وسمت صورة المرأة عند العرب منذ أيام الجاهلية بصورة سوداوية تحدثت عن أوضاعهن السيئة مثل وأدهن، وأخذهن سبايا. إلا أن للمرأة العربية مكانة أدبية منذ أيام الجاهلية، إذ لم تخلُ قصيدة عربية من ذكرها والتغزّل بها، وتحولت معظمهن إلى أيقونات في العشق والغزل، وتُعدّ الأشعار التي كتبت بهن الأرق والأجمل. رصيفـ22 يعرفكم إلى بعض المعشوقات اللواتي هام بهن الرجال حباً، وبقين في الذاكرة حتى الآن.
النظام
هي ابنة أحد شيوخ مكة، رآها المتصوف ابن عربي، وكتب فيها ديواناً سمّاه "ترجمان الأشواق"، الذي يفتتح فيه حديثه عنها: "وكان لهذا الشيخ، بنت عذراء، طفيلة هيفاء، تقيد النظر، وتزين المَحاضر والمُحاضر، وتحير المناظر، تسمى بالنظام وتلقب بعين الشمس والبهاء".
اضطر بعدها ابن عربي لكتابة شرح للديوان بعنوان "فتح الذخائر والإغلاق في شرح ترجمان الأشواق"، إذ إن الديوان يصف جمال النظام وهيامه بها، وهذا ما استنكره الفقهاء وعلماء تلك الفترة. فاضطر ابن عربي إلى تأليف الشرح في محاولة لتبيان أنه كان يتحدث عن "الخالق والمحبوب الأسمى، الذي يتجلى في كل شيء". قد لا تبدو هذه الحجة منطقية أو مقنعة، إلا أن هذا لا ينفي أن النظام استثارت عاطفة ابن عربي، ودفعته ليكتب فيها أشهر دواوين شعره.
ليلى العامرية
لا أحد لم يسمع بليلى العامرية ومجنونها قيس بن الملوح. فهما ولدا عم وصديقان وعشيقان، اشتهرت أخبارهما، وما زالا مثالاً يحتذى به في العشق. فالعامرية شاعرة، ونتيجة فضيحة هيامها بقيس، تم منعهما من الزواج. تحضر ليلى دائماً في الشعر والأدب، والقصص الشعبية حتى الآن، بوصف قصتها مع ابن الملوّح من أشهر قصص العشق. و قد قال فيها قيس:
بربك هل ضممت إليك ليلى... قبيل الصبحِ أو قبلت فاها
وهل رفّت عليك قرون ليلى... رفيف الأقحوانة في نداها
لبنى الخزاعية
لبنى هي حبيبة قيس بن ذريح. قصة عشقهما لا تجاري شهرة قيس وليلى، إلا أن قصائد الشعر تغنت بقصتهما. حضور لبنى في حياة قيس جعله يهيم على وجهه، وعلى الرغم من أنهما تزوجا، فإن عدم إنجاب لبنى للأطفال دفعهما للطلاق. ثم حين عادت لبنى للزواج منه مرة أخرى توفيت قبل إتمامه، وهذا ما أفقد قيس عقله ومات بعد ذلك بأيام عدة. قال فيها:
وإني لمفنٍ دمع عيني بالبكى... حذار الذي قد كان أو هو كائن
وقالوا غداً أو بعد ذاك بليلة... فراق حبيب لم يبن وهو بائن
وما كنت أخشى أن تكون منيتي... بكفيك إلا أن ما حان حائن
بثينة العَذرية
اشتهرت بثينة بحبها لجميل، الذي هام بها منذ لقائهما الأول. تتابعت لقاءاتهما سراً، ثم اضطر جميل للهرب، لأن أهلها أرادوا الفتك به ونقل أمر تشبيبه بها إلى الخليفة. مات جميل بعيداً عن بثينة وقد أنشدت فيه حين علمت بخبر موته:
وإن سلوي عن جميل لساعة... من الدهر ما حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر... إذا مت بأساء الحياة ولينها
عزة الكنانية
تكنى أم عمرو وهي معشوقة كُثير، كحال الباقين هام كُثير بها حبّا إلا أن عزّة تزوجت من غيره، ولبثت على حبه، وقيل إنه حين وصله خبر موتها ورأى جنازتها قال أبيات الشعر التالية وخرّ ميتاً:
فما أعرف الفهدي لا در دره وأزجره للطير لا عز ناصره
رأيت غراباً قد علا فوق بانة ينتف أعلى ريشه ويطايره
فقال غراب واغتراب من النوى وبانة بين من حبيب تعاشره
عبلة
هي الأشهر في تاريخ العرب. هي معشوقة عنترة بن شداد، التي ذكرها في معلقته، وهي ابنة عمه، التي عانى كثيراً للزواج بها لأنه "عبد" وهي حرة، فكان يتغنى بها في أشعاره ويفاخر بنفسه من أجلها كي يرضي أهلها. وقال فيها البيت الأشهر في الشعر الجاهلي:
ولقَد ذكرتك والرماح نواهل. مني وبيض الهند تقطر من دمي
فَوددت تقبيل السيـوف لأنها. لمعت كبارق ثغرك المتبسم
زوجة ابن زريق
المثير في موضوع زوجة ابن زريق أن لا أحد يعرف اسمها. المعروف فقط أنه تركها في بغداد وذهب إلى الأندلس طلباً للرزق. وحين وافه المرض هناك كتب لها قصيدة، هي القصيدة الوحيدة التي كتبها، إذ لا تذكر له أشعار أخرى غيرها. وعلى الرغم من ندرة المعلومات المتوفرة عنها، فإن زوجة ابن زريق مذكورة في التاريخ العربي عبر وصفه للوعة فراقها بأرق الكلمات:
أستودع الله في بغداد لي قَمراً
بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني
صفو الحياة وأني لا أودعه
وكم تشفع في أن لا أفارقه
وللضرورة حال لا تشفّعه
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى
وأدمعي مستهلات وأدمعه