نسبه ونشأته الاجتماعية
هو علي بن محمد بن حبيب الماوردي، وكنيته في أغلب المصادر: أبو الحسن وفي بعضها: أبو الحسين [1]، ويلقب بـ"الماوردي". ولد بالبصرة سنة 364هـ / 974م من أسرة لم يثبت لدينا اشتغال أصولها بالعلم أو النبوغ فيه، وإنما اشتغلت بصناعة وبيع ماء الورد، واشتهرت به [2] وأثريت منه. رحلته العلمية
ويبدو أن أسرة الماوردي كانت حريصة على تعليم أولادها، فقد تفقه الماوردي بمدينة البصرة على يد عالمها أبي القاسم الصيمري (المتوفى 386هـ) [3]. ثم ارتحل بعد وفاته إلى بغداد -مركز العلم والمعرفة في عصره- ودرس على إمامها الكبير أبي حامد الأسفراييني (المتوفى 406هـ) [4].
وسمع الحديث من شيوخ عصره: الحسن بن علي بن محمد الجبلي، ومحمد بن عدي المنقري، ومحمد علي الأزدي، وجعفر بن محمد بن الفضل البغدادي المعروف بابن المرستاني.
كما درس الماوردي اللغة والأدب على الإمام أبي محمد البافي (المتوفى 398هـ)، وكان من أعلم أهل زمانه بالنحو والأدب، فصيح اللسان، بليغ الكلام، حسن المحاضرة، يقول الشعر الحسن من غير كلفة، ويكتب الرسائل المطولة بلا روية، وقد تأثر به الماوردي واستفاد منه كثيرًا، ويمكن لنا أن نقول: "إنه بزه (فاقه)، وكان أثره وإثراؤه للأدب العربي واضحًا وكبيرًا بما تركه من كتب في الأخلاق والتربية والمواعظ، وصفته كأديب غير منكورة من أحد، بل من لم ينصفه في الفقه من أنصار المذهب يعلل شهرته بما كان يتمتع به من لسان" [5]. كبير الشافعية في عصره
وكان الماوردي فقيهًا شافعيًّا مجتهدًا، ينهج نهجًا علميًا في أبحاثه إذ يعرض لوجهات النظر المتعارضة والمختلفة في المسألة الواحدة، ويرجح بينها، وينتهي لرأي يرى فيه وجه الحق والصواب، حتى انتهت إليه زعامة الشافعية في عصره.
وانفرد في تفسيره للقرآن الكريم ببعض الاتجاهات التي تدل على أصالته وعمق تفكيره، خاصة في الآيات المتعلقة بمبادئ الحكم والسياسة.
وتتميز كتاباته بأسلوب واضح بليغ ينتقي ألفاظه ومعانيه، ويؤلف بينها كأنها شعر منثور. وكان أخلاقيًا في سيرته ومعاملاته بين الناس، وعمِّر طويلًا، فقد عاش ستًا وثمانين سنة. آثاره العلمية عامة والأدبية خاصة
من أشهر مؤلفات الإمام الماوردي رحمه الله:
1- مختصر علوم القرآن: وثابت نسبة هذا الكتاب بما أورده الماوردي نفسه في مقدمته لكتاب أمثال القرآن، ولم يحظ هذا الكتاب بالإثبات في المصادر التاريخية التي بين أيدينا، ويبدو لنا أنه مفقود.
2- أمثال القرآن: وقد أفرد هذا الكتاب لأمثال القرآن بالشرح والبيان والإيضاح والتبيين، وتوجد منه نسخة في تركيا وذكره السيوطي واستفاد منه [6].
3- النكت والعيون: وهو التفسير الكبير له، ضمنه أقوال الصحابة والتابعين والمفسرين من قبله، وعرض لما يرجحه منها وأدلى ببعض آرائه في بعض الأحيان، وهو مخطوط مبعثرة أجزاؤه بين مكتبات العالم، نشرته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت[7].
4- الحاوي: وهو الشرح الكبير لمختصر المزني، لم يطلع عليه أحد إلا شهد له بالتبحر في الفقه، لم ير النور منه إلا الجزء الخاص بأدب القاضي بتحقيق الفاضل: محيي هلال سرحان، في أربعة أجزاء، الثالث والرابع في "الشهادات"، وهناك عدة رسالات للماجستير والدكتوراه في جامعة الأزهر وغيرها في أجزاء منه، منها: كتاب الزكاة، وكتاب البيوع، وكتاب الحدود. وطبع الحاوي كاملًا تحقيق وتعليق الدكتور محمود مطرجي، وساهم معه الدكتور ياسين الخطيب بكتاب الزكاة، والدكتور عبد الرحمن الأهدل بكتاب النكاح، والدكتور أحمد حاج ماحي بكتاب الفرائض والوصايا [8].
