطان أو الملك. وحسب وجهة نظرها فهي تنقد نفس الفنان الذي قام باللّوحة الإستشراقية وتعيد تمثيل اللّوحة وتختار شخوصا (نماذج أو مودالا) وتقوم بإلباسهم كما أنها تقوم بخياطة وتصميم اللّباس بنفسها، خاصّة وأنها مصمّمة أزياء وفنانة في نفس الوقت.
حسب هذا المشهد للفنّانة «مجيدة ختاري» فقد جسّدت تقريبا نفس مشهد الفنّان «ماتيس» فالجاريتان اللتان وسط دائرتين باللّون الأحمر، تقريبا نفس المشهد مقلد ومستنسخ من الفنان «هنري ماتيس» كلتاهما في وضعية عري وتحملان غطاء شفافا في حين أن الجواري اللواتي في دائرة باللّون الأبيض، في نفس الوضعية كذلك، كلتاهما مرتديتان ثيابهما وفي وضعية جلوس تحت الجارية الأولى. كما قامت بتقليد فنانين غربيين على سبيل المثال، «دي لاكروا».
استئناف الاستشراق
تعيد الفنّانة مجيدة ختاري احيانا نفس المشهد الإستشراقي وفي أحيان أخرى، تقوم بتمثيله وتقليده وإعادة تمثيله و تصويره مع بعض التغييرات البسيطة وطورا آخر تجسده على طريقتها وحسب تفكيرها. فمثال هذه اللّوحة تذكّرني بلوحة «إيجان دي لاكروا» الملك الأشوري على السرير وحوله الجواري ونفس الشيء، في هذه اللّوحة الملك أو الأمير على السرير وحوله الجواري، ونفس وضعية الجارية في جلوسها تحت قدم الأمير هي نفسها في الصورة المقابلة وقد بينت ذلك من خلال رسم الدوائر على نفس النموذج بلون ونفس وضعية الجلوس بلون آخر. وحسب رأي الفنّانة، مجيدة ختاري فالفنّ التشكيلي، يمزج من خلال التقليد والحداثة لأن كل شيء تقريبا على ضوء موقف معين. فماهي إذن مقومات الفنّ التشكيلي العربي المعاصر؟
يقوم الفنّ التشكيلي العربي المعاصر على الموروث الثقافي وعناصر من التراث والفكرة الجديدة والمستحدثة والغاية من تجسيد هذا الموضوع بالذات، بمعنى حضور الرسالة الهدف التي يريد الفنّان إيصالها إلى المشاهد، مع توفر عنصر النقد. ففي القديم، كان الرسّام، يرسم الجمال وكلّ ما يتعلّق بالجماليات : الجمال الإغريقي، الجمال الطبيعي، الجمال المادي، الملموس والمحسوس، فقط غايته تزويقية، ليتطوّر الفنّ العربي ويصبح يحتوي على موضوع معين يحاكي الواقع المعاش، فالعمل الإنتاجي يمثل بطاقة هوّية لصاحبه. بالإضافة الى ذلك، يحمل الفنّ المعاصر مساءلة للموروث العربي والفنّي، بمعنى كلّ مساءلة لكل محتويات الماضي من أفعال تشكيلية وتراث وثقافة، لبناء أسس جديدة للمستقبل والمعاصرة. وهذه المعاصرة لا تتم إلاّ عن طريق ما سبق. بإيجاز، فالفن التشكيلي، يسعى إلى خلق أشكال جديدة خارجة عن المألوف و المعتاد باعتماد مخزون تراثه ومساءلة العمال القديمة بما فيها أعمال المستشرقين وذلك لغربلتها لتخرج بشكل متعمّد لغاية وهدف مدروس من خلال إشكالية معينة أو بشكل تلقائي نتاج حدث معين عاشه أو واكبه أو كان شاهد عيان عليه ويخرجة أخيرا في شكل عمل فنّي يحمل العديد من المعاني والدلالات.
هذه هي الجدلية التي هزت الفنّ التشكيلي العربي المعاصر، «فالحداثة تبدأ باحتواء التراث وامتلاكه لأن ذلك وحده هو السبيل إلى تدشين سلسلة من القطائع معه و إلى تحقيق تجاوز عميق له».