أي إنسان يريد أن يتحدى الآخرين فينبغي أن يكون أقوى منهم ولكن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام كان في بداية دعوته لا يملك أسباب القوة والتفوق بل كان المسلمون في حالة ضعف أمام قوة الكفار. في هذا الأمر أن معظم آيات تتحدى نزلها الله في زمن ضعف المسلمين فعندما ادعى المشركون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من تقوّل القرآن أجابهم الله تعالى: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ)[الطور: 34]. وهذه الآية نزلت في مكة المكرمة في بدايات الدعوة. وعندما اتهم الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كذب على الله وافترى عليه القرآن أمر الله حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ويطلب منهم وهم أرباب البلاغة أن يأتوا بسورة واحدة مثل القرآن. يقول تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[يونس: 38]. وهذه الآية نزلت في مكة المكرمة أيضاً في مرحلة ضعف المسلمين. من هنا يمكن أن نستنتج أستنتاج وهي أن نزول آيات تتحدى في بدايات الدعوة هو دليل على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولو كان محمد هو الذي ألّف القرآن إذن فالأجدر به أن ينتظر حتى يصبح قوياً ثم يتحدى فالضعيف لا يمكن أن يتحدى أحداً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان قوياً لأن الله معه إن القرآن الكريم قد عرض أقوال أعدائه وحججهم منذ بداية نزوله وهذا دليل إضافي على أن القرآن ليس من قول الرسول صلى الله عليه وسلم. ونحن لا نعلم أبداً في التاريخ رجلاً واحداً بدأ دعوته بالتحدي، ولا نعلم أن أحداً عرض في كتابه أقوال معارضيه بصورة كاملة ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا لبحث منذ اللحظة الأولى عن مؤيدين له بغض النظر عن معتقداتهم، كما يفعل أي إنسان يبتغي الشهرة والمال والجاه. والله أخبرنا في القرآن بقول المشركين بدقة مذهلة عندما قال: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ؟) [يونس: 38].
هذا سؤال يطرحه القرآن عليهم، أي أن القرآن يعرض قولهم هذا على شكل سؤال.
ولو تأملنا آيات الله في القرآن نجد أن هذا السؤال تكرر بحرفيته في القرآن خمس مرات
، وأن الآيات الخمس جميعها نزلت بمكة، أي قبل انتشار الإسلام.
لنتأمل هذه الآيات:
1- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[يونس: 38].
2- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [هود: 13].
3- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) [هود: 35].
4- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) [السجدة: 3].
5- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الأحقاف: 8].
نلاحظ أنه لدينا خمس أسئلة وهي (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ؟) ولدينا خمس إجابات كما يلي:
1- تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة مثل القرآن فقال في الآية الأولى:(فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).
2- تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثل القرآن، فقال في الآية الثانية (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ).
3- بيَّن لهم أن الرسول لو كان كاذباً فإنما كذبه على نفسه ولن يضرهم شيئاً، فقال في الآية الثالثة: (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي).
4- بيَّن لهم أن كلامهم غير صحيح وأن القرآن حق من عند الله تعالى، فقال في الآية الرابعة: (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ).
5- بين لهم أنه لو كذب على الله فمن يحميه من الله؟؟ فقال في الآية الخامسة والأخيرة: (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا).
وختمت هذه الآيات بقوله تعالى:(وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لماذا؟
لأن الله غفور لهم على الرغم من افترائهم على نبيه وحبيبه عليه الصلاة والسلام
ورحيم بهم على الرغم من أنهم أنكروا كلام ربهم وجحدوا نعمه.
وسبحان الله الحليم العظيم
لو تأملنا في المواقع الإلحادية التي تنشر كتابات تنتقد القرآن فإننا نجد فيها هذا القول: فهم يقولون بالحرف الواحد:
إن الأنبياء جاؤوا برسالة من عند الله، ولكن محمداً قد صنع ديناً لنفسه ونسبه إلى الله!!
تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ولكن القرآن يرد على هؤلاء بطريقة ، فلو تأملنا هذه الآيات نجد أن الله تعالى قد رتبها بنظام لغوي بهر.
التناسق اللغوي في القران:
نلاحظ أن القرآن لا يحوي تكرارات بل معجزات، فقد شملت الإجابات الخمسة جميع النواحي المادية والمعنوية والمنطقية. 1- فإذا أرادوا دليلاً مادياً فقد تحداهم أن يأتوا بمثل القرآن 2- وإن أرادوا دليلاً منطقياً فقد أخبرهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان كاذباً فإنما سيضرّ نفسه ويتعرض لعقوبة الله، وهذا يدل على تكامل الآيات القرآنية. نلاحظ أن الآيات الخمس :نزلت بمكة أي في مرحلة ضعف المسلمين وقلة عددهم وهذا أبلغ أنواع التحدي أن تتحدى الكفار وليس معك أحد إلا الله تعالى وفي هذا ردّ على بعض الشاكّين بكتاب الله تعالى والذين يروّجون لفكرة أن الإسلام انتشر بالقوة وأن القرآن فرضه محمد صلى الله عليه وسلم بالإكراه على الناس. إنهم يقولون أيضاً إن محمداً عليه الصلاة والسلام قد فرض القرآن وتحدى الناس حوله وكان يقتل من يخالف أمره فلم يجرؤ أحد على مخالفته أو الإتيان بمثل القرآن!! سبحان الله! أي إنسان عاقل يصدق هذا الأمر والله تعالى يقول لحبيبه صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )[الأنبياء: 107]. حاول بعض الملحدين أن يقلدوا النص القرآني فألفوا كتاباً أسموه "الفرقان الحق" ولكن لم يقرأه أحد من الناس هذا الكتاب يزخر بالأخطاء والضعف والتفكك، وللأسف يقولون بأنه يشبه القرآن ونسألهم: هل هنالك في كتاب الله خطأ واحد من الناحية اللغوية؟ لقد أخطأ مؤلفو هذا الكتاب في كل شيء حتى في عنوان الكتاب! فكلمة(الفرقان) في اللغة تعني الذي يفرق بين الحق والباطل، فلا يجوز أن نقول "فرقان حق" أو "فرقان باطل" هذا خطأ لغوي واضح فإذا كان عنوان الكتاب بهذا الشكل فما ظنك بمحتوياته؟
ولذلك نقول لكل من ينكر القرآن وينكر رسالة الإسلام:
أرجو منكم أن تقرأوا القرآن بتدبر وتتأملوا معجزاته وعظمته ثم احكموا بأنفسكم:
هل هذا كلام بشر، أم هو كلام رب البشر سبحانه وتعالى؟
يقول الله تعالى:(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)[النساء: 82].