5- الإقناع: موجز دقيق للفقه الشافعي في صفحات معدودة، أعجب به الخليفة القادر وأثنى عليه [9]، عثر على نسخة منه وحققه الأستاذ خضر محمد خضر المدرس بالكويت.
6- الأحكام السلطانية: طبع أكثر من مرة ولم يحظ بتحقيق علمي جاد للآن.
7- قوانين الوزارة.
8- تسهيل النظر وتعجيل الظفر: في أخلاق الملك وسياسة المُلْك، حققه الأخ محيي هلال السرحان، وقدم له وراجعه الدكتور حسن الساعاتي [10]؛ كما حققه الدكتور رضوان السيد [11].
9- كتاب درر السلوك في سياسة الملوك: أهداه لبهاء الدولة، أبو نصر، أحمد بن عضد الدولة بن بويه، المتوفى 403هـ، وهو كتاب وجيز ضمنه جمل من السياسة، نشرته دار الوطن، في 1417هـ.
10- أدب الدنيا والدين: عرض فيه الماوردي للمبادئ الخلاقة في تكوين الفرد والجماعة، واستند فيه إلى الكتاب والسنة ومنثور الكلم ومنظومه، ومزج بين تراث العرب وتراث الأمم الأخرى، حسن الصياغة والسبك مفيد في التربية والأخلاق.
11- الفضائل: مخطوط، يوجد منه نسخة في الأسكوريال [12].
12- العيون في اللغة: قال عنه ياقوت الحموي: "رأيته في حجم الإيضاح أو أكبر" [13] و"الإيضاح" كتاب في النحو لأبي علي الفارسي (المتوفي 337هـ). وكتاب العيون مفقود.
13- الأمثال والحكم.
14- أعلام النبوة: أثنى عليه طاش كبرى زاده، واعتبره أنفع الكتب في دلائل النبوة [14]. وطبع عدة مرات دون تحقيق علمي. مكانة الماوردي العلمية وثناء الأئمة عليه
اتصف الماوردي-كما يقول بحق الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله بصفات جعلته في الذروة بين رجال العلم عبر التاريخ الإسلامي هي:
1- ذاكرة واعية، وبديهة حاضرة، وعقل مستقيم.
2- اتزان في القول والعمل.
3- الحلم وضبط النفس.
4- التواضع وإبعاد النفس عن الغرور، وكان حييًا شديد الحياء، وفيه وقار وهيبة.
5- الإخلاص [15].
وكان الماوردي محل تقدير جل العلماء لهذه الصفات، فيقول عنه مؤرخ الإسلام الذهبي: "كان-الماوردي- إمامًا في الفقه والأصول والتفسير بصيرًا بالعربية" [16]. ويقول عنه الشيرازي: "له مصنفات كثيرة في الفقه والتفسير وأصول الفقه والآداب، وكان حافظًا للمذهب" [17]. ووصفه الخطيب البغدادي (تلميذه)، فقال: "كان ثقة من وجوه الفقهاء الشافعيين" [18].
وقال السبكي عن الماوردي: "كان إمامًا جليلًا رفيع الشأن له اليد الباسطة في المذهب والتفنن التام في سائر العلوم" [19]. وقال ابن الأثير: "كان الماوردي حليما وقورًا أديبًا" [20]. وذكره ابن تغري بردي فقال: "الإمام الفاضل .. صاحب التصانيف الحسان .. وكان محترمًا عند الخلفاء والملوك" [21]. ومن الدراسات الحديثة عن الماوردي، قال الدكتور عمر فروخ فيه: "كان-الماوردي- مصنفًا قديرًا بارعًا تدل كتبه على مقدرة في التفكير وبراعة في التعبير" [22]. وقال محمد كرد علي: "الماوردي من أعظم الكتاب، معتدل في تأليفه، هادئ في أفكاره، أوحد في فنه وفهمه، محمود الطريقة، مطمئن النفس، حريص على الاستفادة، بعيد عن الدعوى والهوى ..، ولم يقتصر الماوردي على الأخذ عن الشيوخ، وتصفح ما خلفه من تقدموه بل قرن إلى علمه تجارب تنبئ عن نفسها، ومعارف منوعة لقفها من الحياة وما عاناه من مشاكل العالم .." [23]. وفاة الماوردي
توفِّي الإمام الماوردي في يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول من سنة 450هـ، ودُفِنَ من الغدِ في مقبرة باب حرب ببغداد، وكان قد بلغ 86 سنة، وصلَّى عليه الإمام الخطيب البغدادي رحمهما الله تعالى |
|
|
|