حاولت كثيرا أن أعرف تفسيرا لهذه الحروف التي ابتدأ الحق تبارك وتعالى بها كثير من السور في كتابه الكريم أو أقتنع بالتفسيرات المخالفة للواقع اعتبرها البعض رمزا لأشياء ستحدث في المستقبل وقال اّخرون أنها أسماء للسور التي وردت فيها وقال اّخرون أنها ملحقة بأسماء الله تعالى ومال أكثر المفسرين الى القول : الله أعلم بمراده من ذلك وغير ذلك من التفسيرات التي ليست في محلها الأمر الذي دفعني للبحث عن حقيقتها. من المعروف بداهة أن العرب لم تستعمل هذه الحروف في لغتها للدلالة على معنى معين ولا تحوي القواميس مثل هذه الكلمات عندما تسمع (الم) أو (الر) أو ( كهيعص ) فانه لا ينصرف ذهنك الى أي معنى لغوي أو شرعي او عرفي وانما كل ما تدركه هو ان ما تسمعه حروف من حروف اللغة العربية وليست هي اختصار لمصطلحات معينة تدل عليها ولم نسمع أن أحدا من الصحابة سأل النبي عليه السلام عنها مما يدل على أنهم يدركون ما تعني ولم نسمع أن احدا من المشركين قد عاب النبي – عليه السلام- عليها عندما كان يقرؤها عليهم في مكة وهم الذين كانوا ينتظرون الفرص للطعن فيه قال تعالى (( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القران والغوا فيه)) لو كانت هذه الحروف غامضة أو ألغازا لقالوا : انظروا لمحمد يقول لنا ألغازا اذا فهو ساحر. القراّن لا يفسر الا باللغة العربية وللوصول الى حقيقتها رأيت أن أعد السور التي بدأت بتلك الحروف المقطعة فوجدتها (28) سورة وهنا عثرت على الجواب بكل سهولة ويسر وهو أن عددها جاء بعدد حروف اللغة العربية التي ينطق بها العرب وبلغوا القمة في الفصاحة والبلاغة أراد الله سبحانه وتعالى أن يتحداهم فيما برعوا فيه- شأنهم في ذلك شأن الامم السابقة حين تحدى كل أمة فيما برعت فيه - عجْزُ العرب أن يأتوا بسورة من مثله وهم فصحاء الأمة وأعلاها وشأنا في اللغة يدل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى : (( وما كان ربك معذب القرى حتى يبعث في أمها رسولا منهم يتلو عليهم اّياتنا )) ومعنى (أمها) أي أعلاها شانا . لا زال التحدي قائما الى اليوم والى أن يرث الله الأرض ومن عليها ما دام العرب قد عجزوا فغيرهم من الأمم أعجز تلقائيا. الخلاصة أن الله تعالى لما بدأ بها كثيرا من السور أراد أن يقول للعرب ابتداء أن هذا القراّن هو من جنس الحروف التي تتحدثون بها فيما بينكم وتتفاخرون في أسواقكم الأدبية -عكاظ والمجنة ،وذي المجاز- بالتفوق والتفرد ،فيها وبالذات أنتم يا أهل مكة كنتم تجيزون الشعراء والمتحدثين والخطباء باعطائهم الأوسمة ومنحهم الألقاب بصفتكم أفصح العرب في الجزيرة يدل على ذلك قول النبي علبه السلام ( أنا أفصح العرب بيد أني من قريش ) .
ومع ذلك كله تعجزون أن تأتوا بمثل سورة من مثل هذا القراّن حيث كان التحدي بداية بالقراّن كله فعجزوا ثم صار بعشر سور فعجزوا ثم صار بسورة قالى تعالى (( وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم ان كنتم صادقين)). فما أعظم هذا القراّن وما أبلغه من حجة باقية. |
|
|
|