سورة فاطر هي السورة الخامسة والثلاثون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة الثالثة والأربعون بحسب ترتيب النزول. نزلت بعد سورة الفرقان، وقبل سورة مريم. وهي مكية إجماعاً، وعدد آياتها خمس وأربعون آية. تسميتها سميت (سورة فاطر) في كثير من المصاحف وفي كثير من التفاسير. وسميت في "صحيح البخاري" وفي "جامع الترمذي" وفي كثير من المصاحف والتفاسير (سورة الملائكة) لا غير. وقد ذكر لها كلا الاسمين السيوطي في "إتقانه".
ووجه تسميتها (سورة فاطر) أن هذا الوصف وقع في طالعة السورة، ولم يقع في أول سورة غيرها. ووجه تسميتها (سورة الملائكة) أنه ذكر في أولها صفة الملائكة، ولم يقع في سورة أخرى. قال القاسمي: "سميت بذلك لما جاء فيها من خلق الملائكة، وجعلهم ذوي أجنحة متنوعة في العدد، الدال على عجيب صنعه تعالى وباهر قدرته". وقال المهايمي: "سميت بها لاشتمالها على بيان تفصيل رسالتهم -أي: الملائكة-، من جهة أخذهم الفيض عن الله، وإيصاله إلى خلقه، من جهة أو جهتين أو ثلاث أو أكثر؛ ليشعر أن الرسالة العامة لهم، إذا كانت كذلك، فكيف الرسالة الخاصة؟ مثل إنزال القرآن، فيجوز أن يكون له جهات كثيرة".
ومما ورد في بعض آياتها ما رواه أبو يعلى -بإسناد قال المنذري: صحيح- والحاكم -وقال: صحيح على شرط مسلم- عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا أوى الرجل إلى فراشه، ابتدره ملك وشيطان، فيقول الملك: اختم بخير، ويقول الشيطان: اختم بشر، فإن ذكر الله ثم نام، بات الملك يكلؤه -يحفظه-، فإذا استيقظ قال الملك: افتح بخير، وقال الشيطان: افتح بشر، فإن قال: الحمد لله الذي رد علي نفسي، ولم يمتها في منامها، الحمد لله الذي {يمسك السماوات والأرض أن تزولا} (فاطر:41) إلى آخر الآية، الحمد لله الذي {يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه} (الحج:65) -وزاد الحاكم: الحمد لله الذي يحيي {الموتى وهو على كل شيء قدير} (الروم:50)- فإن وقع عن سريره فمات، دخل الجنة مقصودها قال المهايمي: "هذه السورة ختام السور المفتتحة بـ {الحمد}، التي فُصلت فيها النعم الأربع، التي هي مجامع النعم؛ لأن نِعَم الله تعالى قسمان: عاجلة وآجلة. والعاجلة وجود وبقاء، والآجلة كذلك إيجاد مرة وإبقاء أخرى".
وقال البقاعي: "ولاسم السورة (فاطر) أتم مناسبة لمقصودها؛ لأنه لا شيء يعدل ما في الجنة من تجدد الخلق؛ فإنه لا يؤكل منها شيء إلا عاد كما كان في الحال. ولا يراد شيء إلا وُجد في أسرع وقت. فهي دار الإبداع والاختراع بالحقيقة. وكذا النار {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} (النساء:56)".
وقال سيد قطب رحمه الله: "قِوام هذه السورة توجيه القلب إلى الله، وإيقاظه لرؤية آلائه، واستشعار رحمته وفضله، وتملِّي بدائع صنعه في خلقه، وامتلاء الحس بهذه البدائع، وفيضه بالتسبيح والحمد والابتهال".
وعلى الجملة، فقد اشتملت السورة على المقاصد التالية:
- إثبات تفرد الله تعالى بالإلهية، فافتتحت بما يدل على أنه مستحق الحمد على ما أبدع من الكائنات، الدال إبداعها على تفرده تعالى بالإلهية.
- إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وأنه جاء به الرسل من قبله.
- إثبات البعث والدار الآخرة.
- تذكير الناس بإنعام الله عليهم بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، وما يعبد المشركون من دونه لا يغنون عنهم شيئاً، وقد عبدهم الذين من قبلهم، فلم يغنوا عنهم من الله شيئاً.
- تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم على ما يلاقيه من قومه من صد لدعوته ورفض لرسالته.
- كشف نوايا قريش في الإعراض عن اتباع الإسلام؛ لأنهم احتفظوا بعزتهم.
- إنذار قريش -ومن كان على شاكلتها- أن يحل بهم ما حل بالأمم المكذبة قبلهم.
- الثناء على الذين تلقوا دعوة الإسلام بالتصديق وبضد حال المكذبين.
- تذكير الذين أعرضوا عن دعوة الإسلام بأنهم كانوا يودون أن يرسل الله إليهم رسولاً، فلما جاءهم رسول تكبروا واستنكفوا واستكبروا وعتوا عتواً كبيراً.
- بينت السورة أنه لا مفر للذين أعرضوا عن دعوة الإسلام من حلول العذاب عليهم، فقد شاهدوا آثار الأمم المكذبين من قبلهم، وأن لا يغتروا بإمهال الله إياهم؛ فإن الله لا يخلف وعده.
- التحذير من غرور الشيطان، والتذكير بعداوته لنوع الإنسان.
- بيان موقف الخلق من القرآن؛ فمنهم ظالم لنفسه باتباع هواه، وارتكاب الذنوب والمعاصي، ومنهم مقتصد في عبادة ربه، ومنهم سابق بالخيرات مسارع لنيل الدرجات.
- المنة على العباد بحفظ السماء والأرض عن تخلخل الأركان والزوال، فهو سبحانه المتحكم بأمرهما والمسير لشأنهما.
- عقوبة الذين يمكرون في الدنيا المكر بهم في الآخرة؛ إذ الجزاء من جنس العمل.
- الإخبار بأنه سبحانه لو عامل عباده بالعدل، لم يَسْلَم من عذابه أحد من الإنس والجان، لكنه سبحانه وتعالى عاملهم بإحسانه وفضله. اللهم إن اصبت فمنك وحدك وإن اخطأت فمني ومن الشيطان |
|
|
|