صحيفة: توتر بين موسكو وطهران.. والأخيرة سحبت بعض وحدات الحرس الثوري
اجتماع حاسم للمعارضة السورية في الرياض.. وإيران تعارض.. وواشنطن تهدِّد روسيا
اجتماع حاسم للمعارضة السورية في الرياض.. وإيران تعارض.. وواشنطن تهدِّد روسيا
بندر الدوشي- سبق- واشنطن: وسط ترقب دولي واهتمام إعلامي غير مسبوق، تستضيف المملكة العربية السعودية اجتماعات مهمة للمعارضة السورية بجميع فصائلها ومكوناتها في الرياض لمدة يومين، من الثامن حتى العاشر من الشهر الحالي.
وتهدف الاجتماعات إلى الوصول لموقف موحد للمعارضة السورية، وتشكيل مكون جديد، تكون أهم أهدافه هو التفاوض لاستلام السلطة في سوريا من أجل مرحلة انتقالية، اتفقت عليها جميع الدول المشاركة في اجتماع فيينا الأخير.
وأصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً، قالت فيه إنه انطلاقاً من دعم السعودية لحل الأزمة السورية سياسياً، واستناداً إلى البيان الصادر عن مؤتمر "فيينا 2" للمجموعة الدولية لدعم سوريا، المنعقد بتاريخ 14 نوفمبر 2015م، وما نص عليه من حشد أكبر شريحة من المعارضة السورية لتوحيد صفوفها، واختيار ممثليها في المفاوضات، وتحديد مواقفها التفاوضية؛ وذلك للبدء في العملية الانتقالية للسلطة وفق بيان "جنيف1" 2012م، واستجابة لطلب غالبية أعضاء مجموعة "فيينا2" من السعودية باستضافة مؤتمر للمعارضة السورية، إضافة إلى رغبة المعارضة السورية بمختلف شرائحها، وبناء عليه فقد وجَّهت المملكة العربية السعودية الدعوة لشرائح المعارضة السورية المعتدلة كافة بمختلف فئاتها وتياراتها وأطيافها العرقية والمذهبية والسياسية داخل سوريا وخارجها؛ للمشاركة في اجتماع موسَّع للمعارضة السورية في العاصمة الرياض في الفترة من 8 إلى 10 ديسمبر 2015م.
المرحلة الانتقالية ومصير الأسد
وبحسب مراقبين فإنه يتعين على السعودية وحلفائها العمل على تشكيل معارضة قوية وموحدة؛ لتُظهر للعالم أن الثورة السورية هي ثورة حقيقية، ولديها معارضة قوية، تستطيع تسلُّم السلطة وإدارة شؤون البلاد في عملية انتقالية حقيقية، سيتم الاتفاق عليها والبدء في إجراءاتها، وبموافقة الدول المعنية.
ومنطقياً، ستتنقل السلطة إلى المعارضة السورية نظراً لكونها تشكّل أغلبية ساحقة من الشعب السوري، وسيشارك جزء من الحكومة الحالية السورية ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء في إدارة هذه الحكومة وفقاً لبيان جنيف 1، الذي يدعو إلى مرحلة انتقالية، ليس للأسد دور فيها، بخلاف بيان فيينا الذي تجاهل مصير الأسد على الأوراق، لكن بالطبع لن يكون للأسد دور فيها، ولا يمكن تصور نجاح أي جهد دولي مع بقاء الأسد، أحد أكبر مجرمي الحرب في التاريخ الحديث، وهو ما أشارت إليه الخارجية السعودية في بيانها مستندة إلى جنيف 1.
واتفق دبلوماسيو 17 دولة، بينها إيران، في فيينا في أواسط الشهر الماضي على مبدأ تنظيم مرحلة انتقالية سياسية في سوريا في غضون 6 أشهر، وتنظيم انتخابات عامة في الأشهر الـ 18 التالية. كما اتفق المشاركون على إعداد قائمة بمجموعات المعارضة السورية، التي يمكن أن تشارك في حوار بين الأطراف السورية.
مصير الأسد
ويرى مراقبون أن مصير الأسد بات محسوماً لدى كل الأطراف الدولية؛ إذ لا يمكن نجاح أي مرحلة انتقالية بوجوده. وعلى الأقل هذا هو الموقف الأمريكي الداعي لهذه النظرية. وتتفق كل من السعودية وتركيا وقطر والمجموعة الأوروبية على أن المرحلة الانتقالية لن يكون للأسد دور فيها.
كما أن روسيا لديها موقف مرن حول مصير الأسد، وتحدثت في أكثر من مناسبة بأن موقفها منه ليس مبدئياً، في إشارة إلى مرونتها في بحث مصيره.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد شدد أثناء لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش اجتماعات باريس للمناخ على أنه لا يمكن لأي مرحلة انتقالية أن تنجح بوجود الأسد. وهو موقف يحظى بإجماع كبير باستثناء إيران التي ترى أن الأسد خط أحمر.
