عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرَ بعبدٍ من عباد الله يُضربُ في قبره مئةَ جلدة، فلم يزل يسألُ ويدعو حتى صارت جلدةً واحدةً، فامتلأ قبره نارًا، فلما ارتفع وأفاق، قال: على ما جلدتموني؟ قال: إنك صليت صلاةً بغيرِ طهورٍ، ومررتَ على مظلومٍ فلم تنصره».
إنه يُضرب بأسواطٍ رهيبة، بصورةٍ عجيبة، وهيئةٍ غريبة! فأين؟ ولماذا؟ وكيف؟ وممَّن؟
أسئلة حائرة تبحث عن إجاباتٍ باهرة... أما أين؟! ففي مكانٍ لا يستطيع الفكاك منه أو الهروب عنه، لأنه صغير المساحة، مُغلَق الجدران، لا أنيس فيه ولا جليس، ولا مُعين أو خدين! أما ممَّن؟! فمن خلق ليسوا من البشر فتدركهم الرحمة له والرأفة به، ولا من الجنِّ فيطمع في إغرائهم أو إغوائهم، وإنما من ملائكة الله الطائعين الذين {لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم من الآية:6]. أما كيف؟! فبهيئةٍ لا نعلمها، وبصورة لا ندركها، فنحن نؤمن بها ولو لم نرها، ونعتقد حصولها ولو لم نشاهدها، لأنها حق لا ريب فيه، وصدق لا شك معه، فقد جاء بها الخبر عن خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم وهي صورة لِما سيقع من عذاب القبر لمن كتبه الله عليه وقدَّره له. أما لماذا؟! فلأنه أجرم في حقِّ نفسه وغيره، لكنها جرائم لا يعاقب عليها القانون، ولا يحاسب عليها النظام، لكنها -والله- جرائم عِظام، ومصائب جسام، وإليك بيانها! فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرَ بعبدٍ من عباد الله يُضربُ في قبره مئةَ جلدة، فلم يزل يسألُ ويدعو حتى صارت جلدةً واحدةً، فامتلأ قبره نارًا، فلما ارتفع وأفاق، قال: على ما جلدتموني؟ قال: إنك صليت صلاةً بغيرِ طهورٍ، ومررتَ على مظلومٍ فلم تنصره» (رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ؛ انظر: صحيح الترغيب والترهيب: [2/537] [2234]). فجريمته على نفسه: أنه صلَّى صلاة واحدة بغير طهور، فماذا أقول لمن لا يُصلي إلا في المناسبات وحين الاضطرار؟! صلواتٌ متعددة تمضي عليه وتفوت منه، وهو لا يبالي بما أدرك منها، وربما يصلي بغير طهور إذا ألزمه الحياء الاجتماعي أو الخوف الوظيفي أو التزلف للعبيد أو غير ذلك، فيا ليت شعري! لمن يركع ويرفع؟ لمن يسجد؟ ومن يعبد؟
قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الدين:4-5].
ومن يحرص على السنة المستحبة كالعيد والتراويح، ولا يصلي الفرائض الواجبة كالصلوات الخمس؟! فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله» (رواه الطبراني في الأوسط، وأحمد في المسند وغيرهما، انظر: السلسلة الصحيحة: [3/343] [1358]). وتأمل خسارة من ضاعت عليه صلاة واحدة عن وقتها مع أدائه لها، فكيف بمن لا يصليها؟! فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذي تفوتُهُ صلاةُ العصر كأنما وتُرَ أهلَهُ ومالَهُ» (صحيح البخاري: [1/172] [552]). عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن تركَ صلاةَ العصرِ فقد حَبِطَ عملُه» (صحيح البخاري: [1/173] [553]). أما جريمته الثانية.. وجريرته الآتية فهي: خذلان المسلم حين الحاجة إليه، والتخلي عنه وقت النزوع إليه والرغبة في نصرته. فعن جابر وأبي طلحة الأنصار رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئٍ يخذُلُ مسلمًا في موطن يُنتقصُ فيهٍ من عِرضه، ويُنتهكُ فيه من حُرمتهِ، إلا خذلهُ الله تعالى في موطنٍ يحبُ فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصُرُ مسلمًا في موطنٍ يُنتقصُ فيه من عِرضهِ، تنتهكُ فيه من حُرمتهِ، إلا نصره الله في موطنٍ يحبُّ فيه نُصرتهُ» (أخرجه البيهقي في الشعب والسنن الكبرى، انظر: صحيح الجامع: [2/ 993] [5690]). ونصرة المظلوم ونجدة الملهوف من الواجبات الشرعية على كل مسلم إذا تعيَّنت في ذِمَّته وتعلَّقت برقبته، لا يجوز له أن يتهرَّب منها أو يُفرِّط فيها. فعن البراء بن عازب رضي الله عنه: قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبعٍ، ونهانا عن سبعٍٍ فذكر: «عيادةَ المريضِ، واتِّباع الجنائز، وتشميت العاطسِ، وردّ السلام، ونصر المظلوم، وإجابةَ الداعي، وإبرارَ المقسم» (صحيح البخاري: [3/238] [2445]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن: يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه» (صحيح سنن أبي داود: [3/929] [4110]). وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نصَر أخاهُ بظهرِ الغيب، نصرهُ الله في الدنيا والآخرةَ» (أخرجه الدينوري في المجالسة، والبيهقي في الشعب، انظر: السلسلة الصحيحة: [3/218] [1217]).
وكم تبرَّمت من ملهوف استنجد بك؟
وكم تحايلت على مؤمنٍ مكروبٍ ومسلمٍ منكوب، لتهرب من خدمته، وتتخلَّص من نصرته؟! راجعك سِجِلَّ أيامك، فأنت تفنيها في كلِّ يوم يمضي عليها فيها، لتذهب -مجبرًا- إلى ذلك المضجع الذي لا مهرب منه، فاحذر أن تكون ممن يُضرب فيه، فإنه لا طاقة لك به، ولا احتمال لك عليه!
|
|
|
|