الرزق عملية معقدة جداً. وأذكر عندما كنتُ أستمع لآيات من سورة الروم استوقفني قول الحق تبارك وتعالى:
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الروم: 37].
ففي هذه الآية الكريمة نرى بأن الله تعالى هو الذي يوزع الأرزاق بين الناس، وعملية الرزق هذه هي معجزة بحد ذاتها، ولذلك قال تعالى
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ)
والآية في القرآن هي المعجزة التي تستدعي التفكر لزيادة الإيمان:
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
ولكن تعلمون أن العالم اليوم يخضع لقوانين الاقتصاد، وهي مجموعة من القوانين وضعها علماء الاقتصاد ويسيرون عليها، فأين المعجزة التي تستحق التفكر لنزداد إيماناً بأن الله هو من يوزع الرزق وليس الجهود التي يبذلها الناس؟
إن الذي يتأمل كلمات القرآن يرى بأن الرزق ومشتقاته في القرآن ورد 123 مرة، وفي جميع الآيات إذا دققنا النظر نلاحظ أن الله ربط الرزق بأشياء أساسية كما يلي:
1- ارتبط الرزق بمشيئة الله تعالى: مثلاً يقول تعالى:
(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ)
[الرعد: 26]. وقوله تعالى:
(اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)
[الشورى: 19].
2- ارتبط الرزق بالتقوى، يقول تعالى:
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)
[الطلاق: 3].
والعجيب أن جميع الآيات التي تحدثت عن الرزق ربطت الرزق بالله تعالى مباشرة، أي أن الله هو الذي يرزق فقط!! وما القوانين التي نشاهدها وأساليب الرزق والعمل والنظريات التي يضعها علماء الاقتصاد جميعها ما هي إلا أسباب سخرها الله للرزق، تماماً مثل أسباب الموت، فهذا يموت بسبب النوبة القلبية،و ذاك يموت بحادث سيارة، وتلك تُصاب بالسرطان.... وأسباب كثيرة، ولكن هذه الأسباب هي وسائل سخرها الله ليُنهي بها حياة البشر.
كذلك للرزق وسائل كثيرة مثل التجارة والصناعة والزراعة والأعمال الحرة وو..، وجميعها وسائل هيَّأها الله تعالى لمخلوقاته، ولكن يجب علينا أن نتأمل بعض الأشياء الملفتة للانتباه، لندرك معجزة الله في الرزق.
فهذا هو "بيل غيتس" أغنى رجل في العالم، كيف جمع ثروته، وما هو الزمن الذي استغرقه، وما هو الجهد الذي قام به؟ هذا الرجل كان ذات يوم فقيراً لا يملك شيئاً، ولكن قدحت في ذهنه فكرة، أن يجعل جهاز الكمبيوتر متوفراً لكل الناس بسعر مقبول، ونجح في تحقيق هذه الفكرة، ثم خطرت بباله فكرة أخرى وهي أن يجعل الإنترنت متاحاً لكل البشر، ونجح في ذلك وهكذا توالت سلسلة الأفكار عليه وكانت ثروته نتيجة ذلك تزداد بأرقام مرعبة (مليارات)، وهنا نستطيع أن نقول إن الرزق يتعلق ليس بمجهود الإنسان بل بما يحمله من أفكار.
لأن الرزق إذا كان بالمجهود لكان بل غيتس أفقر الناس لأنه في الحقيقة لم يبذل أي مجهود عضلي، ولكانت النملة أغنى المخلوقات لأنها تبذل طاقة تفوق طاقة الإنسان بمئة ضعف قياساً لحجمها الصغير!
ومن هنا نستطيع أن نتلمس السر في قوله تعالى:
(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)
[الذاريات: 22]. فالله تعالى وضع قوانين للكون، وأعطاك عقل تفكر فيه، وبالتالي كلما أحسنت استخدام هذا العقل زاد رزقك، وبالنتيجة لن تنال إلا ما كتبه الله لك!
إن الإنسان عندما يخشع قلبه ويكثر من ذكر الله يلهمه الله أن يفكر بشكل صحيح ليتجنب الخسارة ويكسب المال الحلال، أما الكافر فالله تعالى يعطيه الفكر والعقل والصحة والأولاد والمال ليزداد كفراً وليعذبه بها في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية، وأعلمك آية من أجل الرزق لا تندم عليها تكررها سبع مرات، والله سيفتح لك أبواب الرزق:
(اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)
[الشورى: 19].
بقلم عبد الدائم الكحيل