إن سنبلة القمح الممتلئة خاشعة ساكنة ثقيلة
أما الفارغة فإنها فيمهب الريح لخفتها وطيشها .
وفي الناس أناس فارغون مفلسون أصفار رسبوا في مدرسة
الحياة ، وأخفقوا في حقول المعرفة و الإبداع و الإنتاج
فاشتغلوا بتشويه أعمال الناجحين ، فهم كالطفل الأرعن الذي
أتى إلى لوحة رسّام هائمة بالحسن ، ناطقة بالجمال فشطب
محاسنها و أذهب روعتها ، و هؤلاء الأغبياء الكسالى
التافهون مشاريعهم كلام ، و حججهم صراخ ، و أدلتهم
هذيان لا تستطيع أن تطلق على أحدهم لقباً مميّزاً و لا
و صفاً جميلاً ، فليس بأديب و لا خطيب و لا كاتب و لا
مهندس و لا تاجر و لا يُذكر مع الموظفين الرواد ، و لا
مع العلماء الأفذاذ ، و لا مع الصالحين الأبرار، و لا مع
الكرماء الأجواد ، بل هو صفر على يسار الرقم ، يعيش
بلا هدف ، ويمضي بلا تخطيط ، و يسير بلا همة ،
ليس له أعمال تُنقد ، فهو جالس على الأرض و الجالس على
الأرض لا يسقط ، لا يُمدح بشيء ، لأنه خال من الفضائل ،
ولا يُسب لأنه ليس له حسّاد . وفي كتب الأدب أن شاباً خاملاً فاشلاً قال لأبيه : يا أبي أنا
لا يمدحني أحد و لا يسبني أحد مثل فلان فما السبب ؟
فقال أبوه : لأنك ثور في مسلاخ إنسان ،
إن الفارغ البليد يجد لذة في تحطيم أعمال الناس و يحس
بمتعة في تمريغ كرامة الرّواد ، لأنه عجز عن مجاراتهم
ففرح بتهميش إبداعهم ، و لهذا تجد العامل المثابر النشيط
منغمساً في إتقان عمله و تجويد إنتاجه ليس عنده وقت
لتشريح جثث الآخرين و لا بعثرة قبورهم ، فهو منهمك
في بناء مجده و نسج ثياب فضله .
إن النخلة باسقة الطول دائمة الخضرة حلوة الطلع كثيرة
المنافع ، ولهذا إذا رماها سفيه بحجر عادت عليه تمراً ،
أما الحنظلة فإنها عقيمة الثمر، بغيضة الطلع ، مرة الطعم ،
لا منظراً بهيجاً و لا ثمراً نضيجاً .
السيف يقص العظام و هو صامت ..
والطبل يملأ الفضاء وهو أجوف ... فعلينا أن نصلح أنفسنا ونتقن أعمالنا . و ليس علينا حساب الناس و الرقابة على أفكارهم و الحكم
على ضمائرهم ، الله يحاسبهم و الله وحده يعلم سرّهم
و علانيتهم ، و لو كنا راشدين بدرجة كافية لما أصبح عندنا
فراغ في الوقت نذهبه في كسر عظام الناس و نشر غسيلهم
و تمزيق أكفانهم ،
التافهون وحدهم هم المنشغلون بالناس كالذباب
يبحث عن الجرح
أما الخيّرون فأعمالهم الجليلة أشغلتهم عن توافه الأمور
كالنحل مشغول برحيق الزهر يحوّله عسلاً فيه شفاء للناس ،
إن الخيول المضمرة عند السباق لا تنصت لأصوات الجمهور ،
لأنها لو فعلت ذلك لفشلت في سباقها و خسرت فوزها ،
اعمل و اجتهد و أتقن و لا تصغ لمثبّط أو حاسد أو فارغ .
هبطت بعوضة على نخلة ، فلما أرادت أن تطير قالت للنخلة :
تماسكي أيتها النخلة فأنا سوف أطير، فقالت النخلة للبعوضة :
والله ما شعرت بك يوم وقعت فكيف أشعر بك إذا طرتِ ؟!
تدخل الشاحنات الكبرى عليها الحديد و الجسور و قد كتبوا
عليها عبارة : خطر ممنوع الاقتراب ، فتبتعد سيارات الأجرة
و الدراجات و لسان حالها ينادي : ( لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) ، و اعلم أن : الأسد لا يأكل الميتة
و النمر لا يهجم على المرأة لعزة النفس
أما الصراصير و الجعلان فعملها في القمامة
و إبداعها في الزبالة .