أعني ضعيف الحجة، قليل الفكر، معوق التفكير، صاحب الوجه الكسيف واللسان العسيف، عندما يقابل وجوهاً بشوشة باسمة ممتلئة علماً وفكراً وأدباً..
تلك الفئة من البشر لا يناطحون برؤوسهم، وإنما يواجهون بظهورهم..
عيونهم فارغة، وعقولهم فاسدة، وقلوبهم حاسدة حاقدة، وتفكيرهم منحرف شاطح.. ينتقدون بلا فهم ولا معرفة، كلامهم بلا إدراك، يطلقون التهم جزافاً وظلماً.
نظرهم قريب، لا يجاوز ما بين أرجلهم، وجدالهم اللجاج، وحوارهم فجاج.. رفع الصوت عندهم انتصار وغلب وكسر أنف، وصمتهم كمد وغبن وضعف.
لغة خطابهم حركة بلا روح، وميزان صدقهم مجروح، ومكانتهم فارغة جخوخ..
الدواء لمرضهم الصمت.
ولنحذر من حوارهم؛ فإن أطلقوا تهمة أو تهجماً فلا نرفع صوتاً، ولا نأتي لهم بجلبة، بل صمتُنا غمٌّ لهم وحرقة.
والإعراض عنهم طاعة وسُنَّة {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}.
يخوضون في كل حدث وحادث، وغائب ومشاهد، لا يحترمون عالماً ولا مسؤولاً، كأن أحدهم يحكم العالم بتحليله، فيتقعر بكلامه، ويتخبط في أفهامه، ويملأ أشداقه بما يجترُّ من أمعائه.
كم في مجالسنا من هؤلاء!
ينتقدون ولا يقترحون، ويفسدون ولا يصلحون، بعيدون عن الواقع لانفصام عقولهم عن معطيات حديثهم.
ابتعد عنهم أسلم وأحكم لأمر حياتك، واغتنم بُعدك بمن إذا فكر أثمر، ويصمت ليسلم، ويتحدث ليوجز، وإذا جلس ملأ مكانه بأدبه وسمته قبل "هميه" وكلامه.
ابتُلينا اليوم بكثرة الكلام، وإيقاع الملام، وتوزيع الاتهام، والانتقام باللسان.
خذ مثلاً بجولة في وسائل التواصل الاجتماعي، وانظر إلى من يشوش الغوغاء، ويجند السفهاء، وينتقم بإثارة فتنة، أو قول ما لا يحسن قوله، ويُعْلِم ما لا ينبغي أن يُعلم، لحاجة في نفسه انتقاماً من عقوبة سابقة له لذنب أصابه أو سفاه رشد بعده، فيصرخ بألفاظ يكرم الشريف من سماعها، فضلاً عن التفوه بها، ويولول بشُبه تحتمل محامل، يختار شاذها، ويفسر من بين وجوه كثيرة؛ ليثبت رأيه، وكأن الصامتين جهلة؛ وذلك أنهم آثروا الصمت حكمة وأدباً وبُعدا في النظر والتفكير من محاوره، فيتبعه الرعاع حتى يصنع بذرة لذلك المجتمع البهيم.
لا يسود الناس مجموع والتابع أفراد، بل إن سنة الله في الحياة أن يسود الأفراد المجموع.
هؤلاء الحمقى يُخنَقون في المجالس الحقيقية؛ فيهربون للافتراضية كتويتر والفيس والواتس مثلاً.
ويغممون حقيقة أشخاصهم؛ لأن كلامهم عورة لعقولهم وأسرهم.
ليكن لك مجالس يتلاقح فيها الفكر، ويتنوع منها الفهم، ويتكامل بها العقل، ويتعمق عنها الإدراك والفهم.
وكما تنتقي أجود الثمر كذا أنفس البشر، وإذا اخترت أفضل المَجَالس كذا أثمن المُجالِس.
وإذا دفعت لتشتري الذهب كذا ابذل لتصل للفكر والأدب.