أتعلم لماذا لانطبق قوله تعالى {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}؟أولا: لأننا نسينا لماذا خلقنا الله؟ وما هي مهمتنا في هذه الحياة؟ فغفلنا عن الطاعة.
وعلاجها دوام استحضار {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} فهي تذكرك بما جئت لأجله.
ثانيا: لأننا نجتهد أحيانا لكن، لتحقيق مجدنا؛ فمرضاة أنفسنا هي محور حياتنا.
وعلاجها دوام استحضار {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}، فهي تسدد لك وجهتك في الحياة وتذكرك بما ينبغي أن يكون محور حياتك.
ثالثا: لأننا نعجب بجهدنا وننسب الفضل لأنفسنا؛ فيكلنا الله إليها ولا نكاد نستمر على الاجتهاد إلا قليلا.
والعلاج: أن نستحضر دوما فضل الرب وأنه هو الذي يشرح الصدر (نشرح)، وييسر الأمر (، ويزيل العقبات ويضع الوزر (ووضعنا)، ولولا إكرامه ماتم الأمر.
(وإلى ربك فارغب) ارغب إليه بالشكر والذكر ونسبة الفضل في التوفيق لكل أمر.
رابعا: لأنه ليس لدينا ما يحفزنا على ذلك، فنشعر أن الدعة والفراغ أمتع وأنفع (الكسل).
والعلاج: دوام استحضار أن الاجتهاد في مكافحة الفراغ بالطاعات يثمر؛ انشراح الصدر (سعادة وارتياح)، ووضع الوزر (لاهموم ولاذنوب مكدرة)، ورفع الذكر (شرف وكرامة)، وتيسير العسر (تحقيق المطلوبات والنجاة من المرهوبات).
خامسا: لأننا فقدنا ثقتنا بأنفسنا وما وهبنا الله وشعرنا باليأس من إصلاح حالنا (العجز)
والعلاج: دوام استحضار أن الله وهبنا مؤهلات عظيمة غفلنا عنها، فقد شرح للحق صدورنا، ورزقنا صدورا قابلة للانشراح، وتكفل بأن يضع الوز عنا ووضع عنا الكثير منه، ورفع لنا ذكرنا ووعدنا بأن يرفعه أكثر، ويسر لنا الكثير من أمورنا وبشرنا بتيسير أكبر.
كل ما علينا هو أن نستكمل تلك المؤهلات ونعيد ترميم ما تهدم لدينا منها.
سادسا: لأننا نعتقد أن هناك من الهموم والغموم والعقبات ما يحول بيننا وبين مانريد (الهم والحزن)
والعلاج: دوام استحضار أن الله قد وهبنا من النعم والمؤهلات والمبشرات ماهو كفيل بإزالة كل الحواجز والعقبات، فقد بشرنا بأنه سيشرح لنا الصدر كما فعل، وسيضع عنا الوزر كما فعل، وسيرفع لنا الذكر كما فعل، وسييسر لنا العسر كما فعل.
وتذكر كم مرة ضاق صدرك، فشرحه لك. وكم مرة كنت مهموما مغموما محزونا، فوضع عنك ما أهمك وأغمك وأحزنك. وكم مرة أسأت وأذنبت، فغفر لك. وكم كدت تفضح وتهان، فحفظ عليك كرامتك ورفع لك ذكرك. وكم مرة كان هناك كرب وأشغلك أمر فيسره لك.
سابعا: لأننا نعتقد أن مجرد الرغبة في الطاعة والجهد اليسير يكفي، وأن الطريق مفروش بالورود، فلانبذل ما يستأهله الأمر من الجهد أو المكابدة فَنُمْنَى بالفشل.
والعلاج: أن نستحضر دوما أن المكارم لايُتَوَصَل إليها إلا بالمكاره، وأن النعيم لايُدْرَك بالنعيم، وأن مَنْ آثر الراحة فاتته الراحة، وأن مَنْ آثر الوسادة فاتته السعادة، وأنه لابد دون الشهد من إبر النحل، وأنه لن يبلغ المرء المجد حتى يلعق الصبرا، وأن لا مناص عن المكابدة والمجاهدة، وكل ذلك يشير إليه قوله تعالى: "فانصب" فالأمر لايخلو من تعب ولاشك يستلزم النصب، والنفس لابد أن تُحمَل على ما ينفعها حملا، وينبغي أن تستفرغ وسعها لتكون الأحسن عملا.
ثامنا: لأننا في أوقات كثيرة، نؤخر الاجتهاد في الطاعة ونسوف، ونتعلل بأننا بحاجة لالتقاط أنفاسنا، فتستمرىء نفوسنا الدعة وتميل إلى التواني وتغرق في لجته.
والعلاج: أن نستحضر دوما أن الراحة للرجال غفلة، وأن راحة الإنسان وسعادته في مواصلة الاجتهاد، وأنه مَن أدلج بلغ المنزل، وأنه عند الصباح يحمد القوم السُرى، وأن مَنْ يواصل الاجتهاد لايتعب نفسه بل راحتها الأبدية يريد، وأن الفراغ والراحة ذئبات مفترسان جائعان لايرتضيان من وقتك باليسر، وما إن تتاح لهما الفرصة حتى يلتهمان الوقت ويعلقان به فلاتكاد تستنقذه منهما إلا بالجهد الجهيد، فصُن وقتك عنهما وحَصِّن عمرك منهما. وإلى ذلك كله تشير الفاء في قوله تعالى "فانصب" حيث تدعو إلى إعقاب الفراغ بالنصب مباشرة وملاحقته به ومكافحته لكيلا يكون له وجود. وفعل الأمر يدعو إلى مواصلة الاجتهاد والمداومة عليه