الفارغون أكثر ضجيجا مقال للدكتور عائض القرني
إن سنبلة القمح الممتلئة خاشعة ساكنة ثقيلة أما الفارغة فإنها فيمهب الريح لخفتها وطيشها . وفي الناس أناس فارغون مفلسون أصفار رسبوا في مدرسة الحياة ، وأخفقوا في حقول المعرفة و الإبداع و الإنتاج فاشتغلوا بتشويه أعمال الناجحين ، فهم كالطفل الأرعن الذي أتى إلى لوحة رسّام هائمة بالحسن ، ناطقة بالجمال فشطب محاسنها و أذهب روعتها ، و هؤلاء الأغبياء الكسالى التافهون مشاريعهم كلام ، و حججهم صراخ ، و أدلتهم هذيان لا تستطيع أن تطلق على أحدهم لقباً مميّزاً و لا و صفاً جميلاً ، فليس بأديب و لا خطيب و لا كاتب و لا مهندس و لا تاجر و لا يُذكر مع الموظفين الرواد ، و لا مع العلماء الأفذاذ ، و لا مع الصالحين الأبرار، و لا مع الكرماء الأجواد ، بل هو صفر على يسار الرقم ، يعيش بلا هدف ، ويمضي بلا تخطيط ، و يسير بلا همة ، ليس له أعمال تُنقد ، فهو جالس على الأرض و الجالس على الأرض لا يسقط ، لا يُمدح بشيء ، لأنه خال من الفضائل ، ولا يُسب لأنه ليس له حسّاد . وفي كتب الأدب أن شاباً خاملاً فاشلاً قال لأبيه : يا أبي أنا لا يمدحني أحد و لا يسبني أحد مثل فلان فما السبب ؟ فقال أبوه : لأنك ثور في مسلاخ إنسان ، إن الفارغ البليد يجد لذة في تحطيم أعمال الناس و يحس بمتعة في تمريغ كرامة الرّواد ، لأنه عجز عن مجاراتهم ففرح بتهميش إبداعهم ، و لهذا تجد العامل المثابر النشيط منغمساً في إتقان عمله و تجويد إنتاجه ليس عنده وقت لتشريح جثث الآخرين و لا بعثرة قبورهم ، فهو منهمك في بناء مجده و نسج ثياب فضله . إن النخلة باسقة الطول دائمة الخضرة حلوة الطلع كثيرة المنافع ، ولهذا إذا رماها سفيه بحجر عادت عليه تمراً ، أما الحنظلة فإنها عقيمة الثمر، بغيضة الطلع ، مرة الطعم ، لا منظراً بهيجاً و لا ثمراً نضيجاً . السيف يقص العظام و هو صامت .. والطبل يملأ الفضاء وهو أجوف ... فعلينا أن نصلح أنفسنا ونتقن أعمالنا . و ليس علينا حساب الناس و الرقابة على أفكارهم و الحكم على ضمائرهم ، الله يحاسبهم و الله وحده يعلم سرّهم و علانيتهم ، و لو كنا راشدين بدرجة كافية لما أصبح عندنا فراغ في الوقت نذهبه في كسر عظام الناس و نشر غسيلهم و تمزيق أكفانهم ، التافهون وحدهم هم المنشغلون بالناس كالذباب يبحث عن الجرح أما الخيّرون فأعمالهم الجليلة أشغلتهم عن توافه الأمور كالنحل مشغول برحيق الزهر يحوّله عسلاً فيه شفاء للناس ، إن الخيول المضمرة عند السباق لا تنصت لأصوات الجمهور ، لأنها لو فعلت ذلك لفشلت في سباقها و خسرت فوزها ، اعمل و اجتهد و أتقن و لا تصغ لمثبّط أو حاسد أو فارغ . هبطت بعوضة على نخلة ، فلما أرادت أن تطير قالت للنخلة : تماسكي أيتها النخلة فأنا سوف أطير، فقالت النخلة للبعوضة : والله ما شعرت بك يوم وقعت فكيف أشعر بك إذا طرتِ ؟! تدخل الشاحنات الكبرى عليها الحديد و الجسور و قد كتبوا عليها عبارة : خطر ممنوع الاقتراب ، فتبتعد سيارات الأجرة و الدراجات و لسان حالها ينادي : ( لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) ، و اعلم أن : الأسد لا يأكل الميتة و النمر لا يهجم على المرأة لعزة النفس أما الصراصير و الجعلان فعملها في القمامة و إبداعها في الزبالة . الموضوع الأصلي :
الفارغون كثر ضجيجا مقال للدكتور عائض القرني || الكاتب :
همسة الشوق || المصدر :
شبكة همس الشوق |