إيران ومعارضتها لاجتماع المعارضة السورية
وكان لافتاً موقف إيران من اجتماع المعارضة السورية في الرياض؛ إذ أعلنت رفضها لهذا الاجتماع. وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن "اجتماع معارضين سوريين في الرياض مخالف لبيان فيينا –2، وإيران لا توافق على أي أعمال خارج هذا البيان".
وأضاف عبد اللهيان "لقد تقرر في فيينا أن يعمل مبعوث الأمم المتحدة في سوريا على إعداد قائمة بالمعارضين بعد إجراء مشاورات على نطاق واسع". وزعم أن "السعودية لم تلعب دوراً إيجابياً وبنّاء حول سوريا في السنوات الخمس الماضية".
سر التوجس الإيراني
الارتباك الإيراني كان واضحاً منذ بداية اجتماعات فيينا؛ إذ أعلنت عدم مشاركتها في الاجتماعات، ثم تراجعت وأعلنت مشاركتها بوفد صغير. ولكن ما سر هذا التوجس من اجتماعات فيينا والموقف الرافض لاجتماعات المعارضة السورية في الرياض؟
وبحسب مهتمين بالشأن السوري، فإن إيران لأول مرة تجد نفسها وحيدة حول مصير الأسد، وخصوصاً أن روسيا التي كانت ترفض التحدث عن مصيره باتت منفتحة على التفاوض حول القضية، وهو ما كشف عنه مسؤول إيراني إبان زيارة بوتين الأخيرة إلى طهران؛ إذ أكد أن الرئيس بوتين دعا الأسد أثناء زيارته إلى موسكو إلى حزم حقائبه استعداداً للرحيل، وذلك بحسب موقع "أونلاين الإيراني".
وتخشى إيران من ضياع جهودها في سوريا، وخصوصاً أن روسيا باتت هي الطرف الوحيد الضامن لنجاح أي حل في سوريا؛ إذ من المرجح أن يصدر قرار عن مجلس الأمن تحت البند السابع بخصوص المرحلة الانتقالية في سوريا من دون الأسد، وهو ما يعني رسمياً ضياع الجهود الإيرانية في سوريا. وستتذرع روسيا المنهكة اقتصاديا، التي لم تجنِ أي نتائج من حملتها الجوية المكثفة في سوريا منذ أشهر، بأن هناك إجماعاً دولياً، ومن الصعب أن تقف روسيا وحدها ضد هذا الإجماع الدولي الداعي إلى مرحلة انتقالية، تضمن مصالح روسيا، وهي المصالح التي تتباين فيها مع إيران. فموسكو تهتم ببقاء مفهوم الدولة، وإعادة ترتيب الجيش السوري وتنظيمه، بينما تدخُّل إيران في سوريا يستند إلى الأيديولوجيا الدينية والطائفية.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية قد كشفت نقلاً عن مسؤول أمريكي كبير أن الرئيس الروسي وعد الدول الداعمة للمعارضة السورية بأنه سيسعى إلى تحجيم دور إيران في سوريا، لكنه أكد أنه من المبكر أن تغير روسيا موقفها بشكل سريع في الأزمة السورية، مضيفاً بأن هناك محاولات أمريكية وأوروبية وعربية جادة خلف الكواليس للعمل على تحييد روسيا عن الموقف من طهران.
وكان من اللافت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة في طهران بعد لقائه قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي، بأن عمليات روسيا العسكرية في سوريا لن تستمر للأبد، في إشارة ضغط واضحة على طهران بأن الحل العسكري لن يكون ناجحاً، وأن الحل السياسي هو ما تفضله موسكو، بل إن هناك تسريبات عن أن الحملة الجوية الروسية من المقرر لها أن تنتهي في يناير.
روسيا لا ترحب بالمليشيات الشيعية
القائد العام للحرسِ الثوريِ الإيرانيِ محمد علي جعفري كشف بكل وضوح عن وجود خلافات كبيرة بين طهران وموسكو حول بشار الأسد، مؤكداً أن روسيا ليست سعيدة بوجود حزب الله.
وقال جعفري في كلمةٍ لهُ في طهران: "جارتنا روسيا تساعدُ أيضاً في سوريا، لكنّها غير سعيدة بحزبِ الله. ولكن على أي حال فإنها تقدم المساعدات على أساس المصالحِ المشتركة". ولكن ليس مِن الواضحِ أنّ مواقفَ روسيا تتطابق مع إيران بشأنِ بشار الأسد. على حدِ قوله.
