في بداية القرن العشرين، تمنى أزهري صعيدي يدعى علي أحمد الجرجاوي انتشار الإسلام في بلاد اليابان، وسار وراء حلمه وباع 5 أفدنة من أرضه لينفق منها على رحلته واستقل الباخرة من ميناء الإسكندرية وغاب أكثر من شهرين. وعاد الجرجاوي بعد هذه الزيارة بأخبار وحقائق قام بنشرها في كتاب بعنوان «الرحلة اليابانية» وصدرت طبعته الأولى عام 1907 على نفقته الخاصة، وأصبح معروفًا بأول داعية للإسلام في اليابان خاصة بعدما قالوا عنه: «هذا الرجل لو ظل في اليابان لاعتنق معظم أهلها الإسلام»، وفقًا لما تسجله ذاكرة الأزهر الشريف على موقعها الإلكتروني. الجرجاوي، المولود بمركز جرجا بمحافظة سوهاج في الثلث الأخير من القرن الـ19 تلقى علومه الدينية في قلب الصعيد ثم رحل إلى القاهرة والتحق بالأزهر الشريف لاستكمال الدراسة، لينال الإجازة العلمية من مدرسة القضاء الشرعي ليصبح محاميًا أمام المحاكم الشرعية. وقرر الجرجاوي الابتعاد عن العمل «الميري»، حيث تقول ذاكرة الأزهر إن السبب في ذلك يعود «لما لاحظه من تسلط الإنجليز على مقدرات البلاد إثر فشل الثورة العرابية». لم يتوقف الجرجاوي عند العمل بالمحاماة بل سلك بلاط صاحبة الجلالة مؤسسًا صحيفة «الإرشاد» ثم تولى رئاسة جمعية الأزهر العلمية. وكان له دور بارز في الدفاع عن مطالب الأزهريين بالمشاركة في تأسيس الجمعية الأزهرية، التي كانت إحدى أهم الجمعيات في التعبير عن مطالب الطلبة أمام إدارة الأزهر والحكومة، عام 1909. وتعود شهرة الجرجاوي إلى قراره، الذي رأى فيه ضرورة نشر الإسلام في اليابان، عام 1906، وكانت الأنباء وصلت إلى معظم حواضر العالم الإسلامي، حيث أفادت بأن شعب اليابان بعد انتصاره في حربه ضد روسيا، سبتمبر 1905، سيعقد مؤتمرًا كبيرا للمقارنة بين الأديان المختلفة من أجل اختيار أفضلها وأصلحها، حتى يصبح الدين الرسمي للإمبراطورية. وساهمت عدة صحف في نشر الخبر بالعالم الإسلامي، فوقعت عينا الجرجاوي على سطوره فكتب في صحيفة «الإرشاد» يدعو شيخ الأزهر وعلماء الإسلام لتشكيل وفد للمشاركة في هذا المؤتمر، الذي يمكنهم من خلاله إقناع الشعب الياباني وأمبراطوره بالإسلام. واعتبر الاستجابة لدعوته ستؤدي إلى «قيام حلف إسلامي قوي يجمع اليابان وربما الصين أيضا مع السلطنة العثمانية؛ فيعود للإسلام مجده القديم»، لكن محاولاته اصطدمت بعدم القبول، فأعلن سفره بنفسه إعلاءً لكلمة الإسلام، وكتب ذلك في آخر عدد من صحيفته، 26 يونيو 1906. وعاد من طوكيو مسجلًا سيرته بـ10 قروش في كتاب «الرحلة اليابانية»، الذي وصفته ذاكرة الأزهر بـ«أطرف كتب الرحلات في القرن العشرين»، مضيفة أنه «أول كتاب في العالم العربي يكتبه صاحبه عن اليابان، التي تصاعد اهتمام العالم الإسلامي بها عقب انتصارها في حربها مع روسيا، ولكن من خلال زيارة واقعية لها». وفي كتابه يذكر الجرجاوي أن «اليابانيين بعد انتصارهم على روسيا، رأوا أن معتقداتهم الأصلية لا تتفق مع عقلهم الباهر، فاقترح عليهم الكونت كاتسورة، رئيس الوزراء، إرسال خطابات إلى كل من الدولة العثمانية، وفرنسا، وإنجلترا، وإيطاليا وأمريكا، ليرسلوا إليهم العلماء والفلاسفة والمشرعين، ليجتمعوا في مؤتمر يتحدث فيه أهل كل دين عن قواعد دينهم وفلسفته». وكان الهدف من المؤتمر اختيار اليابانيين بعد ذلك ما يناسبهم من هذه الأديان، فأرسلت إليهم هذه الدول بمندوبين عنها، حيث أرسلت الدول العثمانية وفدًا إسلاميًا، في حين أرسلت بقية الدول وفودًا مسيحية من كل المذاهب المسيحية، وقد بدأت أولى جلسات المؤتمر، مارس 1906. ويقول الجرجاوي إن دين الإسلام نال إعجاب اليابانيين رغم عدم اتفاقهم في المؤتمر على اتباع دين بعينه، ووفقًا لذاكرة الأزهر، كانت من بين إسهاماته تأسيس جمعية في طوكيو للدَّعوة الإسلاميَّة، وذلك بصحبة 3 من الدعاة، وهم الروسي مخلص محمود، والهندي حسين عبدالمنعم، والصيني، الذي يدعى سليمان الصيني، وقد أسلم على أيديهم 12 ألف ياباني. وعندما عاد إلى مصر، استأنف الجرجاوي العمل بالصحافة، عام 1907، وأصدر جريدة «الأزهر المعمور»، وواصل إسهاماته بالرد على ادعاءات المستشرقين، وألف كتابا لذلك بعنوان «الإسلام ومستر سكوت»، وتوفي عام 1961. وتتحدث ذاكرة الأزهر عنه بأنه «من الأزهريين الإصلاحيين، الذين حملوا معالم النهضة، وعملوا على إصلاح التعليم، وإشاعة أجواء الحرية، وخاصة حرية الصحافة، ويظهر ذلك بوضوح من تفاصيل رحلته، فلم يدخل بلدًا إلا وقد تحدث عن أوضاع التعليم فيه، وأجرى مسحاً عن الصحافة الصادرة به، وما تتمتع به من حرية، أو ما يواجهها من قهر ومصادرة». |
|
|
|