قرطبة "جوهرة الأندلس".. أزقة وأمسيات تتنفس أمجاد المسلمين
بعثة سبق- قرطبة: تتراص الكثير من الدكاكين ومحلات التذكارات بشكل آسر في قرطبة القديمة حيث تحتضن الجامع الشهير. الآيات القرآنية، التذكارات التي تحمل عبارات إسلامية، الأزقة المرصوفة القديمة، عربياً كنت أو مسلماً أو الاثنين معاً فأنت حتماً ستشعر بأنك تنتمي للمكان بطريقة ما.
تأتي قرطبة الأندلسية لتمثل واحدة من أشهر الأماكن التي سجل فيها التاريخ الإسلامي حضوره. قرطبة التي تلقب لدى بعض المؤرخين بجوهرة الخلافة الإسلامية في الأندلس تشكل إحساسا فريدا للزائر خاصة أولئك الذي يتحسسون خطى الأجداد وعبقهم الذي ترك الأثر العظيم فيهم وفي الإنسانية جمعاء. قرطبة تاريخيا بناها الرومان قبل 200 سنة قبل الميلاد وفتحها المسلمون بقيادة القائد طارق بن زياد عام 39هـ حيث كانت على موعد مع التاريخ لتضيء بحضارة لا تنسى. يمكن لزائر قرطبة التي تقع في الجزء الجنوبي لإسبانيا زيارة معالمها الشهيرة التي تعود للعصر الإسلامي وأبرزها جامعها ومسجدها الشهير المسجل لدى اليونسكو كموقع للتراث العالمي، حيث يعتبر تحفة نادرة بما يحتويه من فنون العمارة الإسلامية. على مقربة من المسجد يمكن للزائر المرور على الجسر الروماني الذي رممه المسلمون ليبقى خالدا حتى اليوم. وصولا إلى قلعة (كالاهورا) بمتحفها العظيم.
ما يمكن نصح الزائر به بخلاف المعالم الشهيرة أن يجرب التجول في الأزقة حيث تعد المدينة القديمة تحفة فنية فأزقتها أندلسية عابقة بالتاريخ، وشوارعها أيضا يحمل بعضها أسماء عربية.
في المدينة القديمة لن يكون الزائر بحاجة لتذكر أسماء شهيرة في التاريخ القرطبي فهي تصادفه وتصل إليه من هنا وهناك.
وما يتفق عليه المؤرخون أن قرطبة في أوج عهدها كانت من أكبر مدن العالم. ففاق عدد سكانها نصف مليون نسمة وبلغ عدد مساكنها العربية 13000 مسكن. وفيها قرابة ثلاثة آلاف مسجد. حتى لقبت حينها بجوهرة العالم. إداريا أيضا تفوقت بأنظمة مطورة للبريد، والخراج والجزية، والقضاء، الذي لم يشترط له عروبية الجنس.
وظهر فيها نظام قضاء المظالم وكذلك جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما تم في عهد (الناصر) حفر المناجم، وتخصيص الأسواق بحسب نوع البضاعة وصناعة الزيوت والأدوية.
قرطبة أيضا كانت مقصدا ثقافيا للعالم حتى من المشرق رغم مكانة بغداد عاصمة العباسيين في المشرق. وكمثال على ازدهار حركة التأليف يمكن القول أن عدد كتب مكتبة الحكم لوحدها فاق أربعمائة ألف كتاب.
كما نبغ كثير من العلماء الذين أثرت مؤلفاتهم أوروبا، مثل ابن عبد البر، والمنذر بن سعيد في الفقه والحديث، وظهر في الفلسفة ابن رشد وبرز شاعر عظيم هو محمد بن هانئ الأندلسي ضاهى المتنبي وأبا تمام.
قرطبة التي أضاءت أوروبا في القرن العاشر ما زالت تحتفظ بالتاريخ الإسلامي، وفي مطاعمها ومقاهيها لن يخيل إليك سماع الموشحات بل هي حقيقة وأيضا يمتد معك ذلك حتى سفوح جبال سيرا مورينا في شمالها حيث تتوفر إطلالة شاملة للمدينة وقعها في قلب السائح المسلم سيعزز أمنياته بلا شك.