-
الدعاء باب أساسي من أبواب التربية الإيمانية، هو شأن تربوي لا يستغني عنه مؤمن أبداً ولكننا نهمله وننساه، فالإنسان إذا نزلت به مصيبة، أو حلَّ به كرب، ماذا يفعل؟ غير المؤمن يحاول ويحاول فإذا لم يجد مخرجاً، قد يذهب ليعاقر الخمر وينسى الأمر، فينشغل لحظات ثم يرجع إلى صحوه، ويجد الهمَّ ملازمًا له كما هو، فيلجأ إلى الإفراط في تناول المهدئات، أو إلى تناول المسكنات، وإذا يأس يلجأ إلى الإنتحار لينهي حياته غير آسف عليها
أما المؤمنون - حتى الجاهلون والأميُّون - فإن الإيمان في قلوبهم يحفظهم من هذه المحن، ويثبتهم عند نزول المصائب، فلجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله، وعلمنا بالدعاء أن الدعاء يُنَفِّسُ عن المكروب، ويُفَرِّجُ عن المحزون، وقال في دعاءه الوارد الذى دعاه بعد حادثة دعوة أهل الطائف وقبل الإسراء: {اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إِلَى عَدُّوَ يَتَجَهَّمُنِي أَمْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ تَكُنْ سَاخِطَاً عَلَيَّ فَلاَ أُبَالِي غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الْكَرِيمُ الذِي أَضَاءَتْ لَهُ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ وَأَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ أَنْ تُحِلَّ عَلَيَّ غَضَبَكَ، أَوْ تُنْزِلَ عَلَيَّ سَخَطَكَ، وَلَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ}{1}
فالدعاء يخفف الأحزان، ويُفرغ الشحنة التي تثقل صدر الإنسان وتجعله مهمومًا مغمومًا في حياته، والمرء منا إذا تعب من أمر، لا يرتاح حتى يفرغ الشحنة فيحكيها، قد يحكيها لزميل، وقد يحكيها لصديق، لكنه لا يأمن إذا حكاها لزميل أو صديق أن يفشي سرَّه، فيسبب له مشاكل، هذا إلى جانب ماذا يفعل الصديق أو الزميل في الكربات العظام؟ لكنه إذا لجأ إلى الله، وبثَّه هُمُومَهُ وشَكْوَاه، فرَّج الله عنه في الحال، ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: {كان صلى الله عليه وسلم إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إلَى الصَّلاةِ}{2}
يعني لجأ إلى الصلاة، والصلاةُ دعاءٌ يناجي فيه الإنسان الله، ويُحَدِّثُهُ بما في قلبه أو في نفسه، فَيُفَرِّجُ عنه الله.
دعا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ربَّه كما ذكرنا في أول حديثنا عن الدعاء، فاستجاب له اللهُ في الحال، ونزل عليه الأمين جبريل ومعه ملك الجبال وقال له: {يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ. فَمَا شِئْتَ؟ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ (جبلان يحيطان بمكة)، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً}{3}