الحرس الثوري يشتكي من الطيران الروسي
وكانت تقارير استخباراتية أمريكية قد كشفت عن تزايد الشكاوى من قِبل وحدات الحرس الثوري الإيراني من تجاهل الطيران الروسي طلب هذه الوحدات قصف مواقع المعارضة المسلحة أثناء الاشتباكات معها، وهو ما يظهر أن روسيا لا تريد نصراً قوياً للمليشيات الإيرانية على الأرض يحسب لإيران، بينما لجأت طهران إلى الكشف عن أعداد قتلاها في سوريا ردًّا على هذه التصرفات الروسية؛ لتقول لموسكو "إن تضحياتنا أكبر في سوريا من دوركم".
هذه الرؤية أيدتها صحيفة "واشنطن بوست" في تقريرها بالقول: بدأت وسائل الإعلام الإيرانية تنشر بشكل شبه يومي خبر مقتل مقاتلين إيرانيين في سوريا، فيما بات يمثل وجهاً آخر أكثر وضوحاً للتدخل العسكري المباشر من قِبل إيران في سوريا.
وأضاف: الإعلام الإيراني ينقل تفاصيل وفاة الجنود الإيرانيين في سوريا كما ينقل صوراً من تشييع الجنازات، بل الأكثر من ذلك صور حضور قادة إيرانيين لمراسم التشييع، مؤكدة أنه منذ أكتوبر الماضي قُتل 67 إيرانياً في سوريا.
وتنقل الصحيفة عن علي أفنوني، الخبير في الشؤون الإيرانية بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن، قوله إن وسائل الإعلام قبل بضعة أشهر فقط كانت قليلاً ما تتطرق إلى التدخل العسكري الإيراني بسوريا إلا أنه، وتحديداً بعد التدخل العسكري الروسي، بات الإعلام الإيراني ينشر تفاصيل مقتل الجنود الإيرانيين هناك، قائلاً "إنهم يريدون أن يقولوا إنهم موجودون قبل الروس، وإنهم باتوا فخورين بهذا التدخل، ويريدون أن يُظهروه".
وبدورها، كشفت "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن وجه آخر لتعقيدات الموقف بين طهران وموسكو؛ إذ قالت في تصريحات لها نقلاً عن مسؤول أمريكي كبير إن طهران بدأت بسحب وحدات من الحرس الثوري من سوريا بسبب ارتفاع تساقط الضباط الكبار في سوريا، وبسبب الضغط على موارد الدولة في إيران. وأضاف المسؤول الأمريكي بأن واشنطن ترى توتراً متزايداً بين موسكو وطهران بشأن ما يتعلق بمستقبل سوريا.
تحوُّل كبير لواشنطن
تجاهل الأزمة السورية من قِبل الإدارة الأمريكية جعلها أكثر تعقيداً، وربما أدركت واشنطن مؤخراً أن عدم وجود حل للأزمة السورية هو أمر بالغ الخطورة، وأن واشنطن بدأت تتموضع في موقع جديد من الأزمة السورية؛ إذ لأول مرة أطلق وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تهديدات جدية لروسيا وإيران يوم السبت 5 ديسمبر، قال فيها إن واشنطن ستكون مضطرة لاتخاذ إجراءات "قاسية" في حال مواصلة موسكو وطهران دعمهما للرئيس السوري بشار الأسد.
وفي كلمة ألقاها في المنتدى الأمريكي الإسرائيلي في واشنطن قال كيري: إذا شكّلت روسيا وإيران كتلة، وسمحتا للرئيس بشار الأسد بإفشال العملية السياسية، وإذا لم يحدث هناك انتقال سياسي في سوريا، فسنكون مقيدين في خياراتنا، وسنضطر إلى اتخاذ عدد من القرارات القاسية.
وأعرب وزير الخارجية الأمريكي عن اعتقاده بأن واشنطن لا يمكن أن تقبل استمرار الوضع الراهن في سوريا؛ لأنه "يمثل تهديداً لأمن الولايات المتحدة ولكل دولة أوروبية". وتابع كيري: "بالنسبة لأوروبا ليس هو تهديد بسبب ما حصل في باريس أو في أي مكان آخر، إنما هو تهديد لأن هذه الهجرة (من دول الشرق الأوسط) قد تغير السياسة الأوروبية إلى الأبد".
وبحسب مراقبين أمريكيين، فإن الموقف الروسي وإيران وتداعيات إسقاط تركيا للطائرة الروسية، بخلاف تعقيدات تكوين جبهة موحدة للمعارضة السورية، كلها عقبات في طريق التوصل إلى حل نهائي للأزمة السورية، وسيكون اجتماع المعارضة السورية في الرياض مهماً جداً إن لم يكن حاسماً لحلفاء الثورة السورية، الذي ينبغي أن يكون فيه أفراد المعارضة السورية على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم؛ فالكرة الآن باتت في ملعب السعودية وحلفائها لتحقيق تطلعات الشعب السوري الجريح